نعم ظاهرها وظاهر سائر الأدلة على إمامة الوصي صلوات اللّه عليه كخبر الغدير والمنزلة ثبوت ملك التصرف له عليه السلام في أيام الرسول صلوات اللّه عليه وسلامه وآله، والمعلوم أنه لاتصرف على الأئمة في عهده صلى اللّه عليه وآله وسلم لغيره والإجماع على ذلك إلا في حال غيبته صلى اللّه عليه وآله وسلم، فقد قال الإمام أبو طالب عليه السلام بثبوت ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام ولامانع منه، هذا فتكون مخصصه _أي أحوال حضور النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم_ مستثناة من تلك الأدلة، كما أن النص على إمامة الحسنين صلوات اللّه عليهما مخصوص مخرج منه أيام الرسول والوصي صلوات اللّه عليهما وآلهما مثل ذلك.
نعم وبهذا يتضح الجواب عن السؤال الثاني في شأن قول اللّه تعالى: ((أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)) [النساء:59] فكل من أثبت له الأمر منهم كان مراداً داخلا في عمومها والمقصود طاعته والقيام بواجب حقه أيام ولايته، ولاتنافي ولاتعارض للتخصيص بما تقدم، وهو معلوم فلا يحتاج إلى الإطالة.
وأما خبر: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)) فلم يزل أئمتنا عليهم السلام وشيعتهم رضي اللّه عنهم يستدلون به على إمامتهما خلفاً عن سلف.
قال الأمير الناصر للحق أبو طالب الحسين بن بدر الدين عليهما السلام في ينابيع النصيحة: ولاشبهة في كون هذا الخبر مما تلقته الأمة بالقبول وبلغ حد التواتر وصح الاحتجاج به وهو نص صريح في إمامتهما وإشارة إلى إمامة أبيهما.. الخ كلامه عليه السلام.(1/176)


وقال الإمام المؤتمن الهادي إلى الحق أبو الحسن عز الدين بن الحسن عليهما السلام في المعراج: واعلم أن هذا الخبر مما ادعى بعضهم تواتره وبعضهم ادعى الإجماع على صحته، والإجماع على صحته يقوم مقام تواتره في القطع بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قاله، وحكى الفقيه حميد إجماع العترة على صحته قال: وقد ظهر بين الأمة ولم يعلم من أحد منهم إنكاره إلى أن قال: ولايقدح في ذلك أنه يلزم منه ثبوت إمامتهما في كل زمان فيكونان إمامين في زمن أبيهما ويكون الحسين إماماً في زمن الحسن، ويقال: الواجب تأويله أنهما سيصيران إمامين وقت ولايتهما، فإنه وإن اقتضى ذلك فالأوقات التي ذكرت خارجة بإجماع الأمة على أنه لا أمر لهما في زمن أبيهما ولا للحسين في زمن الحسن. إلى أن قال: وأما حمله على أنهما سيصيران إمامين إذا بويع لهما فعدول عن ظاهر الخبر فلا يصار إليه.. الخ.
وقال سيد المحققين العلامة أحمد بن محمد الشرفي في شرح الأساس: وهذا الخبر مما أجمعت عليه الأمة ذكره المنصور بالله عليه السلام وغيره من أئمة أهل البيت عليهم السلام وغيرهم إلى آخر كلامه عليه السلام، وكلام غيرهم على ذلك المنوال لا لبس فيه ولا إشكال فهو نص صريح واضح المنار متجلي الأنوار على أن جميع الطرق المعتبرة عند الأمة في إثبات الإمامة معلومة في حقهما من النص هذا، والأدلة الدالة على إمامة العترة عليهم السلام، وإجماع العترة على إمامتهما وإمامة أبيهما صلوات اللّه عليهم وسلامه، والدعوة مع الزيادة على مايعتبر من الكمال في باب الإمامة والعقد والاختيار عند من قال به، وعلى الجملة فلو لم يكن إلا قولهما صلوات اللّه عليهما فهما العترة المطهرة المعصومة في حال إمامتهما صلوات اللّه عليهما وعلى سلفهما وخلفهما.(1/177)


وأما السؤال على حصر الإمامة في أولاد الحسنين عليهم السلام، وأن أصحابنا يستدلون على ذلك بالإجماع على جوازها فيهم وعدم الدليل على جوازها في غيرهم مع كونها شرعية ويقولون لا اعتداد بخلاف الإمامية لأنه لادليل لهم، ولعل الإمامية يحتجون على مذهبهم بأنه أخذ بأقل ماقيل لعدم جوازها في غير الاثني عشر، وبهذا يظهر أنه لابد لأصحابنا من دليل على بطلان قول الإمامية غير إبطال نصهم.. الخ كلام السائل أيده اللّه تعالى.
فالجواب والله ولي التوفيق:(1/178)


أولا: أن أدلة القصر في البطنين كثيرة العدد واسعة المدد نيرة البرهان راسخة البنيان من ذلكم قوله عز وجل: ((أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)) [النساء:59] مع إجماعهم على كونهم المرادين وإجماعهم حجة كما قضت به الدلائل النيرة، وقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)) [الطور:21] الآية، وقوله تعالى: ((وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)) [الأنفال:75]. وأخبار الثقلين والتمسك، والسفينة، فإنها قضت بالاستخلاف فيكونون قائمين مقام من استخلفهم في كل ماله إلا ماخصه الدليل، وبوجوب التمسك بهم في كل شيء ومن جملته الإمامة وكون الراكب لغير سفينتهم هالكاً في كل شيء، وهي تفيد الاقتداء والإمامة قطعاً، بل هي معظم ذلك وعليها أساس أركان الدين وبها تتم مصالح الإسلام والمسلمين، والنصوص كثيرة تبلغ حد التواتر معنى نحو: ((قدموهم ولاتقدموا عليهم ))، ((وإن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على اللّه))، ((وأهل بيتي أمان لأهل الأرض..))، ((ومن سمع واعيتنا أهل البيت)) ((ومن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة اللّه وخليفة رسوله وخليفة كتابه )) الخبر الذي احتج به إمام الأئمة وهادي الأمة يحيى بن الحسين عليهما السلام. وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب وذريته (عليهم أفضل الصلاة والسلام) الطاهرين أئمة الهدى ومصابيح الدجا من بعدي فإنهم لم يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة)) هذا من رواية آل محمد صلوات اللّه عليهم، ومن رواية العامة ما أخرجه الأسيوطي في الجامع الكبير، وروى أبو نعيم في الحلية، والرافعي عن(1/179)


ابن عباس: ((من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليتول علياً وليتول وليه وليقتد بأهل بيتي من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم اللّه شفاعتي))، ونحو: خبر التجديد والضارب بسيفه أمام ذريتي وغير ذلك جم غفير وجمع كثير، والوامض اليسير يدل على النو المطير، وقد خرجنا هذه الأخبار في لوامع الأنوار.
ثانياً: إجماعهم المحقق المعلوم من الصدر الأول ومن بعده على حصرها فيهم، ويكفي احتجاجات الوصي والحسنين صلوات اللّه عليهم على قصرها فيهم نحو قوله: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة. وقوله صلوات اللّه عليه: ((في هذا البطن من هاشم لاتصلح على سواهم ولاتصلح الولاة من غيرهم، وهو مع الحق والقرآن والحق معه)).
وقول ولده الحسن السبط المعصوم المطهر عن الرجس: فلما توفي صلى اللّه عليه وآله وسلم تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه. إلى قوله: فرأت العرب أن القول كما قالت قريش وأن الحجة في ذلك على من نازعها أمر محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، فأنعمت لهم العرب وسلمت ذلك، ثم حاججنا نحن قريشاً بمثل ما به حاجت العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها.. الخ كلامه صلوات اللّه عليه وذلك معلوم من صرايح أقوالهم وأفعالهم الدالة على اعتقادهم انحصارها فيهم أولهم وآخرهم، ولله الإمام المنصور بالله عبداللّه بن حمزة بن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حيث يقول:
أمن غير أبناء النبي محمد .... إمام لقد حاولتَ نقل شمام
تمسك بأبناء النبي فإنهم .... زمام لدين اللّه أي زمام
لتنجو مع الناجين من كل موبق .... إذا قيل للوفد ادخلوا بسلام
فيدعى الورى يوم الجزاء بإمامهم .... فتعدد لقول اللّه خير إمام(1/180)

36 / 83
ع
En
A+
A-