ثالثاً: ماذكرتم من إجماع الأمة على جوازها فيهم وعدم الدليل على غيرهم مع اشتمالها على أمور شرعية لايجوز تناولها إلا بدلالة قطعية فالحصر في الحقيقة مركب من الإجماع وعدم الدليل على سواهم هكذا قرروه.
نعم فما ذكرتم من إيراد خلاف الإمامية.
فالجواب: أولا أن خلافهم مسبوق بالإجماع العام وإجماع آل محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم خصوصاً، فالمعلوم أنهم كانوا يطبقون على إمامة القائم منهم من أي البطنين كان ولم يخالف مخالف في إمامة الإمام الأعظم زيد بن علي وولده يحيى عليهم السلام والنفس الزكية محمد بن عبداللّه وإخوته الأئمة عليهم السلام، بل بايع الصادق جعفر بن محمد محمد بن عبداللّه عليهم السلام وأخرج معه ولديه موسى الكاظم وعبداللّه عليهما السلام وهما من الاثني عشر، وبايع موسى الكاظم الإمام الحسين بن علي صاحب فخ عليه السلام، وذلك معلوم من أحوالهم ضرورة لمن عرف سيرهم وأخبارهم مع أنه كما قال الإمام عز الدين بن الحسن عليهما السلام في المعراج مامعناه: ليس خلافاً في محل النزاع وهو عدم جواز الإمامة في غير أولاد الحسنين، بل هم موافقون، وإنما بالغوا فيه فقصروا على بعضهم.
ثانياً: أن الإمامية إنما بنوا قولهم على دعوى النص قطعاً، فإذا ثبت بطلانه ارتفع الخلاف، وهذا القدر كاف في المقصود.
ثالثاً: أنه لم تقم حجية الإجماع على ذلك إلا مع فقد الدليل على جوازها في غيرهم، ولم يتم هذا إلا في حق سائر الأمة وأما أهل البيت عليهم السلام، فقد قامت الأدلة كما أشرنا إليها على جوازها فيهم بل قصرها عليهم.
هذا وأما السؤال الوارد على الاستدلال بأن الإمامة شرط في إقامة الحدود.. الخ.(1/181)
فالجواب والله الموفق إلى منهج الصواب: نعم من جملة مااستدل به على وجوب الإمامة كونها وردت واجبات مطلقة والإمامة شرط فيها، وقد علم من القاعدة الأصولية: أن ماورد مطلقاً فمالايتم إلا به من المقدمات الممكنة يكون حكمه حكمه. وقد دل الدليل على إيجاب الحدود مطلقاً وهي ضرورية والأئمة فيها شرط أداء، وقد استدل على ذلك بإجماع الأمة وبقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((أربعة إلى الولاة الحدود والجمعات والفيء والصدقات)) ، وروى الإمام زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي صلوات اللّه عليهم: ((خمسة أشياء إلى الإمام: صلاة الجمعة، والعيدين، والصدقات، والحدود، والقضاء، والقصاص)).
وأورد على هذا الاستدلال أن الإجماع غير صحيح على اشتراط الإمام فيها، فالخلاف ظاهر والخبر آحادي لايفيد، وقد استدل بهذه الطريقة الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم وأبو علي وأبو هاشم واعتمده الرازي وقد عرفتم ما أورد عليه وهو إيراد وارد، والذي يظهر والله أعلم أن الإمام القاسم صلوات اللّه عليه ومن استدل به من المحققين إنما يريدون به الاستظهار وإلزام الخصم، وإلا فمثله لاتقوم به الحجة القاطعة المطلوبة في هذا الباب، والأدلة على وجوب الإمامة كثيرة شهيرة، فإن الإمامة ثانية النبوة في الوجه الذي وجبت له كما قال نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم عليهما السلام: إن أفرض الفرائض وأوكدها فرضاً الإمامة، لأن جميع الفرايض لاتقوم إلا بها.. الخ كلامه. ومن المعلوم أنه لايستقيم حفظ معالم الإسلام ودفع المظالم بين الأنام إلا بالإمام، والعقل يؤيد دليل الشرع على وجوبها، فإن بتركها يختل النظام ويفسد أمر الخاص والعام، ولهذا لم يسمع إهمال الرئيس في أمة من الأمم ولاطائفة من الطوائف من جميع العرب والعجم.(1/182)
وقد أجمعت الأمة على ذلك بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وفي كل عصر فإنهم يفزعون إلى إقامة الإمام ولايكون لهم عقيب وفاته هم إلا إقامة آخر إلا لمانع من تغلب الظالمين ومنع الجبارين علم ذلك قطعاً من حالهم، وأن فعلهم ذلك على طريقة اعتقاد الوجوب، وأدلة الإجماع معلومة مقررة مرسومة لايحتاج إلى إيرادها هنا، والله سبحانه يقول في إبراهيم صلوات اللّه عليه: ((إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) [البقره:124] ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا)) [السجده:24]، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)) [النساء:59] وهي تفيد استمرار وجوب طاعتهم.
ومن السنة نحو قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية)) قالوا: وهذا الخبر متلقى بالقبول.
قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: وإنما الأئمة قوام اللّه على خلقه وعرفاؤه على عباده لايدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولايدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه. وقال أيضاً لما سمع قول الخوارج: لاحكم إلا لله: هذه كلمة حق يراد بها باطل، إنه لاحكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: إنه لا أمر وأنه لا بد للناس من أمير.. الخ كلامه صلوات اللّه عليه وسلامه وغير ذلك والأدلة على هذا الأصل مشروحة مستوفاة في مباحثها.
وأما قولكم: فإن قالوا: الدليل على الإمامة حاجة الناس إليها لم تجب شرعيتها لأجل الحاجة، وما المانع من ترك شرعيتها ابتلاء.. الخ كلامه.
فنقول: إن المدعى أن الحاجة إليها في الدين لما لايتم إلا بها، وإذا علم حاجتهم إليها في الدين كذلك فالحكيم لايلزمهم مالايتم من الدين إلا بالإمام ولايوجبه ولايبينه، هذا ماظهر وتيسر، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل.(1/183)
قال في الأم: تم هذا نقلا عن خطه رضي اللّه عنه وحفظه بحفظه ورعاه بلطفه وصلى اللّه وسلم على محمد وآله، وكان الفراغ من زبر هذا بحمد اللّه وإعانته ولطفه وإحسانه عند ارتفاع النهار يوم الأربعاء 17 شهر رجب الأصب سنة (1370 هـ). نقل هذا عن خط القاضي العلامة علي بن يحيى شيبان رضي اللّه عنه.(1/184)
تعليق على الرسالة الحاكمة
تأليف
الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى
تعليق على الرسالة الحاكمة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وحجة باقية إلى يوم الدين، وعلى آله الذين طهرهم اللّه من الأرجاس، وفضلهم على جميع الناس، أئمة الهدى ومصابيح الدجى، والعروة الوثقى، وبعد فهذه المقدمة لمولانا وشيخنا شيخ الإسلام والمسلمين والمجدد لما اندرس من علوم الدين من لايجارى في مضمار ولايشق له غبار الإمام أبي الحسين مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده اللّه تعالى تعليق على الرسالة الآتية المسماة: بالرسالة الحاكمة، وقد بين أيده اللّه مايجب العمل به في شأن المعارضة بين أئمة الهدى ونجوم الاقتداء، قال أيده اللّه تعالى:(1/185)