وأقول: يالله العجب من هذا الكلام، فهل هذا كلام من يميز بين الصريح وغير الصريح ويفرق بين المنطوق والمفهوم وبين النص والظاهر ليس في الأزهار تصريح قط على عدم لزوم الإحرام وإنما فيه النص على عدم جواز المجاوزة للآفاقي.. إلى قوله: إلى الحرم. ويفهم منه بمفهوم المخالفة جوازها لمن لم يجمع الشروط، فأين التصريح وأين النص؟ ولكن هكذا يصنع من يكون همه الجدال وتكثير القيل والقال، ومع هذا فقد فهم هذا المفهوم فهماً مغلوطاً كما سبق توضيحه، فالسائر للزيارة قبل الحج قاصد للحج والزيارة ولولا قصد الحج والزيارة لما سار إلى المدينة فلم ينقطع سيره للحج ولم يضرب عنه كما سلف فهو عازم للإحرام من ذي الحليفة وقاصد له، فسيره إليها كسيره من بيته إلى الميقات الأول، ولو مر من بعض القرى التي ليست في وسط الطريق لما خرج عن كونه ممن حج وممن أراد الحج الذي رتب الشارع عليه عدم جواز المجاوزة للميقات الذي يصل إليه إلا بإحرام، إذ لامعنى لتوقيته له إلا ذلك، فإنكار هذا شبيه بإنكار الضروريات.
ثم قال: واعلم أيها السائل أنها لم تقدح هذه الشبهة في قلوب بعض الناس إلا من قبل نحو عامين وإلا فكان الناس يعدون ذلك فرصة ليدخلوا المدينة .. إلى آخره.
فأقول: هذا عجيب بل الحقيقة الواقعة المعلومة العكس، وذلك أن انقداح الشبهة هو في ترك الإحرام من الميقات الشرعي لمن دخله من الحجاج وهذه الشبهة هي التي حدثت من قريب.(1/156)


وقوله: فكان الناس يعدون ذلك فرصة. هذا خلاف الواقع قطعاً فإن الناس كانوا _أي الحجاج منهم_ يحرمون من الميقات، وماكانوا يزورون إلا بعد الحج وإنما حدث العزم للزيارة قبل فعل الحج من قريب، ففي كلامه إيهام أن الحجاج في الأعصار الماضية كانوا يقدمون الزيارة ولايحرمون وهو خلاف الواقع قطعاً. ثم قال: ولايخفى أن القائلين بلزوم الإحرام عند مجاوزة الميقات ولو إلى غير الحرم كانوا متمسكين بما يفعله غيرهم الآن من الزيارة قبل الحج مجاوزين الميقات بغير إحرام، فما عدا مما بدا؟
فأقول: سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم، فلم يسبق لنا التمسك بذلك ولا العمل به، فإن قصد غيرنا فكان عليه أن يخصص أو يقول البعض، ولا يأتي بعبارة تفيد الكل، ومع هذا فإن فرض أن البعض كان يعمل ذلك ثم رجع عنه فما في هذا من غضاضة أو نقص، فهذا شأن أهل النظر والاجتهاد يرجعون عن القول متى ترجح لهم خلافه، وقد عدوا ذلك دلالة على غزارة العلم وإمعان النظر فالتصميم على ماعرف أنه خطأ هو المذموم عقلاً وشرعاً، فلأي معنى يأتي بهذه العبارة التي فيها الإيهام على قاصري الأفهام، أفهذه طريقة العلماء الأعلام؟!
ثم قال: فإن كان لرأي فالاجتهاد لايثبت بالرأي.
أقول: أنظر أيها النقاد، وهل يصدر هذا ممن لم مسكة أو معرفة بحقيقة الاجتهاد، وهل الاجتهاد يكون إلا بالرأي وهو صريح خبر معاذ: وأجتهد رأيي، وليس المذموم إلا الرأي المجرد الذي لايستند إلى أصل شرعي.
ثم قال: وإن كان لدليل فاللازم إبرازه.(1/157)


ونقول: الدليل واضح وبارز وهو الأخبار المعلومة في توقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المواقيت لمن حج أو اعتمر، ومن أراد الحج. فإن قال: إنه إنما يريد الحج بعد الزيارة. قلنا: فأنت إذاً مريد الآن للحج وإن كنت تريد تأخير الإحرام إلى بعد الزيارة وإلا فيلزم أن يجوز الدخول من الميقات إلى أي مكان داخل المواقيت إن كان في عزمه ألا يحرم إلا بعد أيام لأنه لايريد الحج إلا بعد تلك المدة، فهو كقولكم إنكم لاتريدون الحج إلا بعد الزيارة سواء سواء، ولافرق عند من يتدبر بل يلزم أن يدخل مكة على الصحيح من أنه لايلزم الإحرام إلا من قصد أحد النسكين حيث يكون عازماً على تأخير الإحرام أياماً كمن يصل قبل يوم عرفة بأيام، لأنه على قولكم لايكون قاصداً للحج إلا متى أراد أن يحرم على الفور قبل أن يعمل أي عمل، أما وفي عزمه أن يعمل أي عمل قبل الإحرام فليس عازماً على الحج إلا بعد ذلك العمل، فتأمل أيها الناظر، وفكر تجد هذا عين الحقيقة، وما أردت بهذا إلا النصيحة، والله ولي التسديد.
ثم قال: وكان عليهم أن يتداركوا ما لزمهم من الدماء.
أقول: قد قدمت الكلام على أن هذا لم يقع منا وإن كان قصده الغير فهو من الإيهام والتغرير، ثم إن هذا غلط واضح فلا يلزم الدم من جاوز الميقات إلا إذا لم يعد إلى الميقات قبل الإحرام أو دخول الحرم، وهؤلاء قد أحرموا من الميقات فلا دم عليهم، وأيضاً فمن عمل بذلك من أهل الاجتهاد فقد عمل بما أدى إليه نظره ولادم عليه، ومن وافقه من العامة فكذلك لادم عليه ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، وأيضاً فالمحرَّم بالإجماع هو المجاوزة بلا إحرام لمريد أحد النسكين، وأما لزوم الدم ففيه كلام آخر كما أوضحته في كتاب الحج والعمرة.
وقوله: لأن محظورات الإحرام جناية لاتسقط بالجهل.
يقال: هذا خلاف كلام الإمام الهادي والإمام الناصر وغيرهما من أئمة العترة وغيرهم.(1/158)


وأما قوله: وكأنهم لم يطلعوا على ماذكره في بعض حواشي الأزهار إلى آخره.
فأقول: بل قد اطلعنا على ذلك وذكرناه في كتاب الحج والعمرة، ولكن هذا من ذاك إنما هو فيمن لم يكن له قصد للحج أو للعمرة وكلامنا في القاصد.
ثم قال: والعجب كل العجب.. إلى قوله: إنهم أفرطوا في الدعوى حتى ضللوا غيرهم وقالوا ببطلان أعمالهم، وهذا يدل على تعصب ماكان ينبغي القول به.. إلى آخر كلامه.
فأقول: سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم فلم يصدر منا تضليل ولا إبطال، هذا إن كان قصده نسبة هذا إلينا وإن كان قصده غيرنا، فأولاً: كان عليه أن يرفع اللبس بأن يذكر أنه لم يقصدنا، لأن الذي يطلع على رسالته لايتبادر ذهنه إلا إلينا لاشتهار ذلك عنا، ولكن الحكم اللّه، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل، وصلى اللّه على محمد وآله وسلم.
تم نقل هذا الجواب بحمد اللّه الكريم التواب عن خط مولانا حجة الإسلام وصفوة العلماء الأعلام المرجع لحل المشكلات، والفاتح لمغلق المبهمات الولي بن الولي مجد الدين بن محمد المؤيدي حفظه اللّه وأبقاه للإسلام والمسلمين آمين اللهم آمين، وصلى اللّه على محمد وآله الأكرمين، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
حرر 5 شهر صفر سنة 1408 هـ كتبه الفقير إلى ربه راجي عفوه ومغفرته صلاح بن أحمد فليته وفقه اللّه وغفر له ولوالديه وللمؤمنين.
ثم قال: والعجب كل العجب.. إلى قوله: إنهم أفرطوا في الدعوى حتى ضللوا غيرهم وقالوا ببطلان أعمالهم، وهذا يدل على تعصب ماكان ينبغي القول به.. إلى آخر كلامه.(1/159)


فأقول: سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم فلم يصدر منا تضليل ولا إبطال، هذا إن كان قصده نسبة هذا إلينا وإن كان قصده غيرنا، فأولاً: كان عليه أن يرفع اللبس بأن يذكر أنه لم يقصدنا، لأن الذي يطلع على رسالته لايتبادر ذهنه إلا إلينا لاشتهار ذلك عنا، ولكن الحكم اللّه، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل، وصلى اللّه على محمد وآله وسلم.
تم نقل هذا الجواب بحمد اللّه الكريم التواب عن خط مولانا حجة الإسلام وصفوة العلماء الأعلام المرجع لحل المشكلات، والفاتح لمغلق المبهمات الولي بن الولي مجد الدين بن محمد المؤيدي حفظه اللّه وأبقاه للإسلام والمسلمين آمين اللهم آمين، وصلى اللّه على محمد وآله الأكرمين، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
حرر 5 شهر صفر سنة 1408 هـ كتبه الفقير إلى ربه راجي عفوه ومغفرته صلاح بن أحمد فليته وفقه اللّه وغفر له ولوالديه وللمؤمنين.(1/160)

32 / 83
ع
En
A+
A-