بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى.
في البخاري بسنده إلى ابن عمر قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لايزال هذا الأمر في قريش مابقي منهم اثنان )) وقد ترجم بلفظ: باب الأمراء من قريش. قال ابن حجر في فتح الباري في الجزء 16 صفح 230 طبع 1387 هـ بمصر مالفظه: ولفظ الترجمة لفظ حديث أخرجه يعقوب بن سفيان وأبو يعلى والطبراني من طريق سكين بن عبدالعزيز حدثنا سيار بن سلامة أبو المنهال قال: دخلت مع أبي على أبي برزة الأسلمي فذكر الحديث الذي أوله: (( إني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش.. )) إلى قوله: وفي آخره سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((الأمراء من قريش )) الحديث. إلى قوله: وفي لفظ للطبراني: الأئمة بدل الأمراء وله شاهد من حديث علي رفعه: (( ألا إن الأمراء من قريش ما أقاموا ثلاثاً.. )) الحديث. أخرجه الطبراني وأخرجه الطيالسي والبزار والمصنف في التاريخ من طريق سعد بن إبراهيم عن أنس بلفظ: (( الأئمة من قريش ما إذا حكموا فعدلوا )) الحديث، وأخرجه النسائي والبخاري ايضاً في التاريخ وأبو يعلى من طريق بكير الجزري عن أنس، وله طرق متعددة عن أنس منها للطبراني من رواية قتادة عن أنس بلفظ: (( إن الملك في قريش)) الحديث، وأخرج أحمد هذا اللفظ مقتصراً عليه من حديث أبي هريرة ومن حديث أبي بكر الصديق بلفظ: ((الأئمة من قريش )) ورجاله رجال الصحيح لكن في سنده انقطاع وأخرجه الطبراني والحاكم من حديث علي بهذا اللفظ الأخير ثم قال في صفح: (235) مالفظه: فإن بالبلاد اليمنية وهي النجود منها ـ أي صنعاء وصعدة ونواحيهما ـ طائفة من ذرية الحسن بن علي لم تزل مملكة تلك البلاد معهم من أواخر المائة الثالثة. قلت: أي سنة مائتين وأربعة وثمانين. وهو عصر إمام الأئمة الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم أزكى التحيات والتسليم كما هو معلوم.(1/221)


قال: وأما مَنْ بالحجاز من ذرية الحسن بن علي وهم أمراء مكة وأمراء ينبع، ومن ذرية الحسين بن علي وهم أمراء المدينة، فإنهم وإن كانوا من صميم قريش لكنهم تحت حكم غيرهم من ملوك الديار المصرية، فبقي الأمر في قريش بقطر من الأقطار ـ أي اليمن ـ في الجملة، وكبير أولائك يقال له الإمام، ولايتولى الإمامة فيهم إلا من يكون عالماً متحرياً للعدل. وقال الكرماني: لم يخل الزمان عن وجود خليفة من قريش إذ في المغرب خليفة منهم على ماقيل وكذا في مصر، قال ابن حجر: قلت: الذي في مصر لاشك في كونه قرشياً لأنه من ذرية العباس، والذي في صعدة ـ أي إمام اليمن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين وذريته عليهم السلام ـ وغيرها من اليمن لاشك في كونه قرشياً لأنه من ذرية الحسن بن علي. إلى قوله: ولحديث ابن عمر شاهد من حديث ابن عباس أخرجه البزار بلفظ: (( لايزال هذا الدين واصباً مابقي من قريش عشرون رجلا )) وقال النووي: حكم حديث ابن عمر مستمر إلى يوم القيامة مابقي من الناس اثنان وقد ظهر ماقاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن زمنه إلى الآن لم تزل الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم على ذلك ومن تغلب على الملك بطريق الشركة لاينكر أن الخلافة في قريش، وإنما يدعي أن ذلك بطريق النيابة عنهم. انتهى.
قال ابن حجر: وقد أورد عليه أن الخوارج في زمن بني أمية تسموا بالخلافة واحداً بعد واحد ولم يكونوا من قريش، وكذلك ادعى الخلافة بنو عبيد وخُطب لهم بمصر والشام والحجاز ولبعضهم بالعراق أيضاً إلى قوله: والجواب: أما عن بني عبيد فإنهم كانوا يقولون: إنهم من ذرية الحسين بن علي، ولم يبايعوا إلا على هذا الوصف، والذين أثبتوا نسبهم ليسوا بدون من نفاه.(1/222)


قلت: ولهم حجة على إثباته قول الشريف الرضي في أبياته المشهورة:
احمل الضيم في بلاد الأعادي .... وبمصر الخليفة العلوي
فهو أخص وأعرف وليس الخلاف في المذهب يوجب نفي النسب، وقد اتضح أن نفي نسبهم كان مصانعة للدولة العباسية فتدبر، ولم يثبت عنهم ماينسب إليهم من مذهب القرامطة الباطنية بطرق صحيحة، ولايصدقون في افترائهم عليهم وقد كانوا يستمدون الولاية منهم، ولكنهم كانوا متى تمكنوا نبذوا ولايتهم وأظهروا الإلحاد والإباحية كما فعل الجنابي صاحب الحسا، وكما فعل ابن فضل القرمطي باليمن وغيرهما في سائر الأقطار، وقد تكلم العقاد في كتابه عن هذا الشأن. إلا أنه يشكل على إثبات النسب العلوي نفي الأئمة الأثبات أهل الإطلاع والورع لنسبتهم منهم الإمام المتوكل علىالله أحمد بن سليمان، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والإمام القاسم بن محمد عليهم السلام وغيرهم، وأما أبيات الشريف الرضي فقد روى في شرح النهج أنه أنكرها، وأما نفي مذهب الباطنية عنهم فيشكل عليه أنهم كانوا يمدونهم بالولاية ويعينونهم على محاربة أئمة الهدى في اليمن من أيام الإمام الهادي عليه السلام حتى قتلوا الإمام أبا الفتح الديلمي والأمير حمزة بن أبي هاشم، وكتاب عبيدالله المهدي إلى الجنابي الذي أخذ الحجر الأسود وقتل الألوف من الحجاج: إنك حققت الكفر علينا. يدل على الاشتراك في المذهب، والله أعلم.(1/223)


قال: وأما سائر من ذكر ومن لم يذكر فهم من المتغلبين وحكمهم حكم البغاة فلاعبرة بهم. وقال القرطبي: هذا الحديث خبر عن المشروعية أي لاتنعقد الإمامة الكبرى إلا لقرشي مهما وجد منهم أحد، وكأنه جنح إلى أنه خبر بمعنى الأمر، وقد ورد الأمر بذلك في حديث جبير بن مطعم رفعه: (( قدموا قريشاً ولاتقدموها )) أخرجه البيهقي، وعند الطبراني من حديث عبدالله بن حنطب، ومن حديث عبدالله بن السائب مثله. وفي نسخة أبي اليمان عن شعيث عن أبي هريرة عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة مرسلا أنه بلغه مثله، وفي نسخة أخرجه الشافعي من وجه آخر عن ابن شهاب أنه بلغه مثله وفي الباب حديث أبي هريرة رفعه: ((الناس تبع لقريش في هذا الشأن)) أخرجاه في الصحيحين من رواية المغيرة بن عبدالرحمن ومسلم أيضاً من رواية سفيان بن عيينة كلاهما عن الأعرج عن أبي هريرة وتقدم في مناقب قريش، وأخرجه مسلم أيضاً من رواية همام عن أبي هريرة ولأحمد من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة مثله، لكن قال: في هذا الأمر، وشاهده عند مسلم عن جابر كالأول وعند الطبراني من حديث سهل بن سعد، وعند أحمد وابن أبي شيبة من حديث معاوية.(1/224)


قلت: والتواتر لاتشترط فيه العدالة بل ولا الإسلام كما هو معلوم. قال ابن حجر في هذا الصفح: وعند البزار من حديث علي إلى قوله: قال ابن المنير: وجه الدلالة من الحديث ليس من جهة تخصيص قريش بالذكر فإنه يكون مفهوم لقب ولاحجة فيه عند المحققين، وإنما الحجة وقوع المبتدأ معرفاً باللام الجنسية لأن المبتدأ بالحقيقة ههنا هو الأمر الواقع صفة لهذا، وهذا لايوصف إلا بالجنس فمقتضاه حصر جنس الأمر في قريش فيصير كأنه قال: لا أمر إلا في قريش. وهو كقوله: الشفعة فيما لم يقسم. والحديث وإن كان بلفظ الخبر فهو بمعنى الأمر كأنه قال: ائتموا بقريش خاصة، وبقية طرق الحديث تؤيد ذلك ويؤخذ منه أن الصحابة اتفقوا على إفادة المفهوم للحصر خلافاً لمن أنكر ذلك، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم أن شرط الإمام أن يكون قرشياً وقيد ذلك طوائف ببعض قريش، فقالت طائفة: لايجوز إلا من ولد علي. وهذا قول الشيعة إلى قوله: وقالت الخوارج، وطائفة من المعتزلة: يجوز أن يكون الإمام غير قرشي. ثم قال: وقال أبو بكر بن الطيب: لم يعرج المسلمون على هذا القول بعد ثبوت: ((الأئمة من قريش )) وعمل المسلمون به قرناً بعد قرن، وانعقد الإجماع على إعتبار ذلك قبل أن يقع الإختلاف. إلى قوله: وقال عياض: إشتراط كون الإمام قرشيا مذهب العلماء كافة وقد عدوها في مسائل الإجماع، ولم ينقل عن أحد من السلف فيها خلاف، وكذلك من بعدهم في جميع الأمصار قال: ولا اعتبار بقول الخوارج ومن وافقهم من المعتزلة لما فيه من مخالفة المسلمين. انتهى المراد نقله.(1/225)

45 / 83
ع
En
A+
A-