قال في الأم: حرر بتاريخه شهر رجب سنة 1365 هـ كتبه المفتقر إلى اللّه سبحانه مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي عفا اللّه عنهم، تم بحمد اللّه وإعانته زبراً في يوم الأحد 24 شهر رجب سنة 1370 هـ .
بقلم أسير الذنوب راجي رحمة علام الغيوب علي بن يحيى شيبان لطف اللّه به في الدارين آمين.
قال في الأم المنقول عليها هذه النسخة مالفظه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم وصلى اللّه وسلم على النبي الكريم وآله الهداة إلى الصراط المستقيم، نعم لما تم لي نساخة هذه الكتب العظيمة النافعة وسماعها على مؤلفها أيده اللّه بتأييده ورأيت علماً عظيماً وصراطاً قويماً.. الخ كلامه وذكر فيه أبياتاً صدرها:
هذي الرياض التي فاضت بها النعم…بشرى فمطلعها الأنوار والكرم
في ثمانية عشر بيتاً قد ذكرت في ديوان الحكمة. قال الناقل عن خطه: إلى قوله المفتقر إلى ربه أسير ذنبه صلاح بن أحمد بن عبداللّه فليتة عفا اللّه عنه آمين.(1/61)
الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على ما أورده صاحب التبديع والتضليل
تأليف
الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى
[مقدمة المؤلف ـ أيده الله تعالى]
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله وسلم
الحمدلله القائل في كتابه المبين: ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) [النحل:125] المقدس عن الأشباه والنظائر، المنزه عن أن تحيط به القلوب والضمائر، أحمده عز وجل، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، شهادة مدخرة إلى يوم تبلى السرائر، خالصة عما يشوبها من الرذائل، مطهرة عن دنس الإشراك وموبقات الدغائل، صادعة بالحق على رغم كل جاحد وغافل.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى سبيله الواقف عند قيله، المبلغ لدينه في وحيه وتَنْزِيله، الذي منه في الذكر المكنون: ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) [آل عمران:171] صلى الله عليه وعلى آله قرناء الذكر المبين، سفينة النجاة للمتمسكين، ونجوم الهدى، ورجوم العدى، وأمان أهل الأرض من الضلالة والردى، النافين عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.(1/62)
[الباعث على التأليف]
وبعد: فإنها وصلت إلينا الرسالة المتضمنة للتضليل والتبديع والتكفير للفرقة الناجية والعصابة الهادية من أهل البيت المطهرين عن الأرجاس، المفضلين على كافة الناس، وأشياعهم الراكبين سفينتهم المتمسكين بهديهم، الدالة على إقدام منشيها على ذلك بغير برهان ساطع، ولاسلطان قاطع، ومثل ذلك أمر كبير وخطب خطير، ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)) [الحج:8]، زاعماً أنه ناهٍ عن البدع وفيها وقع، وارتبك في ضلالها ورتع، ومن آجن كدرها وآسن متغيرها كرع، فتحتم علينا الجواب، ووجب إزاحة مابها من الشبه الضئيلة التي هي أشبه بلمع السراب، لما لايؤمن أن يطَّلَعَ عليها من لا يميز بين الخطأ والصواب، فتوقعه لضعف البصيرة في الحيرة والشك والارتياب، لما أخذ الله تعالى من البيان في محكم القرآن والسنة من أمثال قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى..)) [البقره:159] الآية، ولقوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((إذا ظهرت البدع ولم يظهر العالم علمه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))، ولقوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً ))، وقد قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((إنَّ عند كل بدعة يُكادُ بها الإسلامُ من بعدي ولياً من أهل بيتي، يُعْلِنُ الحقَّ وَيُنَوِّرُهُ، وَيَردُّ كيدَ الكايدين، فاعتبروا يا أُولي الأبصار، وتوكلوا على الله)).
فنقول وبالله تعالى التوفيق، ونسأله الهداية إلى أقوم طريق:
قال بعد حمد الله والصلاة على النبي وآله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ:(1/63)
أما بعد: فهذه نبذة في تضليل بعض البدع المحدثة التي صار الاستمرار عليها سنة متبعة والإلف بها والنشوء عليها صيراها حسنة، وإن كانت قبيحة وهي: مسألة تجصيص القبور ورفعها والبناء عليها وزخرفتها وتسريج السرج عليها وفرشها والصلاة فيها والتلاوة عندها والتضرع والاستغاثة.
والجواب والله الموفق لمنهج الصواب: أما الدعاء والتلاوة فلم يورد صاحب الرسالة شيئاً مما يقتضي المنع عنهما بل في سياق ما استدل به مايفيد شرعية الدعاء كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.
[شرعية التلاوة عند القبور]
ولنا على شرعية التلاوة عند القبور أدلة منها:
مارواه الإمام علي بن موسى الرضا بسند آبائه ـ عليهم السلام ـ عن علي ـ عليه السلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((من مَرَّ على المقابر وقرأ ((قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)) إحدى عشرةَ مرةً، ثُّمَّ وهب أَجرَهُ للأموات أُعطي من الأجر بعدد الأموات)).
وأخرج أحمد في المسند، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم عن مَعْقِلِ بن يسار عنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((اقرؤا على موتاكم يس)).
قال في شرح الجامع الصغير: أي مَنْ حضره مقدمات الموت، وأخذ بعضهم بظاهر الخبر، فصحح أنها تقرأ بعد موته، والأولى الجمعُ عملاً بالقولين"، انتهى منه باختصار.
قلت: المتعين الأخذ بالحقيقة لعدم الصارف.
قال في حواشي بلوغ المرام: لابأس بقراءة القرآن على الموتى كما بين ذلك بأدلته الحافظ ابن القيم في كتابه الروح فانظره، وانظر كتابنا المحكم المتين"، انتهى [من صفح 107/ طبع سنة 1372 هـ].
قال الأمير في تأنيس الغريب: وأخرج أبو محمد السمرقندي في فضائل ((قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)) عن علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ: من مر على المقابر وقرأ ((قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)) إحدى عشرة مرة، ثُّمَّ وهب أجره للأموات أُعطي من الأجر بعدد الأموات.(1/64)
قلت: وأخرجه الإمام علي بن موسى الرضا بسند آبائه بلفظه، وأخرجه الرافعي في تاريخه، والدار قطني عن علي ـ عليه السلام ـ بلفظه.
وأخرج أبو القاسم بن أسعد الزنجاني في فوائده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب، و((قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ))، و ((أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ))، ثُّمَّ قال: اللهم إنِّي جعلتُ ثوابَ ما قرأتُ من كلامك لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا له شفعاءَ إلى الله)).
وأخرج عبدالعزيز صاحب الجلال بسنده عن أنس أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: ((من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم، وكان له بعدد من فيهم حسنات)).
قال المحب الطبري: وفي الإحياء للغزالي والعاقبة لعبدالحي عن أحمد قال: إذا دخلتم المقابر فاقرأوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين و((قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ))، واجعلوا ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم.
[بحث في أنواع التوسل مدعماً بالأدلة]
وأما التضرع والاستغاثة فلا يخلو:
إمَّا أنْ يكونَ المقصود بذلك مجرد القبر، أو مَن فيه لاعتقاد أنه ينفع ويضر من دون الله تعالى، فلاشك في قبحه، وذلك غير واقع فيما نعلمه في هذه الأقطار، ولو ظهر وقوعه لأُنْكِرَ على فاعله.
وإنْ كان المقصود الدعاء إلى الله وحده، والتوسل بالأخيار، فذلك غير ممنوع، بل مشروع، والأدلة على ذلك مسطورة مشهورة، ولم يأتِ صاحب الرسالة بما يمنع من ذلك لا حجة ولا شبهة فيتوجه الخطاب عليه، وكذلك فرشها لَم يُشِرْ فيه بدليل ولا شبهة قط.(1/65)