إذا عرفت هذا فالروايات الصحيحة بالرفع عند تكبيرة الإحرام ثابتة في جميع كتب أهل البيت المعتمدة: مجموع الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام في ثلاثة مواضع:
لفظ الرواية الأولى: أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى إلى فروع أذنيه ثم لايرفعهما حتى يقضي صلاته.
ولفظ الثانية: أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى ثم لايعود.
والثالثة برواية أبي حنيفة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بسماع الإمام زيد عليه السلام وتقريره والمجموع هو المتلقى بالقبول عند أهل البيت عليهم السلام: قال الإمام عز الدين بن الحسن عليهما السلام: والمجموع متلقى بالقبول عند أهل البيت عليهم السلام، وهو أول كتاب جمع في الفقه. وقال محدث اليمن إبراهيم بن محمد الوزير رضي اللّه عنهما: ولايمتري أئمتنا في عدالة أبي خالد وصدقه وثقته وأحاديثه في جميع كتبهم، وقد روى عنه الإمام الهادي عليه السلام بضعاً وعشرين حديثاً إلى قوله: وهو مسلسل الأحاديث النبوية بسند السلسلة الذهبية. انتهى من علوم الحديث. وقال الإمام القاسم بن محمد عليهما السلام في أبي خالد: وقد عدله أئمة الهدى والذي قدح فيه النواصب. انتهى.(1/171)
قلت: فالذين يشككون فيه من أهل الغفلة والقصور قد باركوا كلام النواصب وساعدوهم بالقدح في أصح وأصلح وأجمع وأنفع كتب آل محمد عليه وعليهم الصلوات والتسليم، وما قدح فيه النواصب إلا لأن فيه مايقطع دابرهم ((وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)) [البروج:8]، ورواياته معتمدة في جميع مؤلفاتهم منها أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليهما السلام وأحكام الإمام الهادي عليه السلام بل أخباره النافعة فيه من طريقه، وبساط الإمام الناصر للحق الحسن بن علي عليهما السلام، وشرح التجريد للإمام المؤيد بالله وهو أحد طرقه الأربع، وشرح التحرير للإمام أبي طالب عليهما السلام، والجامع الكافي، والأماليات، وأصول الأحكام، والشافي، والشفاء، والبحر، والاعتصام، كلها مشحونة بأخباره فالقدح فيه قدح في جميعها.(1/172)
والسلف والخلف يصدرون أسانيدهم إليه وجميع رواته من أعلام العترة الأبرار وأولياءهم الأخيار من لدينا إلى إمام الأئمة وهادي هداة الأمة الإمام الأعظم الولي بن الولي زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام، وقد خرجت أخباره من سائر كتب الإسلام، فهو الحقيق بأن يقال فيه إنه أصح كتاب بعد كتاب اللّه تعالى، نعم والرفع مروي في أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليهما السلام، وفي الجامع الكافي، وفي أحكام الإمام الهادي إلى الحق، عن أبيه، عن جده، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه رفع يديه في أول تكبيرة في صلاة الجنازة وهي من جملة الصلوات عنده، ولم يقل هو ولاغيره إنه مخصوص بها، ولو أنه فعل جاهلي أو مستنكر لم يجز في أي صلاة، ولو أنه منسوخ لم يروه القاسم والهادي عليهما السلام مقررين له، فذلك دليل واضح في أن الإمام الهادي عليه السلام قد رجع إلى القول بالرفع كما رجع إلى القول بالمسح على الجبائر، وقد جعله ـ أي المسح ـ الإمام المؤيد بالله (ع) قوله الأخير وهو في المنتخب وقال فيه: قد رويت في ذلك أخبار كثيرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى إلى قريب من الأذنين أو الخدين أو المنكبين إلى آخره، فقد أثبت الرواية له ووصفها بالكثرة فلايمكن أن يقال فيه إنه فعل جاهلي، وأما الرواية في جواب الرازي فيجب أن تحمل على الرفع عند تكبيرة الركوع والسجود ولايصح أن تحمل على غير ذلك لمخالفتها للمعلوم، وهو الذي نص عليه بقوله: ونهى عنه في خفض ورفع. وهذا يفيد بمفهومه عدم النهي في غير ذلك، وليس إلا في الأولى.(1/173)
إذا عرفت هذا فرفع اليدين عند التكبيرة الأولى هو مذهب أعلام آل محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام الإمام زيد بن علي، وأحمد بن عيسى، وعبداللّه بن موسى، والحسن بن يحيى، والناصر الأطروش، والمؤيد بالله، وإن ذكر النسخ هنا فهو لايقول به لمذهبه وقد ألمح للمتأمل بقوله: عند التكبيرات _أي كلها لابعضها_ وإن رجع في آخر الكلام إلى الأولى فقد صحح رواية الرفع واستدلاله بقوله: ثم لم يعد. في غاية الضعف، إذ ليس المقصود إلا أنه لم يعد في سائر التكبيرات كما هو الصريح في سائر الروايات، ثم لايرفعهما حتى يقضي صلاته، ولايخفى على الإمام عليه السلام سقوط ذلك ولكنه يورد مايمكن أن يقال وإن كان لايقول به.
نعم والرفع في الأولى هو مذهب جده الإمام القاسم بن إبراهيم عليهم السلام، في رواية محمد بن منصور عنه، وهو الملازم له مدة خمس وعشرين سنة، وهو الذي يفيده قوله: يكره أن يرفع يديه في رفع وخفض بعد التكبيرة الأولى. وذكر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن ذلك فقوله: بعد التكبيرة الأولى. إثبات له فيها وتقييد النهي بالرفع والخفض رواية لثبوته بالمفهوم في غيرهما، وقد سبق أنه القول الأخير للإمام الهادي إلى الحق عليه السلام.
وعلى كل حال لايجوز أن تطرح الروايات الصحيحة الصريحة لمجرد اجتهاد مجتهد كائناً من كان، هذا غلو لايرضى به الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام، وحاشاه فهو من أعظم الدعاة إلى اتباع الكتاب والسنة والجهاد والاجتهاد، والله تعالى ولي التوفيق والسداد إلى سبيل الرشاد.(1/174)
كتاب الجواب التام في مسألة الإمام
تأليف
الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى
أجاب به مولانا العلامة الجامع لأشتات الفضائل وملحق الأواخر بالأوائل أبو الحسين الولي مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي
لطف اللّه به وحفظه حفظ كتابه آمين
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وصلى اللّه على محمد وآله وسلم
الحمدلله كما يجب لجلاله، وصلاته وسلامه على رسوله محمد وآله، وبعد.
فإنه وقع الإطلاع على مشرفكم الكريم، ومحرركم العذب الوسيم، وما اشتمل عليه من الأسئلة:
الأول:
عن قوله تعالى: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ..)) [المائده:55] الآية، قلتم: أليس ظاهرها يفيد نفي إمامة الحسنين ومن بعدهما.. الخ.
أقول: الجواب والله الهادي إلى منهج الصواب أنها إذا حملت الولاية على ملك التصرف كما هو المعلوم من الدلالات القاطعة على إرادته المعلومة من تلك المقامات قولاً وحالاً وفعلاً فالحصر حقيقي تحقيقي ولاينافيه ثبوت الإمامة لمن بعده صلوات اللّه عليهم، إذ لا يراد ولايفهم من ثبوت الولاية وملك التصرف إلا في عصره وأيام حياته صلوات اللّه عليه وأن يدين الخلق بثبوت ذلك بعد وفاته، وإن حملت على جميع معانيها الممكنة فلاشك في ثبوت بعضها لغيره عليه السلام، فيكون القصر باعتبارها حقيقياً ادعائياً لأنه الفرد الكامل في ذلك وقد تعرض للجواب عن الطرف هذا شارح الأساس عليه السلام.(1/175)