قطع بالتقديم على الإطلاق، ولا يبعد عندي أن يؤخذَ للإمام الهادي عليه السلام من روايته للرفع في التكبيرة الأولى عن أبيه عن جده عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وتقريره القولُ بثبوته عند من عرف طرائقه ومارس أساليبه، والخلاف بين أئمة العترة أكثر من أن يحصر، وهذا هو الذي تميز به مذهب آل محمد عليهم السلام الذي فتح باب الإجتهاد وحرم على المجتهد التقليد والله يقول: ((فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)) [الزمر:17].
وأما الأحوط فلا معنى له هنا، أولا: أنه لا تفسد به الصلوة بالإجماع لأنه فعل يسير وإنما يفسد الكثير مما لم يشرع. ثانيا: أن الأخذ بالأحوط إنما يكون فيما يشتبه، أما ما صح دليله واتضح سبيله فالواجب العمل به وإن خالف فيه من خالف، فخلاف المخالف لا يوجب طرح ما صح عن اللّه سبحانه وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لأجل خلافه على أنه مع ذلك قد لا تتأتى صلوة مجمع عليها، ألا ترى أن من لم يقرأ الفاتحة في كل ركعة أو في الأولتين وكذا من جمع بين الصلوتين ومن جمع في السفر في غير عرفة ومزدلفة ومن صلى فرادى مع تمكنه من الجماعة مختلف في صلاته إلى غير ذلك من الخلافات فالواجب العمل بالدليل، والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل، وقد طال الكلام لقصد الإفادة لا بخصوص هذه المسألة، والله ولي التوفيق والتسديد.
المفتقر إلى اللّه سبحانه وتعالى مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي غفر اللّه تعالى لهم وللمؤمنين آمين.
قال في النسخة المنقول عليها:(1/166)
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله المطهرين، وبعد فقد تم نقل هذه الحاشية المفيدة من خط وإملاء مولانا العلامة الحجة مفتي اليمن والمحيي لما اندرس من معالم الكتاب والسنن من لايجارى في مضمار ولايشق له غبار البقية الباقية من العترة النبوية والسلالة المصطفوية أبي الحسين مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده اللّه تعالى، ونفع بعلومه الإسلام والمسلمين، ولقد أفاد وأجاد وألم بالمراد فجزاه اللّه عن الإسلام والمسلمين خير جزاه آمين.
بقلم تلميذه الفقير إلى عفو اللّه قاسم بن صلاح بن يحيى عامر الشهيد غفر اللّه لهم أجمعين. كتب هذا أسير ذنوبه الراجي عفو ربه الكريم طالب الدعاء والمسامحة عبدالرحمن بن صلاح بن يحيى بن عامر الشهيد غفر اللّه له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين آمين، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله. وهذا بعناية مولانا وشيخنا العلامة الكبير وحيد عصره وفريد دهره صاحب الأنظار المضيئة والأقوال المنيرة شيخ الإسلام والمسلمين مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى، وحفظه ونفع بعلومه وأشاد بمؤلفاته، وزادنا اللّه تعالى من بركاته، وآجره اللّه أجر المتقين الأبرار في العاجل والآجل، وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله.
حرر بدار المهجر بنجران لعله 21 شهر جمادى الأولى سنة 1408 هجرية على صاحبها وآله أفضل الصلاة والتسليم آمين آمين.
الكلام مع المؤيد بالله في شرح التجريد
قال أيده اللّه تعالى معلقا على قول الإمام المؤيد بالله عليه السلام في ج 1 ص 167 عن جابر بن سمرة قال: دخل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم المسجد وهم رافعون أيديهم في الصلاة فقال: (( مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها.. )) الخ.(1/167)
هذا دليل على أنهم فعلوا رفعاً لم يشرع قط ولايتصور أنه نسخ لشيء قد شرع، والمعلوم أن رفع اليدين قد شرع، ودليل أيضاً أن الرفع منهم كان في الصلاة ورفع اليدين عند التكبيرة الأولى هو قبل الدخول فيها أما بعد الدخول فيها فإنما يكون الإرسال، وأيضاً التشبيه يقتضي أنهم أمالوها يمنة ويسرة كفعل الخيل بأذنابها، وذلك يحقق السبب المروي من أنهم كانوا يشيرون بهما عند السلام يمنة ويسرة، وهو الذي رواه الإمام قبل الفصل المار عن جابر بن سمرة، فتأمل فذلك واضح، والله ولي التوفيق.
من صفح (167) ج (1) قوله عليه السلام: إنه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن رفع الأيدي في الصلاة من غير أن يكون استثنى منها موضعاً من موضع، فاقتضى ذلك النهي عن رفع الأيدي فيها عاماً من غير تخصيص.. الخ كلامه.(1/168)
قال أيده اللّه تعالى: إن كان عاماً فيجب تخصيصه بماصح وثبت من رفع اليدين عند التكبيرة الأولى برواية أئمة العترة عليهم السلام وسائر علماء الأمة حتى رواية الإمام الهادي إلى الحق عن أبيه، عن جده، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في صلاة الجنازة، ولو كان الرفع منهياً عنه، ووجوب سكون اليدين ثابت في التكبيرة الأولى وغيرها لم تجز في أي صلاة وإن خصصت صلاة الجنازة وجب أن نخص سائر الصلوات بمثل ماخصت به وهو ثبوت فعلها في الأولى، وأيضاً يلزم إن لم يخصص الرفع بما ثبت شرعاً ألا يرفع المصلي يديه ولايتحرك للركوع ولا للسجود ولا للقيام ولا لتسكين مايؤذيه، فإن قيل: ذلك مخصوص قطعاً بالضرورة. قلنا: وكذلك هو مخصوص قطعاً بالروايات الصحيحة المجمع على صحتها عند التكبيرة الأولى، وأما الآية وهي: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ..)) الخ، فرفع اليدين عند تكبيرة الإحرام لاينافي الخشوع، ولو كان منافياً له لما ثبت عن الشارع في أي صلاة لاجنازة ولا غيرها ولاعند الدعاء في غير الصلاة، والعجب من الإمام المؤيد بالله عليه السلام في استدلاله بحديث الإمام الأعظم زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام في النهي عن العبث في الصلاة ولايستدل بروايته عن آبائه عليهم السلام في الرفع عند التكبيرة الأولى في هذا المقام مع أنه قد استدل برواية الإمام زيد بن علي عليهم السلام في الرفع عند التكبيرة الأولى فيما سيأتي في ص 245 بقوله: وقلنا إنه يرفع يديه في أول تكبيرة لمارواه الإمام زيد بن علي عن آبائه، عن علي عليهم السلام أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى ثم لايعود. وقد علقت عليه بقولي: قف على رواية الإمام المؤيد بالله عليه السلام عن الإمام زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام أنه كان يرفع يديه.. الخ، وهو في جميع الصلوات، وهذا يدل على أنه ثابت غير منسوخ، فما تقدم له غير معتمد عنده، وإنما هو استدلال للمذهب بما يمكن أن يقال كما(1/169)
أشرنا إلى ذلك كما سبق.. الخ.
والعجب أيضاً من مبالغته عليه السلام في الاستدلال على ترك الرفع مع أن مذهبه ثبوته في التكبيرة الأولى، وهو مذهب أعلام أهل البيت عليهم السلام ومنهم الإمام الهادي إلى الحق على الصحيح من رجوعه إليه لروايته له في صلاة الجنازة وهي من جملة الصلوات عنده، ولم يقل هو ولا غيره إنه مخصوص بها ولايتصور أن يرويها ويقررها وهي غير ثابتة عنده، وعلى كل حال الواجب على أهل النظر أن يعملوا بما صح من الأدلة وإن خالف من خالف، فليس قول أحد على انفراده حجة إلا قول علي عليه السلام هذا بإجماع أهل البيت عليهم السلام، وحاشا الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام أن يريد من أحد أن يعمل بقوله وإن صح له خلافه، وإنما المغالون في التقليد يوهمون ذلك لعدم البصيرة، وإنهم ليجنون على المذهب الذي أوجب على المجتهد أن يعمل باجتهاده، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
من صفح (168) ج (1) قوله عليه السلام: فأما الأخبار الواردة في رفع اليدين عند التكبيرات فهي عندنا منسوخة بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: مالي أراكم رافعي.. الخ.
قال أيده اللّه تعالى: اعلم وفقنا اللّه وإياك للحق والتحقيق أن دعوى النسخ لرفع اليدين عند تكبيرة الإحرام لايستقيم بحال.
أما أولا: فقد صح برواية أئمة الهدى وغيرهم أن أمير المؤمنين عليه السلام استمر على فعله بقولهم: كان وهو لايستمر على فعل المنسوخ لانه مع الحق، وهذا مقرر عند أعلام آل محمد عليه وآله الصلاة والسلام فلا موجب للإطالة.
وأما ثانياً: فالنسخ من الحكيم لايصدر بصيغة الاستنكار والاستهجان والتشبيه بالأذناب لما قد شرعه قطعاً.
وأما ثالثاً: فلايجوز الحكم بالنسخ مع إمكان الجمع، فيجب أن يحمل النهي والأمر بالسكون على غير التكبيرة الأولى التي ثبت فعلها واستمر عليها أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده الذين هم أقرب إليه.(1/170)