في التوسل
قال ابن تيمية في الجزء الثاني من الفتاوي صفح (150) الطبعة الأولى سنة (1381هـ): وروى أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة ومن طريق الشيخ أبي الفرج، حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني، حدثنا أحمد بن راشد، حدثنا أحمد بن سعيد الفهري، حدثنا عبدالله بن سليمان المدني، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لما أصاب آدم الخطيئة رفع رأسه فقال: يارب بحق محمد إلا غفرت لي فأوحى إليه ومامحمد ومن محمد؟ قال: يارب إنك لما أتممت خلقي رفعت رأسي إلى عرشك فإذا عليه مكتوب: لاإله إلاالله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك إذ قرنت اسمه مع اسمك. فقال: نعم قد غفرت لك، وهو آخر الأنبياء من ذريتك ولولاه ما خلقتك.. )) إلى آخره.
قلت: وفي هذا رد صريح مفحم لمن يزعم أن معنى ماورد من التوسل هو التوسل بدعائه، وهو وإن كان من التأويل الباطل الذي لادليل عليه والذي هو خلاف المنطوق به فإنه قد يمكن التلبيس به على من لاقدم له راسخ، أما هذا الخبر فلايتصور ذلك فيه بحال إذ هو قبل وجوده وهو أبلغ وأدخل من التوسل بالموتى من الأنبياء عليهم السلام ونحوهم إذ قد وُجِدوا.
وقال أيضاً في الجزء الثالث من صفح: (176) في سياق حقوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مالفظه: وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علَّم شخصاً أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يامحمد يارسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها، اللهم فشفعه فيَّ.. الخ.(1/216)
قلت: وهذا صريح أيضاً في التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم لماله من المكانة عند الله سبحانه وتصريح من الشيخ ابن تيمية في جواز ذلك، فهؤلاء الذين يمنعونه أشد المنع ويتأولون نحو هذا الخبر النبوي بخلاف حقيقته مخالفون لصريح السنة الشريفة النبوية في هذا الخبر النبوي الصحيح الصريح، ومخالفون للشيخ الذي هو عمدتهم وعليه يعولون، هذا وقد استوفيت طرق هذا الخبر الشريف والكلام على التوسل في أواخر شرح الزلف [صفح 164 الطبعة الأولى، وفي الثانيةص250،والرابعةص347].نعم وفي قوله: يامحمد يارسول الله.. الخ. التصريح بنداء الغائب ولافرق بينه وبين الميت بحال، فتدبر والله سبحانه ولي التوفيق.
أخرج الطبراني في الكبير والأوسط وابن حبان والحاكم وصححوه عن أنس قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلس عند رأسها فقال: رحمك الله يا أمي بعد أمي. وذكر ثناءه عليها وتكفينها ببرده. قال: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسامة وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده، فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاضطجع فيه ثم قال: (( الله الذي يحيي ويميت وهو حي لايموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي )) وما أخرجه الطبراني في الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي من توسل آدم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم.(1/217)
هذا قال الأمير في تأنيس الغريب: وأخرج أبو محمد السمرقندي في فضائل قل هو الله أحد عن علي رضي الله تعالى عنه: ((من مر على المقابر وقرأ قل هو الله إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات )) . قلت: وأخرجه الإمام علي بن موسى الرضا بسند آبائه بلفظه، وأخرجه الرافعي عن علي عليه السلام بلفظه وأخرج القاسم بن أسعد الزنجاني في فوائده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وألهاكم التكاثر، ثم قال: اللهم إني جعلت ثواب ماقرأت من كلامك لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا له شفعاء إلى الله )) .
وأخرج عبدالعزيز صاحب الجلال بسنده عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم وكان له بعدد من فيهم حسنات )) .
قال المحب الطبري: وفي الإحياء للغزالي والعاقبة لعبد الحي عن أحمد بن حنبل قال: (( إذا دخلتم المقابر فاقرأوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد، واجعلوا ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم )) .
قال ابن تيمية في الجزء الأول من الفتاوى صفح (209) الطبعة الأولى مالفظه:(1/218)
وقد جاء في حديث رواه أحمد في مسنده وابن ماجه عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه علَّم الخارج إلى الصلاة أن يقول في دعائه: (( وأسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولابطراً ولارياء ولاسمعة، ولكن خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك )) قال: فإن كان هذا صحيحاً فحق السائلين عليه أن يجيبهم، وحق العابدين له أن يثيبهم، وهو حق أوجبه على نفسه لهم كما يسأل بالإيمان والعمل الصالح الذي جعله سبباً لإجابة الدعاء إلى قوله: فقد تبين أن قول القائل: أسألك بكذا نوعان: فإن الباء قد تكون للقسم، وقد تكون للسبب، فقد تكون قسما به على الله وقد تكون سؤالاً بسببه، فأما الأول فالقَسَم بالمخلوقات لا يجوز على المخلوق فكيف بالخالق، وأما الثاني وهو السؤال بالمعظم كالسؤال بحق الأنبياء فهذا فيه نزاع، وقد تقدم عن أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز ذلك، ومن الناس من يجوز ذلك، فنقول: قول السائل لله تعالى: أسألك بحق فلان وفلان من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم أو بجاه فلان أو بحرمة فلان، تقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه، وهذا صحيح، فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة وجاه وحرمة إلخ كلامه. قلت: وهذا هو غرض المجيزين للتوسل بالأنبياء والصالحين، فأصحاب الشيخ المدعون لمتابعته المانعون لذلك والمنكرون على من أجازه أشد الإنكار فد يبلغ بهم الحال إلى ان يقولوا: هو من الشرك الأكبر مخالفون لما ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ومخالفون له، وقد بسطت الكلام على ذلك في الرسالة الصادعة بالدليل، وفي شرح الزلف [صفح 164 الطبعة الأولى ، والطبعة الثانية صفح250، والثالثة347] والله ولي التوفيق.(1/219)
[بحث في حديث: ((الأئمة من قريش))]
بسم الله الرحمن الرحيم
مبحث في الخبر النبوي: (( الأئمة من قريش )): ومافي معناه من كتب المحدثين، وقد اخترت النقل عن البخاري وشرحه الفتح لكونهما أشهر كتب العامة، وهو مستوفى من طرق أهل البيت عليهم السلام في الشافي وشرح المجموع إذ هو من أخبار المجموع الشريف والجامع الكافي ونهج البلاغةوغيرها، وفيه اعتراف المحدث الكبير ابن حجر لأئمة أهل البيت عليهم السلام باليمن، ونقل إجماع الأمة على أن الإمامة في قريش إلا من لايعتد بقوله كالخوارج، وفيه الرد المفحم على من يتشدق بالإنكار على أئمة أهل البيت عليهم السلام وفي مقدمتهم الإمام الهادي إلى الحق رضوان الله عليهم في قولهم بمنصب الإمامة غاية الأمر الخلاف في كونها في جميع قريش أم في البطنين، فقد بطل قول هؤلاء المبتدعين بالنصوص النبوية، وإجماع الأمة المحمدية ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)) [القصص:68] ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)) [النساء:54].(1/220)