فالجواب: أما دعوى علم الغيب من غير طريق الوحي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فدعوى باطلة وصاحبها مفتر كذاب وراد لما أنزل اللّه تعالى وأما التصديق بما أنزل اللّه تعالى على رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم من علم الغيوب الماضية والمستقبلة فهو صريح الإيمان ومن كذب بشيء منه فهو كافر بالله تعالى جاحد راد لما علم من الدين ضرورة. وقد قال تعالى: ((ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ)) [يوسف:102] وقد أخبر اللّه تعالى من علم الغيوب بمالايحصى، من ذلك قوله عز وجل: ((وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ)) [الروم:2-3] وقوله: ((لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)) [الفتح:28] وقوله: ((سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)) [القمر:45] وفي سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قوله لعمار رضي اللّه عنه: ((تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة (وفي رواية للبخاري: يدعوهم إلى اللّه) ويدعونه إلى النار)) الخبر المتواتر المجمع على صحته.(1/141)
وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام: ((ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)). وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم للزبير بن العوام مشيراً إلى علي عليه السلام: ((لتقاتلنه وأنت له ظالم)). وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين: أنه يضربه أشقى الآخرين. وغير ذلك مما لايحاط به كثرة، ويظهر أن السائل توهم أنه يستفاد من قوله علم مايكون علم الغيب على العموم حقيقة وهو غير صحيح، فإن لفظ العام قد لايراد به جميع مايصلح له فلايكون شاملا، وقد قسم أهل العربية العموم إلى حقيقي وعرفي. وقد قال تعالى: ((وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ)) ((تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ)) ولم يريد بذلك العموم حقيقة لقيام القرينة العقلية وهذا كذلك المراد مايتعلق بالأحداث والفتن ونحوها، ومايحتاج إلى العلم به مما اقتضت الحكمة اطلاع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وقد ورد في السنة النبوية مطابقاً للفظ الذي رويناه قال حذيفة رضي اللّه عنه أخبرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. أخرجه مسلم وقال حذيفة أيضاً: قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مقاماً فما ترك شيئاً يكون من مقامه ذلك إلا حدثناه، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه. أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود، وقال عمرو بن أخطب الأنصاري: صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوماً الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى العصر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بماهو كائن إلى يوم القيامة فأعلمنا أحفظنا. أخرجه مسلم، فماترى أيها السائل فيمن كذب بما أوحى اللّه تعالى به إلى نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ(1/142)
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) [الأحزاب:70-71] وحسبنا اللّه ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير.
تم بحمد اللّه ومنه نقل هذا لمؤلفه حفظه اللّه وأبقاه مولانا وشيخنا مفتي اليمن الولي بن الولي مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده اللّه تعالى آمين، بقلم تلميذه الفقير إلى اللّه أحمد بن يحيى بن أحمد بن عبدالكريم حجر وفقه اللّه.(1/143)
كتاب إيضاح الأمر في علم الجفر
تأليف
الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى
لفظ السؤال:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
السيد العلامة مجد الدين المؤيدي حفظه اللّه السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته وبعد:
فنرجو الفتوى عن المسائل الآتية:
أولا: ماهو علم الجفر، ولماذا سمي بذلك، وهل يتمكن صاحبه من معرفة كل غيب في المستقبل، وهل بقي منه شيء؟
ثانياً: هل يليق لمسلم يفسق مسلماً خالفه في فرع من فروع الدين؟
هل تصح إمامة المسلم المتبع للمذهب الزيدي للمسلم المتبع لأي مذهب آخر مثل الشافعي والحنفي والمالكي؟
وهل تصح إمامة المسلم من المذاهب الأربعة للمسلم من المذهب الزيدي؟
ولفظ السؤال هذا للأستاذ: عبدالمجيد الزنداني.
الجواب:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الجواب والله الموفق والهادي إلى منهج الصواب: أن علم الجفر هو: علم أوحاه اللّه تعالى إلى رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم بما يكون من المغيبات كما قال تعالى: ((ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ)) [يوسف:103] وقد اختص به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه، كما اختص حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه بعلم المنافقين كما هو معلوم، ومازال يتناقل عند أهل البيت عليهم السلام حتى وصل إلى الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين رضي اللّه عنهما.
ولما كان يحتاج إلى قوة ملكة لفهم معانيه وكانت تلك الملكة لبعض الأفراد قيل: اختص به. كما يقال في سائر العلوم، اختص فلان بعلم النحو مثلا أو علم الفقه أو نحوه مما يكون له فيه ملكة زائدة وهي عبارة متداولة بين أهل العلم وغيرهم. ولهذا قال العلامة محدث اليمن إبراهيم بن محمد الوزير في الإمام الهادي إلى الحق رضي اللّه عنه:
من خُصَّ بالجفرِ من أبناءِ فاطمةٍ وذي الفقار ومَنْ أروى ظَمى الفقرِ
وقد ذكر علم الجفر كثير من علماء المسلمين السلف والخلف وصححوا وجوده.(1/144)
قال السيد العلامة البدر محمد بن إسماعيل الأمير في شرح التحفة في سياق إخبار أمير المؤمنين علي عليه السلام بالمغيبات مالفظه: ومعلوم أنها لاتكون إلا بتوقيف. حتى قال: إن النفي في أنه ماخصه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بشيء عائد إلى أخبار الأحكام والشرائع التي يبلغها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى الناس على السوية، ويأمر أن يبلغها الشاهد الغايب فهذه هي التي نفاها الوصي عليه السلام. وأما المغيبات وأخبار الملاحم فلامانع من أن يخص بشيء منها دون غيره إكراماً من اللّه سبحانه وتعالى ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ولما عَلِمَه اللّه ورسوله من امتحانه بقتال الثلاث الفرق، وأنه محتاج إلى علم حالها وصفاتها، ولاغرو أن يخص بذلك وقد خص رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان وغيره بأعلام كثيرة مما عَلِمَ به لكن لمَّا خصه اللّه بالأُذن الواعية لم ينس شيئاً مما سمعه. وقد ثبت عن الوصي أخبار كثيرة من الملاحم وعن أمراء بأعيانهم كإخباره بعمر بن عبدالعزيز رضي اللّه عنه فيما أخرجه عبداللّه بن أحمد بن حنبل في الزهد إلى قوله: وإخباره بالحجاج إلى قوله: وفي الجامع الكبير وسائر مؤلفات الناس كثير مما أخبر به من الملاحم واشتهر عنه الجفر في المغيبات حتى استعمله الشعراء كما قال أبو العلاء المعري:
لقد عجبوا لأهل البيت لما .... أتاهم علمهم في مَسْك جفرِ
إلى آخر كلامه وهو بحث مهم مفيد ..
وأما لماذا سمي بذلك؟
فلأنه كتب في جلد جفر كما ذكر ذلك أبو العلاء في شعره وابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب وغيرهما.(1/145)