وقد استوفيت البحث عليه وعلى القاضي الأكوع في لوامع الأنوار وفي الجامعة المهمة، ومن مناقضات نشوان قوله في أهل البيت:
وذكرت آل محمدٍ وودادِهم .... فرضٌ علينا في الكتاب مؤكدُ
وأنا المناضلُ ضِدَّكُم عن دينِكم .... والله يشهدُ والبريةُ تشهدُ
لاأستعيضُ بدينِ زيدٍ غيرَهُ .... ليس النُّحاسُ به يقاسُ العَسْجَدُ
وقوله:
سلامُ اللّه كلَّ صباحِ يومٍ .... على خيرِ البرية أجمعينا
على الغرِ الجحاجحِ من قريشٍ .... أئمتنا الذين بهم هُدينا
بني بنت الرسول إلام كل .... يظن بكم من الناس الظنونا
ومن ذلك قول نشوان في الحسين بن القاسم بن محمد بن جعفر بن الإمام القاسم بن علي العياني:
والله والله العظيم إليَّة .... يهتز عرش اللّه منها الأعظم
إني لودك ياحسين لمضمر .... في اللّه أُبديه وحينا أَكتم
إلى قوله:
ولود سائر أهل بيت محمد .... وودادهم فرض لدي ومغنم
قوم أدين بدينهم وبحكمهم .... ونصوصهم أفتى الأنام وأحكم
وأنا المحب ابن المحب وإن وشى .... واشٍ ورجم بالظنون مرجم(1/126)
[من مناقضات القاضي الأكوع]
ومن مناقضات القاضي الأكوع قوله في هذا البحث: تجمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة فتشاوروا فيمن يلي الأمر بعد رسول اللّه وعلى رأسهم حامل لواء المعارضة سيد الخزرج سعد بن عبادة. فقالوا: إنهم أولى. مستدلين أنهم أووا ونصروا وتبوؤا الدار وهي حجة دامغة وقولةٌ نيرة بينما أبو بكر وصحبه من قريش كعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح قالوا: الخلافة في قريش. محتجين "بأن العرب لاتدين لغير هذا الحي من قريش"، وهي قولة صادقة، لأن قريشاً في ذلك الحين حازت أمرين عظيمين الأول البيت الحرام المعمور في عقر دارهم مكة المكرمة منذ القدم تهوي إليهم أفئدة العرب كل العرب والناس المسلمين وتحج إليه كل عام مما جعل قريشاً تفتخر بذلك، وثاني الأمرين أن نبينا محمداً بعث منهم فأضاف إلفة إلى تلك الإلفة.
وأقول: تأمل أيها الناظر لهذه المناقضة فكيف تكون حجة الأنصار دامغة، وذلك يقتضي أن الحق لهم وحجة قريش صادقة، وهو المعنى الذي أنكره بالقرب من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.. الخ كلامه المتهافت المتناقض.
ثم قال: وهناك أمور أخرى ليس موضوعها هنا.
أقول: والذي يظهر أن الأمور التي طوى ذكرها هي احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام ومنها: قول أمير المؤمنين عليه السلام: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة. وقوله عليه السلام مخاطباً لأبي بكر:
فإن كنت بالقربى ملكت أمورهم .... فغيرك أولى بالنبي وأقربُ
وإن كنت بالشورى حججت خصيمهم .... فكيف بهذا والمشيرون غُيَّبُ(1/127)
فهذه الحجج هي الدامغة الصادقة التي لم يستطع الأكوع أن يتكلم بها. وقال: ليس موضوعها هنا. لأنها تنقض كلامه كله، ((وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)) [النور:41]، وإلى اللّه ترجع الأمور.
ومن استهزاء الأكوع بخيرة اللّه قوله: لافي فلان ولافي العنصر الفلاني ولامن السلالة الفلانية ولامن بيت زعطان ولامن بيت فلتان.
قلت: وجوابه على اللّه تعالى فقد قصد بذلك أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وخيرته من خلقه كقوله تعالى: ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ {33} ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [النور:33-34] ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)) [القصص:68] في آيات تتلى وأخبار تملى.
وقد أهدى الأكوع نسخته هذه إليَّ قال فيها مالفظه: بسم اللّه الرحمن الرحيم للأخ العلامة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي حفظه اللّه وبارك في أيامه مع أطيب التحيات حرر بتاسع ربيع الأول سنة 1416 هـ من أخيه محمد بن علي الأكوع الحوالي.
أقول: نحن لاننكر أخوتنا للمؤمنين كسلف الأكوع الذين خرج عن منهاجهم وسلك غير أدراجهم.(1/128)
فهذا مايجب علينا من البيان، ويلزم من الرد على حسب الإمكان، ومرجع الشأن إلى الملك الديان، فقد أعد للعباد بعد دار التكليف داراً للمعاد، ومقاماً للفصل بين أهل الرشاد منهم وأرباب الفساد، وإنما هذه الدنيا محل ابتلاء ومنزل التواء، وقد أوضح اللّه جل وعلا فيها الدليل، وأنهج لسالكها سواء السبيل، ولم يجعلها سبحانه نزلا لأوليائه ولم يرتضها منزلا لأصفيائه فترى أهل بيت النبوة صبروا على ماصبروا عليه ومضوا إلى اللّه قدماً قدماً لاتأخذهم في اللّه لومة لائم، فتلاهم أولياء اللّه الذين جاهدوا في سبيله وبذلوا أنفسهم ونفيسهم بين يدي أبناء رسوله لم يثنهم سطوة ظالم ولابطشة غاشم فهم الذين أنزلهم اللّه أدنى المنازل منهم قرباً حتى لو ضربوا بالسيوف لم يزدادوا لهم إلا حباً، فالله نسأل بحق جلاله أن يجعل أفضل صلاته وأجل بركاته على محمد وآله وأن يوفقنا وإخواننا المؤمنين إلى سلوك منهاجهم ولزوم أدراجهم، وأن يجنبنا معارج الهوى ومحاج الردى، فكم عاثر عليها مقيم ((أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) [الملك:22]،
انتهى والحمدلله وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبهذا تم مازبره المؤلف أيده اللّه تعالى وأبقاه وحفظه وكلاه وحماه ووقاه بحق جده الأواه وآله سفن النجاه آمين، اللهم آمين، وصلى اللّه على محمد وآله وسلم، والحمدلله كثيراً.تم بحمد اللّه تعالى زبر هذا المؤلَّف الجليل قبل السحر ليلة الخميس ثاني عشر شهر رجب سنة 1370 للهجرة بقلم المفتقر إلى اللّه الملك الديان علي بن يحيى شيبان.
---(1/129)
كتاب الدليل القاطع المانع للتنازع
تأليف
الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين القائل في كتابه المبين: ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون..
وعلى عترته أهل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأبانهم الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم بأخبار الكساء المعلومة التي روتها طوائف الأمة، وجعل مودتهم أجر رسالته، وأنزل في ذلك قرآنا يتلى فقال جل وعلا: ((قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) وخلفهم مع كتاب اللّه تعالى على أمته حيث قال: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي )) وهو بهذا اللفظ ومافي معناه متواتر، ومروي في كتب الإسلام عن بضع وعشرين صحابياً، منهم أمير المؤمنين علي عليه السلام وأبو ذر وجابر وحذيفة وزيد بن أرقم وأبو رافع رضي اللّه عنهم، وقد أخرجه أحمد ومسلم في صحيحه وأبو داود وعبد بن حميد وغيرهم بلفظ: ((وأهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي)) ثلاثاً كما ذلك واضح لمن لم يعم الهوى والتعصب عين بصيرته، وجعلهم الأمان كما في أخبار النجوم التي منها: (( فإذا خالفتهم قبيلة اختلفوا فصاروا حزب إبليس )).(1/130)