كتاب رفع الملام في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام
تأليف
الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده.
حاشية مفيدة من قول الإمام القاسم بن محمد في الاعتصام رضوان اللّه عليه: ورفع الأيدي حال تكبيرة الإحرام منسوخ. صفح (356) سطر (2) .
أقول: اعلم وفقنا اللّه وإياك بالتسديد والتوفيق وهدانا سبيل الحق والتحقيق، أن القول بأن رفع اليدين منسوخ لايستقيم بحال. أما أولا: فلا تعارض أصلا بين روايات ثبوته عند تكبيرة الإحرام ورواية النهي عن رفع اليدين لأنه عام والأول خاص، ولا يجوز العدول إلى النسخ مع إمكان الجمع كما هو المقرر، هذا مع أن النهي ورد في الإشارة بالأيدي عند السلام، وقوله: ((اسكنوا في الصلاة)) المراد فيما لم يرد الشرع بالحركة فيه قطعا، وكذا الخشوع والقنوت لا يتوجه إلى ترك شيء من الحركات المشروعة كالركوع والسجود على أن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ليس في الصلاة، وفي الأخبار التصريح بأنهم رافعون أيديهم في الصلاة فيكون المقصود به عند الركوع والسجود كما يأتي عن أمير المؤمنين عليه السلام ثم لم يرفعهما ثم لا يعود، وفي قول القاسم بن إبراهيم عليهما السلام: يكره أن يرفع يديه في رفع وخفض بعد التكبيرة الأولى، وذكر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه نهى عن ذلك دلالة صريحة.
وأما ثانيا: فالنهي ورد بصيغة الإنكار والتشبيه بأذناب الدواب، ولا يرد النسخ من الحكيم بذلك إذ لا معنى للإستنكار لما قد شرعه اللّه سبحانه ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم، وإنما يرد بتوضيح انتهاء الحكم كقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((كنت نهيتكم وإن اللّه يحدث من أمره ما يشاء)).(1/161)


وأما ثالثا: فقد صح بلا ريب برواية أئمة الهدى من العترة وغيرهم من علماء الأمة أن أمير المؤمنين عليه السلام استمر على فعله، وهو لا يفعل المنسوخ لأنه مع الحق وهو مقرر عند أعلام أئمة العترة عليهم السلام، فلا موجب للإطالة فيه.
إذا عرفت هذا فالروايات الصحيحة الصريحة بالرفع عند تكبيرة الإحرام ثابتة في جميع كتب أهل البيت عليهم السلام المعتمدة، أولها المجموع للإمام زيد بن علي عليهما السلام في موضعين، والثالث برواية أبي حنيفة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بسماع الإمام الأعظم وتقريره ولفظ الرواية الأولى بهذا السند المسلسل النبوي: عن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى إلى فروع أذنيه ثم لا يرفعهما حتى يقضي صلاته.
ولفظ الثانية: أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى ثم لا يعود. والمجموع هو المتلقى بالقبول عند أهل البيت عليهم السلام، قال الإمام الهادي عز الدين بن الحسن عليهما السلام: والمجموع متلقى بالقبول عند أهل البيت عليهم السلام وهو أول كتاب جمع في الفقه. انتهى.
وقال السيد صارم الدين في علوم الحديث: ولا يمتري أئمتنا في عدالة أبي خالد وصدقه وثقته وأحاديثه في جميع كتبهم، وقد روى عنه الهادي عليه السلام بضعا وعشرين حديثا. إلى أن قال: وهو مسلسل الأحاديث النبوية بسند السلسلة الذهبية. انتهى. وأخباره مملؤة بها مؤلفاتهم ولا يبعد إجماع الأمة على ثبوته، فإن من قدح من العامة إنما قدح في أبي خالد، فقد اتفق الكل على ثبوته عن أبي خالد وأبو خالد رضي اللّه عنه مجمع على عدالته عند آل محمد عليهم الصلاة والسلام.(1/162)


قال الإمام القاسم بن محمد عليهما السلام: وكذلك طعنوا على أبي خالد وقد عدله أئمة الهدى عليهم السلام. وقال: والذي قدح عليه النواصب. وروايته معتمدة في جميع مؤلفاتهم منها أمالي الإمام أحمد بن عيسى فهو الطريق إلى جده الإمام الأعظم، والبساط للناصر الأطروش، وقد روى عنه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام أخبارا كثيرة بل أخباره النافعة من طريقه، وشرح التجريد للمؤيد بالله وهو الراوي لإحدى طرقه الأربع إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وشرح التحرير لأبي طالب عليه السلام، والجامع الكافي والأماليات وأصول الأحكام والشافي للمنصور بالله عليه السلام صدر به سنده إليه لروايته للمجموع في ديباجته والشفاء والإنتصار والبحر والإعتصام، والسلف والخلف من أهل البيت عليهم السلام وأوليائهم يصدرون أسانيدهم إلى المجموع الشريف في جميع مروياتهم وأسانيدهم، وجميع رواته من أئمة العترة وأوليائهم الأبرار يتلقونه خلفا عن سلف، وقد خرجت أخبار المجموع من كتب الإسلام فهو الحقيق أن يقال فيه: إنه أصح كتاب بعد كتاب اللّه على التحقيق.(1/163)


نعم والرفع مروي في أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليهما السلام، وفي الجامع الكافي، وفي أحكام الإمام الهادي إلى الحق عن أبيه عن جده عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: أنه رفع يديه في أول تكبيرة في صلاة الجنازة. وهي من جملة الصلوات ولم يقل هو ولا غيره إنه خاص بها. وفي المنتخب قال عليه السلام: قد رويت في ذلك أخبار كثيرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى إلى قريب الأذنين أو الخدين أو المنكبين إلى آخره، وبهذا ونحوه يسقط القول بأنه فعل جاهلي أو أن علماء آل رسول اللّه لا يجيزونه لأنه لو كان كذلك لم يصح أن يفعل في أي صلوة، وأما الرواية في جواب الرازي فيجب أن تحمل على الرفع في تكبيرة الركوع والسجود وهو الذي نص عليه بقوله: نهى عنه في خفض ورفع. وهذا يفيد بمفهومه عدم النهي في غير ذلك وليس إلا في التكبيرة الأولى، إذا عرفت هذا فرفع اليدين عند التكبيرة الأولى هو مذهب أعلام آل محمد عليهم الصلوة والسلام الإمام زيد بن علي وأحمد بن عيسى وعبداللّه بن موسى والحسن بن يحيى والإمام الناصر الأطروش والإمام المؤيد بالله والإمام يحيى وغيرهم وهو قول الإمام القاسم بن إبراهيم في رواية محمد بن منصور عنه في الأمالي، ويرجح روايته عنه لأنه ملازم لمقامه مدة خمس وعشرين، سنة وهو الذي يفيده قوله السابق بعد التكبيرة الأولى ومع أن الرواية عنه في الأحكام ليست صريحة بالمنع في التكبيرة الأولى، فيجب أن تحمل على غيرها جمعا بينها وبين رواية الأحكام عنه في الجنائز ورواية محمد بن منصور لثبوتها، وهذا واضح لمن تدبر.(1/164)


وما عدل عنه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام إلا بضرب من الرأي إما للإختلاف في محله كما تفهمه عبارته في المنتخب، ولكن لا يضر لأنه يحمل على التخيير مع الصحة لأنه لا تعارض في الأفعال أو لئلا يؤدي إلى الرفع في المنهي عنه عنده من الرفع والخفض أو نحو ذلك، وعلى كل حال لا يجوز أن تطرح الروايات الصحيحة الصريحة لمجرد إجتهاد مجتهد كائنا من كان، هذا خلف من القول وغلو لا يرضى به نفسه وحاشاه، فهو الداعي إلى اتباع الكتاب والسنة والجهاد والإجتهاد، ونقول للإمام الهادي إلى الحق عليه السلام: قد رويت لنا أنت وأنت الثقة الأمين والعدل المرضي وإمام الهدى: رفع اليدين في التكبيرة الأولى في الجامعين الأحكام والمنتخب مع وصفك لها بالكثرة، فنحن نأخذ بروايتك ورواية غيرك من الأئمة والأمة، وهذا هو الذي كلفنا اللّه تعالى به بالإجماع، والمسألة اجتهادية، والخلاف واقع بين أهل البيت عليهم السلام، ولا يقول أحد منهم بوجوب إتباع إمام معين بعد أمير المؤمنين عليه السلام، وقد روى الإمام القاسم بن محمد عليهما السلام في الإرشاد في الفصل الثالث في وقوع الإختلاف بين أهل البيت عليهم السلام عن المؤيد بالله عليه السلام ما لفظه: ويجوز أن يخطي الإمام ويسهو فيما يفتي ويجتهد من المسائل ولا خلاف في ذلك إلا عن الإمامية قال فيه: قال الإمام المنصور بالله عليه السلام وأما قول السائل: هل ينقض حكم الهادي فنحن نهاب ذلك لعظم حاله. إلى قوله: بل نقول لا يمتنع وقوع السهو في المسألة وأشباهها لا سيما على مثله عليه السلام، فإن كثيرا منها أملاها وهو على ظهر فرسه تجاه العدو.. إلى آخره، وكثيرا ما يرجع الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام عن قوله لظهور دليل لم يظهر له من قبل كالمسح على الجبائر فإنه أنكرها في الأحكام وأثبتها في المنتخب، والقول بأن المنتخب هو المتقدم غير صحيح فإنه ابتدأ في تأليف الأحكام قبل خروجه اليمن والمنتخب كله في اليمن فلا(1/165)

33 / 83
ع
En
A+
A-