وأشار إليَّ بيده. فقلت له قال اللّه سبحانه وتعالى: ((لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا)) [النساء:123] ((وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ)) [الحاقه:41] فقام من مكانه . الخ المذاكرة.
[ممن اغتر بالقاضي الجنداري]
وممن اغتر بهذا الشيخ كثير من أهل التواريخ كالقاضي حسين العرشي في بلوغ المرام حيث قال: وعارضه المهدي محمد بن القاسم الحوثي الحسيني من بقية أهل ضحيان وحوث ومن قال بقولهم إلى قوله: فرأى محمد بن القاسم أن الأحسن متابعتهم مع ما هو عليه من العلم الغزير والتقوى وملازمة الأئمة السابقين الخ كلامه في جانب الإمام وعلماء الإسلام.
والوالد محمد بن محمد زبارة والقاضي عبد الواسع بن يحيى الواسعي ولقد عاتبتهما في بعض النقولات الباطلة عن الأئمة فاعتذرا أنهما اعتمدا على تاريخ الشيخ المذكور.
[تقولات القاضي الجنداري على الأئمة (ع)]
وقد كان لا يبالي بما تَقَوَّل به من خلاف الواقع المعلوم ومن ذلك قوله في منظومته:ـ
ثم دعا من بعد ذاك القاسمي .... وكان فيها أولا كالهائم
فاضطربت به بلاد القبلة .... وهي إلى الآن بتلك العلة
أشار قوم بوصول العلماء .... فوصلوا وكاتبوا وكلما
أجاب قال اثنين في الإمامه .... يجوز هذا مذهبي تمامه
وقد كذبه وعلق على كلامه الإمام الهادي رضي اللّه عنه وأفاد أن هذا زور وبهتان عليه ولم يقل بجواز إمامين، ولو كان ذلك جائزاً فلِم قامت الحرب بينهما وقُتل فيها قتلى كثير. فانظر إلى سخافة كلامه وعباراته المزرية بأئمة الهدى والعلماء العاملين. ومن ذلك قوله في الإمام الأعظم المهدي لدين اللّه محمد بن القاسم الحوثي الحسيني:ـ
وقد دعا الحوثي بعد الهادي .... ولم يقم بواجب الجهاد(1/106)
وهذا من الإفتراء العظيم، فالإمام المهدي لدين اللّه لم يزل مجاهداً في سبيل اللّه، وإنما حجزه عن الحرب في آخر مدته الورعُ وكونُ الناس يتهافتون على النهب والأطماع فكان يأمر الناس بالمدافعة فقط. ولو أراد سفك الدماء وخوض الدهماء لبلغ ما يريد إذ كان أعلام اليمن في طاعته وأكثر الأمة في ولايته وتحت رايته ولهذا شرط على الإمام المنصور لمَّا ولاه على جهاد الأتراك أن يكون لديه من الجنود ما يمنع أهل الفساد عن التعدي لحدود اللّه كما ذلك مذكور في توليته له، أخبرنا بهذا والدي والعلماء رضي اللّه عنهم المعاصرون للإمام، وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع.
وقد عُرف هذا الشيخ بتهجمه على أئمة الهدى وأعلام الإقتداء من الأولين والآخرين كما سبق فقد قال في ترجمة الإمام المهدي لدين اللّه علي بن محمد ما لفظه: ومن الناس من يزعم أنه غير مجتهد والله أعلم. وقد كفانا الرد عليه ما ذكره الأئمة الأعلام في ترجمة الإمام علي بن محمد منها كاشفة الغمة للسيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير وكذلك ما في مختصر الطبقات حيث قال: الإمام المهدي لدين اللّه علي بن محمد نشأ على طريقة آبائه الأعلام في العلم والعمل والإجتهاد، إلى قوله: كان على طريقة آبائه الأعلام في السعي في أسباب الكمال والتمام حتى برز في كل فن من الفنون وعلوم الإسلام وصارت تشد على عقوته الأكوار لاقتباس الفتاوى وتنفيذ الأحكام من المغرب والمشرق والشام واليمن إلى قوله: يُرى أنه أزال سبع عشرة دولة ظالمة. وكم نعد من هذا القبيل وحسبنا اللّه ونعم الوكيل.(1/107)
[افتراء القاضي الجنداري على قدماء أهل البيت (ع)]
ومما نقل عن هذا الشيخ في حواشي شرح الغاية المطبوعة أن قدماء أهل البيت يخصصون آية الوعيد بقوله عز وجل: ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) [النساء:48،116]، فنقول: سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم من أين علمت هذا أيها الفقيه عنهم وهذه كتبهم شاهدة ناطقة ومقالاتهم المعلومة عند كافة الأمة بلزوم الوعيد على جميع العصاة إلا التائبين متطابقة، ولو كنت أيها الفقيه ممن يعقل لعلمت أنهم لايردون الصريح المبين إلى المجمل المحتمل، ولكان في بطلان أمثال هذه الأقاويل مايزعك عن نسبته إلى حماة التنزيل ووعاة التأويل، ولكنها الأهواء عمت فأعمت. وقد حرر الرد عليه في هذا الموضع بعض العلماء المعاصرين من أعلام الشيعة وكرام حفاظ الشريعة كثر اللّه فوائدهم ويسر صلاتهم وعوائدهم فقد كفونا المؤونة في هذا المقام، فنكتفي بإيراده ففيه كفاية وافية لذوي الأفهام وهو مالفظه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد.. فإنه لما وقفنا على ماتقوَّل به القاضي أحمد بن عبداللّه الجنداري على قدماء الآل الكرام وسادات الأنام في الجزء الثاني من شرح غاية السؤل في الصافح الأيسر رمز 429 الطبعة الثانية سنة 1401هـ المكتبة الإسلامية، عَنَّ لنا أن نجيب عليه بما لدينا من البيان دفعاً لما غرر به ودلَّس على أغمار العصر، وذلك لما أخذ اللّه على العلماء من نسق الحجة وإيضاح المحجة ((وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ)) [آل عمران:187]، (ومن كتم علماً..) الخبر. قال: إن قدماء الآل عليهم السلام يقولون: إن قوله تعالى: ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) [النساء:48،116] مخصصه لآيات الوعيد.(1/108)
والجواب عليه: أنه رماهم بما ليس عندهم ودهاهم بما لم يكن من معتقدهم، ولاسبب لذلك إلا الاعتراض على هديهم، وعدم التدبر لصحيح مقالهم، فنعوذ بالله من غلبة الأهواء والانقياد لحكم الهوى. والذي يغلب في الظن أنه إنما اطلع على كلام عالم آل محمد عبداللّه بن الحسين صلوات اللّه عليهما في كتابه الناسخ والمنسوخ حيث قال: إن آية المشيئة ناسخة لقوله تعالى: ((وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ)) [النساء:18] الآية، وأنه لما شق ذلك على المسلمين فتشاكوا أنزلت آية المشيئة. وقال عليه السلام: (لاأعلم بين الناس اختلافاً في أن هذه الآية ناسخة لما قبلها.لم يظهر له مرام مولانا عليه السلام، فحمل النسخ على التخصيص، وإلا فمرام الإمام عليه السلام أن اللّه تعالى زاد في أجل التوبة إلى وقت الغرغرة، فأول الكلام وأوسطه يدل على أن الآية في التوبة فإنه قال عليه السلام: وإرجاء أهل الذنوب فلم يخص أحداً منهم لترك قبول توبته وهذه آية مبهمة أخبر اللّه فيها عن قدرته وأنه يغفر ماشاء لمن يشاء غير أنه لايشاء أن يغفر لأهل الكبائر الذين يموتون عليها.
قال: ولعمري إن من مات على غير توبة من أهل الوعيد، فالفقيه نظر في كلامه ولم يتدبر مرامه، ولايخلو من أحد أمرين إما أنه قصر في النظر وهذا قصور لايليق بالعلماء، أو أنه لما رأى قوله أن الآية منسوخة أراد أن ينسب إلى الآل أنهم يخصصون آية المشيئة بآية الوعيد(1)[1]) لينصر مذهبه الواهي، ولكنا نذكر شيئاً من أقوال الآل عليهم السلام إمامهم وصي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فإن المعلوم لمن اطلع على خطبه ورسائله ومواعظه أنه يحكم ويجزم بخلود مرتكب الكبيرة الذي لم يتب منها في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، وتلاه أولاده إماماً بعد إمام.
__________
(1) والصواب أنهم يخصصون آية الوعيد بآية المشيئة، تمت من المؤلف أيده الله تعالى(1/109)
قال الهادي صلوات اللّه عليه في مجموعه في سياق صاحب الكبيرة: وأنه إذا مات مصراً عليها غير نادم ولا مستغفر فإنه من أهل النار خالداً فيها مخلداً لايخرج أبداً منها، وكذلك القاسم الرسي صلوات اللّه عليه له كلام بمعناه في مجموعه وكذا الناصر في بساطه عليه السلام.
وروى الإمام أحمد بن سليمان عليهما السلام والإمام الأواه المنصور بالله عبداللّه بن حمزة عليهما السلام والإمام القاسم بن محمد والقاضي محمد بن أحمد الديلمي إجماع أهل البيت في أن من مات مصراً على معصية فإنه مخلد في النار، وكذلك غيرهم من علماء الآل وشيعتهم عليهم السلام، وهذه مسألة مشهورة وأدلتها غير مغمورة بل هي بصرائح الكتاب وقواطع السنة معمورة، وقد دار فيها الخلاف والنزاع بين أهل العدل ومن خالفهم من المرجئة، وأوضح الآل وشيعتهم فيها الأدلة التي لاتخفى إلا على غبي أو معاند غوي.(1/110)