الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى، مؤلف هذه الرسالة هو القاضي شيخ الإسلام وأستاذ الأئمة الأعلام عبد اللّه بن علي الغالبي الضحياني رضي اللّه عنهما فيما شجر من النزاع بين الإمام الأواه المنصور بالله محمد بن عبد اللّه الوزير وبين الإمام الأمجد المتوكل على اللّه المحسِّن بن أحمد سلام اللّه عليهم ومن في جانبي الإمامين من الأعلام. واعلم أنه لما كان الإمامان من أئمة الهدى وأتباعهما من أعلام الاقتداء بل هم صفوة الصفوة في ذلك الزمن وخيرة الخيرة من أقطاب اليمن، ومقصدهم جميعاً الدعاء إلى اللّه تعالى وإحياء كتابه وسنة نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وإرشاد العباد وإصلاح البلاد بلا ميل إلى الهوى ولاتعريج على الدنيا، وإنما أوجب الخلاف اختلاف الآراء وتعارض الأنظار، وجب حمل الجميع على السلامة وعدم الإقدام على التورط في السب والملامة المحرمين قطعاً عقلا وشرعاً في حق من ظهر صلاحه، ففي الخبر النبوي الصحيح: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) ولم يزل الخلاف هذا بين الأئمة الأعلام وهداة الأنام، ولم يظهر من أحد من أهل الحق أو التحقيق أي سب منهم لأحد أو تفسيق، لأن المسائل التي يختلفون فيها ليست من ضروريات الدين، ولامما وضحت في أحد الجانبين الأدلة القاطعة والبراهين، وثبوت الإمامة في الأفراد بعد المنصوص عليهم ليست قطعية على الصحيح كما صرح به الإمام محمد بن عبد اللّه الوزير رضي اللّه عنه في هامش الورقة الرابعة من هذه الرسالة حيث قال: ولانسلم قطعية إمامة كل إمام ولم ينتهض على ذلك دليل، وإنما القطعي أصل الإمامة لا أفراد الأئمة.. إلى آخر كلامه. ولو سلم كونها قطعية فليس الخلاف في كل قطعي يوجب التكفير والتفسيق، والله سبحانه وتعالى يقول: ((وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)) [الأحزاب:5] ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)) ولم يفصل، وكلام(1/186)
هذا العالم القدوة صاحب الرسالة ليس فيه أي سب أو تفسيق، والمقام لايحتمل البسط، والله ولي التسديد والتوفيق، وقد أوضحت هذا الكلام في صحفة (144) من شرح الزلف في الطبعة الأولى وفي الطبعة الثانية صفحة 220 ـ 221، وفي الطبعة الثالثة صفحة309.
كتبه المفتقر إلى اللّه تعالى مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي غفر اللّه تعالى لهم آمين سنة (1406 هـ) بخط المفتقر إلى عفو اللّه تعالى نقلا عن خط مولانا الحجة الإمام أبي الحسين أيدهم اللّه تعالى قاسم صلاح يحيى عامر غفر اللّه تعالى له ولوالديه وللمؤمنين.(1/187)
ومن نص هذه الرسالة ـ أي الحاكمة ـ قول القاضي العلامة عبدالله بن علي الغالبي مالفظه: هذا ولما نظرنا ماجرى بين علماء صنعاء عافاهم الله وكبيرهم الأخ العلامة الصفي أحمد بن إسماعيل العلفي عافاه الله وبين الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله حفظه الله وبعد خروجه من صنعاء إلى قوله: طلبناهم الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حكم مرضي، فإن قبلوا ذلك ورحبوا به ففي كتاب الله وسنة رسوله شفاء كل داء ونجاة من كل فتنة عمياء، وأنه إن قبله أحدهما وأبى الآخر واختار البقاء على هواه واعتقاده فقد خرج من الأخوَّة في الله، وبطلت حجته، وكان هو المخطئ وأرسلناها مع ثلاثة أمناء من عندنا هم أعدل أهل جهاتنا لايخافون في الله لومة لائم ولا ينخدعون ولايميلون عن الحق إن مال عنه مائل مع علمهم وحسن معرفتهم وهم سيدي العماد العلامة يحيى بن علي القاسمي المؤيدي، وسيدي العلامة يحيى بن أحمد العجري المؤيدي، والولد العلامة المجاهد عمير بن عيظة عريج شكر الله سعيهم، وكتب في صحائف الحسنات أجرهم، وقد تعبوا ودأبوا ولم يألوا جهداً في السعي في الصلاح أو المحاكمة وأعرضوا ماشرحناه على جميع علماء صنعاء والروضة الذين هم المشار إليهم وصوبوا مارقمناه وأجمعوا على أن المحاكمة عند الاختلاف طريقة الآل والإسلام، وأن ذلك قطعي بل بعضهم قال إنه ضروري، وأجمعوا أن من أبى فقد أخطأ واتبع الهوى وبطلت حجته عند الله آخرهم سيدي العلم قاسم بن أحمد عافاه الله قد كان بايع سيدي الحسام وشرط في بيعته المحاكمة، وكذلك سيدي العلامة أحمد بن محمد الكبسي حماه الله فقد كان بايع وشرط في بيعته المحاكمة، وصوب الجميع ماتضمنته رسالتنا فهذه ألفاظهم للأمناء، ثم وصل الأمناء إلى القاضي أحمد وذكروا له كلام العلماء فأبى من المحاكمة هو وسيدي الحسام عافاه الله، وقد كانوا أولا اعتلوا بالعلماء أنهم إذا قالوا طريقة الآل فخرجنا فأبوا بعد ذلك، ثم(1/188)
وصلوا إلى الإمام المنصور بالله عافاه الله فامتثل ووضع يده على رأسه، وقال: مرحباً عند حَكَم يرضونه الأمناء، وصوب علماء صنعاء.
إلى قوله: ثم تعقب ذلك بعد وصول الأمناء لدينا كتب ورسائل القاضي أحمد تضمنت المنع من المحاكمة وإن من طلب ذلك فقد أحيا سنة معاوية، وكذلك كتاب سيدي الحسام عافاه الله وهي لدينا بخطوطهم، هذا ومن رقم علامته من العلماء في ذلك المرقوم الذي فيه القدح على المنصور بالله قد اختل سلك ذلك النظام فرأسهم في ذلك هو سيدي العلامة أحمد بن محمد الكبسي عافاه الله، وقد أرسل إلينا برسالته وكتب إلينا بخطه بإقراره بالنكث لبيعة الإمام المنصور بالله مما قدحوا به في حاله وأنه تبرأ من ذلك وأظهر توبته وحمد الله على تعجيل عقوبته في الدنيا، وأن ماوقع فيه عقوبة وأنه مغرور غره القاضي أحمد وذكر في رسالته أن الإمام المنصور بالله هو حجة الله وأنه عالم آل محمد، وعَرَّفنا نبث ذلك في البلاد وإظهار توبته، وكذلك العلامة المرجع ممن أعلم في المرقوم اعترف بالخطأ وأنه مكره على العَلاَمة.
إلى قوله: وهذا الأخ العلامة الصفي أكثر مايعوِّل عليه في إمامة سيدي محسن الأنهضية، وأن سيدي محسن أنهض ويجب على المنصور أن يسلمها إلى الأنهض، وإلا اختلت عدالته وأضرب عما في المرقوم وليت شعري من أين هذه الأنهضية مع عدم الناصر.(1/189)
إلى قوله: ومن أنهض من المنصور عند وجود الناصر، وسل عنه فتكاتهِ في الشام واليمن مما لايحتاج إلى بيان وأخذه للمعاقل التي لايقدر عليها ملوك العجم والجبابرة من ملوك العرب. هذا مضمون ذلك العالم وهو المحسوس المعلوم فقد عرفت أن هؤلاء عمدة العلماء وغيرهم أتباعهم ماخلا الصنو العلامة فقد اختل نظام ذلك المرام بلاشك ولاريب، ثم لايخفى ما كثره القاضي في كتبه ورسالته من أن مسألة الإمام قطعية فمسلم وليس محل النزاع كما ستعرف وإن كان محل النزاع كما توهمه وأوهمه فليست عقلية كمسائل الاعتقاد في التوحيد والعدل بل هي قطعية شرعية، وإنما دخلت في علم الأصول لترتب أحكامها على العلم كمسألة الشفاعة، فهي فرعية ترتبت على علمي، ولهذا لايجوز التقليد فيها ويوضح ذلك أن القطعي وجوب نصب الإمامة على الأمة بدليل إجماع الصحابة في المبادرة إليه قبل مواراة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا نكير.(1/190)