وأخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار بمهملات قال: فقلت لابن عمر: أخبرني عن علي وعثمان فذكر الحديث، وفيه: وأما علي فلاتسأل عنه أحداً، وانظر إلى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد سد أبوابنا في المسجد وأقرَّ بابه. ورجاله رجال الصحيح إلا العلاء وقد وثقه يحيى بن معين وغيره، وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها، وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات أخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصراً على بعض طرقه عنهم، وأعلَّه ببعض من تكلم فيه من رواته، وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق، وأعلَّه أيضاً بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر. إلى قوله: وأخطأ في ذلك خطأً شنيعاً، فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة مع أن الجمع بين القضيتين ممكن، وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده فقال: وساق كلام البزار إلى قوله: فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري يعني الذي أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لايحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنباً غيري وغيرك)). إلى قوله: ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق المطلب بن عبدالله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي بن أبي طالب ثم قال: لأن بيته كان في المسجد. قلت: بالله عليك أيها المنصف انظر كيف يتمحلون لصرف الفضائل الشهيرة، ويدافعون في أوجه الدلائل المنيرة، وقد صرح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن هذه خصوصية وفضيلة خصه الله بها كما خص رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (( لايحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنباً غيري وغيرك )) وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما أنا سددتها ولكن الله سدها )) وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إني والله ماسددت شيئاً ولافتحته ولكن(1/201)
أُمرت بشيء فاتبعته )) وقد فهم ذلك الصحابة وعلموه، قال ابن عمر: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أخرجه البخاري قال في الفتح: أي أحسنها بناء. وقال الدراوردي معناه: أنه في وسطها وهو أصح ووقع عن النسائي من طريق عطاء بن السائب عن سعد بن عبيدة في هذا الحديث فقال ـ أي ابن عمر ـ: لاتسأل عن علي ولكن انظر إلى بيته في بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وله من رواية العلاء بن عرار قال: سألت ابن عمر عن علي فقال: انظر إلى منزلته من نبي الله ليس في المسجد غير بيته. انتهى.
وقد سبق لهم فيما رووه من باب أبي بكر قولهم فيه إشارة قوية إلى استحقاقه للخلافة، بل قال صاحب الكتاب وقد ادعى بعضهم أن الباب كناية عن الخلافة.. الخ.
مع أن الواقع أن الرواية إن صحت في قصة أبي بكر فإنما هي في الخوخة كما سيأتي من اعترافهم بذلك، قال في الفتح في صفح (15): ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين في الأولى استثنى علي لما ذكره. قلت: أي العلة التي ذكروها المخالفة للنصوص المعلومة، وهذا كلام أقربهم إلى الإنصاف.
قال: وفي الأخرى استثنى أبو بكر، ولكن لايتم ذلك إلا بأن يحمل مافي قصة علي على الباب الحقيقي ومافي قصة أبي بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه، وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خُوخاً يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بعد ذلك بسدها.(1/202)
قلت: قوله: يستقربون الدخول، توصُّل إلى جعلها في معنى الباب لتمشية روايته، ولتكون مقاربة لباب علي عليه السلام، وذلك لايصح أصلا فلو كانت كذلك لما كان للأمر بسد الأبواب ثمرة أصلا، ولكان يقول بتصغير الأبواب لابسدها. قال: فهذه طريقة لابأس بها في الجمع بين الحديثين، وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار وهو في أوائل الثلث الثالث منه، وأبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار وصرح بأن بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد وبيت علي لم يكن له باب إلا من داخل المسجد. والله أعلم.
قلت: وقد استوفيت الروايات والكلام على ذلك وغيره في كتاب لوامع الأنوار نفع الله تعالى به وماهذه إلا عجالة سفر، فمن أراد الاستكمال في هذا الباب وغيره فليراجعه إن شاء الله ففيه بغية الرائد وضالة الناشد.
والحق أبلج ما تخيل سبيله والحق يعرفه أولوا الألباب
والله ولي التسديد والتوفيق. حرر بالطائف 29 شعبان سنة 1393 من الهجرة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلوات والتسليم، وكان النزول إلى الحرم الشريف للعمرة يوم الجمعة 2 شهر الله المعظم رمضان الكريم، ثم كان التوجه من جدة إلى نجران دار الإقامة في هذه المدة أيام الهجرة يوم الإثنين خامس الشهر المبارك الكريم.
سبحان الله العظيم وبحمده،سبحان الله العظيم ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.(1/203)
خبر المنزلة ودلالته على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وآله المقتفين أثره.
في فتح الباري شرح البخاري صفح (75) من الجزء الثامن في شرح خبر المنزلة مالفظه: قوله: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) أي نازلا مني منزلة هارون من موسى والبا زائدة. وفي رواية سعيد بن المسيب عن سعد فقال علي: "رضيت رضيت". أخرجه أحمد، ولابن سعد من حديث البراء وزيد بن أرقم نحو هذه القصة قال: بلى يارسول الله. قال: فإنه كذلك. وفي أول حديثهما أنه عليه الصلاة والسلام قال لعلي: لابد أن أقيم أو تقيم فأقام علي إلى قوله: وإسناده قوي، ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي قال: قال معاوية لسعد: مامنعك أن تسب أبا تراب قال: أما ماذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلن أسبه فذكر الحديث وقوله: (( لأعطين الراية غداً رجلا يحبه الله ورسوله )) وقوله: لمّا نزلت: ((فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ)) [آل عمران:61] فدعا علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال: (( اللهم هؤلاء أهلي )) وعند أبي يعلى عن سعد من وجه لابأس به قال: لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسب علياً ماسببته أبداً. وهذا الحديث _أعني حديث الباب دون الزيادة_ روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن غير سعد من حديث عمر وعلي نفسه وأبي هريرة وابن عباس وجابر بن عبدالله والبراء وزيد بن أرقم وأبي سعيد وأنس وجابر بن سمرة وحبشي بن جنادة ومعاوية وأسماء بنت عميس وغيرهم، وقد استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة علي، وقريب من هذا الحديث في المعنى حديث جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: ((من أشقى الأولين؟ قال: عاقر الناقة. قال: فمن أشقى الآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: قاتلك)). أخرجه الطبراني وله شاهد من حديث عمار بن ياسر عند أحمد، ومن حديث صهيب عند الطبراني، وعن علي نفسه عند أبي يعلى بإسناد لَيِّن، وعند البزار بإسناد جيد.(1/204)
واستدل بحديث الباب على استحقاق علي للخلافة دون غيره من الصحابة، فإن هارون كان خليفة موسى، وأجيب بأن هارون لم يكن خليفة موسى إلا في حياته لابعد موته لأنه مات قبل موسى باتفاق أشار إلى ذلك الخطابي.
وقال الطِبِّي: معنى الحديث أنه متصل بي نازل مني منزلة هارون من موسى وفيه تشبيه مُبْهَم بيَّنه بقوله: إلا أنه لانبي بعدي. فعرف أن الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة بل من جهة مادونها وهو الخلافة، ولما كان هارون المشبه به إنما كان خليفة في حياة موسى، دل ذلك على تخصيص خلافة علي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بحياته، والله أعلم.
قلت: الحمدلله وحده، قد اعترف هؤلاء الحفَّاظ بوجه دلالة النصوص على الخلافة كما يقوله أهل البيت عليهم السلام ومن وافقهم، وماذكروه من وفاة هارون عليه السلام لايصلح شبهة فضلاً عن حجة، فإن موته قبل موسى عليه السلام لايؤثر في استحقاقه لخلافته قطعاً وشركته في الأمر، والمعلوم بالنص القرآني حيث جعله شريكه في أمره، وحيث كان أحق الخلق بمقامه، أنه لو عاش لكان هو خليفته، وقد نزل علياً عليه السلام في هذا الاستحقاق وفي هذه الفضيلة منزلته، وهو لفظ عام بدلالة الاستثناء، وقد أكد كونه في جميع منازله باستثنائه للنبوة، وقد دل دلالة قاطعة أنه لو كان بعده صلى الله عليه وآله نبي لكان علي نبياً، فكيف يجوز أن يستحق مقامه صلى الله عليه وآله وسلم غيره، وهذا واضح، ولعمر الله إن مثل ذلك لايخفى على هؤلاء النُّظَّار، ولكن لِهَوى النفوس سريرة لاتعلم.
والحق أبلج والبرهان متضح .... وبيننا محكم التنزيل والسور
نعم قال في الفتح: وقد أخرج المصنف من مناقب علي أشياء في غير هذا الموضع منها حديث عمر: (( علي أقضانا )) وسيأتي في تفسير البقرة، وله شاهد صحيح من حديث ابن مسعود، وعند الحاكم.(1/205)