الجواب: الحمدلله على رجوعك إلى موافقة الأمة المحمدية من تحقق النزاع بين العدلية والجبرية، وإدراكك بنفسك مناقضة كلامك، فيقال لك: الأمر عندهم كذلك معلوم قطعاً، وبمثل هذا من نصوصاتهم المعلومة يبطل ما ادعيت من الاتفاق، ويتبين أنَّ ما طوَّلت به لا طائل تحته، وإنما هي تخيلات نشأت من مناقضتهم وملاوذتهم التي أدركها المحققون، وهي لاتخفى على ذي نظر صحيح، والله تعالى الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
[إنكار ابن الأمير على الأمير الحسين بن الإمام القاسم (ع)، جعله قوله تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ))، من العلاقات الجزئية، والجواب عليه]
قال الأمير معترضاً على المولى العلامة شرف الآل الحسين بن القاسم بن محمد ـ عليهم السلام ـ في عبارته في قوله [ج1 من الغاية/ص258/ ط الأولى، طبعة صنعاء]: ومن العلاقات الجزئية عكس الكلية كالعين في الرقيب وهي جزء منه ومنه قوله تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ)) [القصص:88] أي ذاته، فقال الأمير: أقول: أي من استعمال الجزء وإرادة الكل فإنه عبر بالوجه عن الذات، ولا يخفى أن هذا لا يجوز في حقه تعالى، إذ هو متعالٍ عن اتِّصاف ذاته بالأجزاء، فهذه زلة قلم تابع فيها المؤلفين.
أجاب عليه مولانا العلامة مجد الدين بن محمد حفظه اللّه بما لفظه:
المؤلف ـ عليه السلام ـ أجلُّ من أنْ يَخفى عليه ماهو أدقُّ من هذا، وإنما سلك طريقاً أشار إليها المحققون، وهو أنه يكفي ثبوت العلاقة في الجملة، وليس المعتبر خصوص المادة، أَلا ترى أنَّ إطلاق الرحمة على الأفعال مجازٌ لَمَّا كانت سبباً فيها شاهداً، وقد أُطلقت على أفعال الباري، مع أنها ليست سبباً في أفعاله سبحانه، إذ هي في حقه مستحيلة، فهنا كذلك، لَمَّا كان الوجه يُطلق على الذات في الشاهد بعلاقة الجزئية أُطلق على الباري تعالى وإن كانت في حقه منتفية، وهذا كلامٌ شريفٌ، فليكن على ذكر منك.(1/46)
تم الجواب والحمدلله سبحانه بعناية سيدي العلامة المؤلف حفظه اللّه وأبقاه في يوم الإثنين 17 شهر رجب سنة 1370 هـ. بقلم الفقير إلى اللّه المنان علي بن يحيى شيبان وفقه اللّه.
---
( [3]) ـ أي آيات البشارة.
( [4]) ـ في قوله تعالى ((قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا)).
( [5]) ـ تسمية الطائفتين مؤمنين إشارة إلى ما في قوله تعالى ((وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا...))، وأمَّا تسمية القتلى مسلمين فيقصد به حديث (إذا التقى المسلمان بسيفهما...).
( [6]) ـ مع أنَّ تسميتهم مؤمنين ومسلمين باعتبار ما كانوا عليه، وقد أشبع مولانا الإمام مجدالدين المؤيدي ـ أيده الله تعالى ـ البحث في هذا في مؤلفه لوامع الأنوار[ط1/ج2/ص 548 ، ط2/ج2/ص610]، فليرجع إليه من أراد زيادة الفائدة، والله تعالى وليُّ التوفيق.(1/47)
كتاب الحجج المنيرة على الأصول الخطيرة
تأليف
الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى
[مقدمة]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وصلى اللّه على محمد وآله
الحمدلله، وسلام على عباده الذين اصطفى، الحمدلله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه الأكرمين المرسل رحمة للعالمين وحجة على العباد إلى يوم الدين، وعلى عترته ورثة الذكر المبين.
وبعد: فإنه وقع الإطلاع على كتاب كريم وخطاب وسيم مشتمل على سؤال متطلب حل إشكال ناهج الصراط المستقيم وعابر سبيل الحق القويم، يضوع عبير الحكم العلوي من نسماته، ويفوح نشر الهدي النبوي من نفحاته، فلا غرو فهي ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم ولفظه:(1/48)
[سؤال في الإرجاء]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
سؤال عن الحديث الوارد في إرشاد العنسي رحمه اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لفظه أو معناه: أن من قرأ سورة الإخلاص مائة شرف بعد كل صلاة أتى يوم القيمة على الصراط وعن يمينه أربعة أذرع وعن يساره كذلك وجبريل آخذ بحجزته، ومن رأى فيها دخلها بذنب غير شرك أخرجه. فهذا معارض لنصوص كثيرة هيهات حصرها نازحة أطرافها، وإن كان يمكن رده إلى الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة، فما حكمه هل موضوع أو غيره، وعظم الإشكال لأن راويه ممن لايصدر عنه إلا الأحاديث الصحيحة، وماحكم ماشابهه من الأحاديث المؤذنة بجبر أو تشبيه أو خلف وعد أو وعيد، أنقذونا من فلاة ضيقة المسالك المصيب فيها قليل والمخطيء كثير هالك، كيف وهي أصل مسألة الوعيد، فيا من فاق أقرانه واغترف من رحيق علوم آبائه وإخوانه مولانا وسيدنا وبركتنا ترجمان القرآن وحليف سنة الرحمن الولي التقي المبرور مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده اللّه بسربال الرضوان، وأفاض عليه العفو والغفران، أزل عنا الغياهب، وأوضح لنا من زلال علمك مانكمد به الجرح، وهذا دأب من تحمل علماً، وصلاة اللّه عليكم وسلامه ورحمته وبركاته.(1/49)
[الجواب: أولا كيفة أخذ الزيدية أصولهم]
الجواب والله الهادي إلى منهج الصواب:
أن الخبر الذي ذكرتموه ليس في إرشاد العنسي وحده بل هو مأخوذ مما هو أجل من هذا الكتاب وأبعد عن الشك والارتياب كتاب علوم آل محمد أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليهما السلام التي سماها الإمام المنصور بالله عبداللّه بن حمزة عليهما السلام بدايع الأنوار ولفظه: أخبرنا محمد بن راشد الحبال، قال: حدثني عيسى بن عبداللّه، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن علي، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( من قرأ في دبر كل صلاة مكتوبة مائة مرة قل هو اللّه أحد جاز الصراط يوم القيامة وهو عن يمينه ثمانية أذرع وعن شماله ثمانية أذرع وجبريل آخذ بحجزته وهو متطلع في النار يميناً وشمالا من رأى فيها دخلها بذنب غير شرك أخرجه )) انتهى. وقد سبق إلى الكلام عليه أعلام آل محمد، قادة الدين الحنيف، وذادة المبطلين من الزيغ والتحريف، وينبغي قبل الكلام على المقصود الإشارة بحسب مايليق بالمقام إلى أصول يبنى عليها ويرد ماشذ إليها قررها الأئمة الهداة سفن النجاة أعلام الأمم ومصابيح الظلم ومفاتيح البهم وأحكموا أساسها وأبرموا أمراسها بحجج بينة لذوي الأبصار متجلية المنار مشرقة الشموس والأقمار، كيف لا وهم حجج اللّه تعالى على جميع الفرق، وسفينته المنجية عند اضطراب أمواج الغرق، فمن تلك الأصول أنه لايعتمد إلا على العلم في مسائل أصول الدين وقواعد أصول الفقه وأصول الشريعة على ماهو مفصل في مواضعه، ومن هنا لم يقبلوا أخبار الآحاد فيها إلا مؤكدة لغيرها، وإنما قبولها مع ذلك لجواز أنه يكتفي الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم بالآحاد لقيام الأدلة المعلومة من غيرها.(1/50)