قلت: بالله عليك أيها المطالع المنصف انظر ما أراد ابن تيمية بنقل هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو خارج عن البحث بعيد عن المقصود إذ كان قد أتم ذكر هذه الطائفة، فالأمر واضح ما أراد بذكر هذا الأثر عن ابن عباس الذي فيه تخطئة أمير المؤمنين وإمام المتقين وسيد الوصيين عليه السلام الذي قال فيه أخوه الرسول الأمين صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وسلم: (( علي مع الحق والقرآن والحق والقرآن معه )) وقال فيه: (( اللهم أدر الحق معه حيثما دار )) وقال فيه: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله )) ومن هو منه بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعده، وجعله باب مدينة علمه وأقضى الأمة، ولايحبه إلا مؤمن ولايبغضه إلا منافق، إلى مالايحصى كثرة كتاباً وسنة، وحاشا حَبر الأمة وترجمان القرآن ابن مسعود رضي الله عنهما من ذاك المقال، وقد كان أتبع لابن عمه من ظله مؤتماً به مجاهداً بين يديه مقتدياً بأثره متبعاً لقوله وفعله، وهو القائل: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به. أخرجه المحدث الكبير ابن عبدالبر. والقائل: إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لم نتجاوزها. أخرجه الحافظ ابن حجر في فتح الباري في الجزء السابع قال فيه: بإسناد صحيح.
ورجوعه إليه في القضايا والأحكام ورجوع الصحابة في ذلك إليه معلوم بين الأمة ومما تواتر: (( لولا علي لهلك عمر )) ومما يحقق وضع هذا المقال المصطنع أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد هم بتحريق المتخلفين عن الجماعة كما هو مروي عند الكافة، وهو لايهم إلا بالجائز للعصمة، وقد أحرق خالد بن الوليد الرجل الذي كان يؤتى كما تؤتى المرأة بأمر أبي بكر بعد أن استشار الصحابة فأشار عليه أمير المؤمنين علي عليه السلام بإحراقه. رواه ابن القيم في كتاب الداء والدواء وقال: ثبت ذلك.(1/211)


مع أنه لو صح النهي عن التحريق فهو مخصوص بخبر تحريق المتخلفين عن صلاة الجماعة ومن فعل مايربو على فعلهم من باب الأولى، وهذا مايبين لك إن كنت ذا نظر ثاقب أن في الصحاح ماليس بصحيح كما يعرف ذلك ذوو الاجتهاد والتحقيق لا أرباب المتابعة والتقليد، وقد انتقد الدار قطني على البخاري مائتي حديث، وصرح ابن حزم بوضع بعض أحاديث في البخاري ومسلم، وقد استوفيت البحث في هذا في كتاب لوامع الأنوار والله ولي التوفيق.
وقال في صفح (35): وأما لفظ الرافضة، فهذا اللفظ أول ماظهر في الإسلام لما خرج زيد بن علي بن الحسين في أوائل المائة الثانية في خلافة هشام بن عبدالملك واتبعه الشيعة فسئل عن أبي بكر وعمر فتولاهما وترحم عليهما، فرفضه قومٌ فقال: رفضتموني رفضتموني. فسموا الرافضة، فالرافضة تتولى أخاه أبا جعفر محمد بن علي، والزيدية يتولون زيداً وينسبون إليه، ومن حينئذ انقسمت الشيعة إلى زيدية ورافضة إمامية.. إلخ.
قلت: ولكنهم لما علموا أن بهذا تخرج الزيدية عن اسم الرفض نقلوه إلى معنى آخر ليعم الفريقين فقالوا: الرافضي من يفضل علياً على غيره كما صرح بذلك الذهبي تلميذ الشيخ ابن تيمية وابن حجر وغيرهما، بل جعل بعضهم تفضيل علي عليه السلام على عثمان أول درجة من الرفض، ولم يبال بكون ذلك خلاف الحقيقة وخلاف موضوع الرفض بإجماع الأمة، ولابكونه سيدخل فيه أعيان الصحابة الأبرار كعمار وسلمان وابن مسعود وخباب وأبي ذر والمقداد وجابر وغيرهم ممن نقل أهل الحديث وغيرهم أنهم كانوا يفضلونه.
قال ابن حجر في الجزء السابع من فتح الباري: روى البزار عن ابن مسعود قال: كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب رجاله موثقون. انتهى. وهذا يدل أن ذلك كان معلوماً لديهم جميعاً إذ قوله: كنا. يدل على ذلك، ويدل على أن ذلك من السنة، إذ أورده مورد الاحتجاج، والكلام على قول الصحابي: كنا وكانوا، معلوم في الأصول.(1/212)


وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب: وروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من أسلم، وفضله هؤلاء على غيره، وغير ذلك مما لايسعه المقام، وسيدخل فيه أيضاً جميع أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لأن ذلك المعلوم من مذاهبهم بين الأمة، بل سيدخل فيه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وحاشاه وإن كان غير مقصود لأنه قدمه عليه السلام على الكل في أقوال وأفعال لاتحصى ولاتحصر، فهذا مقتضى أقوالهم وأفعالهم فهو تعبير عن لسان حالهم.
وقد قال ابن تيمية في صفح: (34) في تقسيم الشيعة الذين ذمهم ذلك الذم الشنيع على وجه التعميم مالفظه: والثانية: السابة.. إلى قوله: والثالثة: المفضلة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر.. إلخ.(1/213)


هذا كلامه في الفتاوي، واعلم أن كثيراً من المخالفين لايزالون يذمون الشيعة على الإطلاق، ويجعلون اسم الشيعة اسم ذم، وهو خلاف ماورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال تعالى: ((وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ)) [الصافات:83] وقال سبحانه: ((فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)) [القصص:15] فقد قابل الله تعالى بين الشيعة والأعداء، فمن لم يكن من شيعة أهل بيت محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام فهو من عدوهم، وهذا عارض وله بحث وهذه الأبحاث قد استوفيتها في لوامع الأنوار، وأوضحت هنالك بحمد الله تعالى مافيه ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، هذا ومع ذلكم فقد اعترف الشيخ ابن تيمية بأصل تسمية الروافض، وأن الذي سماهم به الإمام الأعظم زيد بن علي عليهما السلام، وأنه سماهم لأنهم رفضوه، ولم ينقل هو ولاغيره أنه جرى للتفضيل أو التقديم أو الإمامة أي ذكر ولانقل حرف واحد مانقلوا إليه اسم الرفض، واعترف أيضاً بأنه لايطلق على الزيدية، واعترف بعلمهم وصدقهم وشجاعتهم حيث قال في الجزء الثاني من المنهاج صفح (67): وإنما سموا رافضة لما خرج زيد بن علي بن الحسين بالكوفة في خلافة هشام فسأله الشيعة عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما فرفضه قوم. فقال: رفضتموني رفضتموني، فسموا رافضة، وتولاه قوم فسموا زيدية لانتسابهم إليه، ومن حينئذ انقسمت الشيعة إلى رافضة إمامية وزيدية إلى قوله: فالزيدية خير من الرافضة، أعلم وأصدق وأشجع. انتهى المراد.
قال ابن تيمية أيضاً في الجزء الأول من المنهاج صفح (21): لفظ: الرافضة، إنما ظهر لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين في خلافة هشام وقصة زيد بن علي بن الحسين كانت بعد العشرين ومائة سنة (121 هـ) أو (122 هـ) في آخر خلافة هشام.(1/214)


قال ابن تيمية: قال أبو حاتم البستي: قتل زيد بن علي بن الحسين بالكوفة سنة (122 هـ)، وصلب على خشبة، وكان من أفاضل أهل البيت وعلمائهم وكانت الشيعة تنتحله. قال ـ أي الشيخ ابن تيمية ـ: ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية، فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما رفضه قوم. فقال: رفضتموني. فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمى من لم يرفضه من الشيعة زيدياً لانتسابهم إليه، ولما صلب كانت العُبَّاد تأتي إلى خشبته بالليل فيتعبدون عندها.. إلى آخره، وتأمل قوله: كانت العُبَّاد تأتي.. الخ. والأمة مجمعة على أن الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام هو الذي سماهم الرافضة لأنهم رفضوه، وإن اختلف في السبب الذي لأجله رفضوه، ولم ينقل ناقل ولاروى راو أنه جرى للتقديم أو لتفضيل بعض الصحابة على بعض ذكر، فنقل اسم الرفض إلى من قدَّم أو فَضَّل مجرد افتراء وزور وتحريف للكلم عن مواضعه، ورمي أتباع الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام وخلص أوليائه وأنصاره بهذا الإسم الذي سمى به أعداءه بهتان عظيم وإجرام جسيم ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)) [الشعراء:227].(1/215)

43 / 83
ع
En
A+
A-