الكتاب : مجمع الفوائد
المؤلف : السيد العلامة المجتهد مجدالدين المؤيدي

كتب مجمع الفوائد
تأليف
الإمام الحجة
مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى(1/1)


كتاب فصل الخطاب في خبر العرض على الكتاب
تأليف
الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى
[مقدمة المؤلف]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى، اللهم اجعل أفضل صلواتك، وأجزل تحياتك وبركاتك، وأكمل سلامك وإكرامك، وأجل إجلالك وإعظامك، على رسولك الذي أرسلته رحمة للعالمين، وأمينك الذي أرشدت به الغاوين، وهديت به الضالين، وحجتك على عبادك إلى يوم الدين، الفاتح لما انغلق من رسالاتك، والخاتم لما سبق من أنباء سماواتك، وعلى أخيه ووصيه وابن عمه ونجيه ووليه وباب مدينة علمه الذي نزلته منه منزلة نفسه، واشتققت نوره المضي من شمسه، وغرسه الباسق الزكي من غرسه، وأيدته بسيفه القاضب، ونصرته بعزمه الماضي، الماحق بذي الفقار فقرات الكافرين، والقاطف بحسامه البتار أعناق الناكثين والقاسطين والمارقين، التالي له في مقامه وعهده والقائم بدينه في أمته من بعده، وعلى عترته الذين قرنتهم بكتابك وأقمتهم حملة لوحيك، وتراجمة لخطابك، فهم سفينة نوح وبابك باب السلم المفتوح، أورثتهم خلافة جدهم في الأرض، وأهلتهم للقيام بالسنة والفرض وجعلتهم أماناً لمن استمسك بهم إلى يوم العرض، وبعد:(1/2)


[بعض نصوص حديث العرض على الكتاب]
فاعلم أيها الأخ وفقنا اللّه تعالى وإياك والمؤمنين إلى مراشد الهداية، ولطف بنا عن سلوك مداحض الغواية حتى نكون ممن استمسك بالعروة الوثقى واعتصم بالحبل المتين الأقوى، أن مما تداحضت فيه الأقدام وتزاحمت عنده ركائب الأعلام، قول صاحب الشريعة صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((سيكذب علي كما كذب على الأنبياء من قبلي، فما أتاكم عني فأعرضوه على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه فهو مني وأنا قلته، وما خالف كتاب اللّه فليس مني ولا أنا قلته)). أخرجه الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم الصلاة والتسليم في كتاب السنة، والإمام الناصر لدين اللّه أبو الفتح الديلمي في كتاب البرهان تفسير القرآن عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: ((سيكثر علي الكذابة فما أتاكم عني فأعرضوه على كتاب اللّه عز وجل فما وافق كتاب اللّه فخذوه، وما خالف كتاب اللّه فردوه)). وأخرجه الطبراني في الكبير عن ثوبان عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: ((أعرضوا حديثي على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه فهو مني وأنا قلته)) ذكره السيوطي في الجامع الصغير وروى أيضا في الكبير عن عبداللّه بن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: ((سئلت اليهود عن موسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وسئلت النصارى عن عيسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وستنشأ عني أحاديث فما أتاكم من حديثي فاقرؤا كتاب اللّه واعتبروه فما وافق كتاب اللّه فأنا قلتهن وما لم يوافق كتاب اللّه فلم أقله)).
قلت: أراد بما لم يوافق مع المخالفة كما سيأتي، وذكر قاضي القضاة ما لفظه: وقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((سيأتيكم عني حديث مختلف فما وافق كتاب اللّه وسنتي فهو مني، وما كان مخالفا لذلك فليس مني ))(1/3)


وهو مما اعتمده سادات الأئمة الكرام، كما نقله عنهم الإمام الذي أحيا اللّه بعلمه معالم الإسلام وأفنى بسيفه طغاة الطغام أمير المؤمنين المنصور بالله أبو محمد القاسم بن محمد رضوا ن اللّه عليهم المتوفى سنة تسع وعشرين وألف في كتابه (الاعتصام) ولما لم يتضح لبعضهم المعنى فيه لم يعرج عليه ولم يرفع رأساً إليه.والمرء عدو ما جهله، وإلا فعند التحقيق لمعناه لا يتصور أن يرده ذو علم ولا يأباه.
[استدلال الإمام المهدي (ع) على صحة حديث العرض]
وقد أزاح عنه اللثام وأراح عن التجشمات لطامحات الأوهام ونزله على ما يطابق قول الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ويوافق عمل الأئمة حماة المعقول والمنقول الإمام الأعظم المجدد لما اندرس من رسوم الحق الأقوم أمير المؤمنين المهدي لدين اللّه رب العالمين أبو القاسم محمد بن القاسم الحسيني الحوثي رضوان اللّه عليهم المتوفىسنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف قال رضي اللّه عنه: أما حديث العرض فقد رواه أئمتنا عليهم السلام الجلة منهم وصححوه واستشهدوا على صحته بما أفاده متنه، لأنه قال: ((سيكذب علي من بعدي كما كذب على الأنبياء من قبلي)) وروى خبر العرض السابق إلى أن قال: قالوا فلا يخلو إما أن يكون صحيحا أولا، إن كان الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني لزم منه صحته، لأنه قد كذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم. وأما كيفية العمل به فالمعنى الصحيح الظاهر فيه هو أن الكتاب والسنة لايتخالفان فإن تخالفا ردت السنة إليه لأنه الثقل الأكبر، ولأن السنة بيان له وإن خالفت السنة الآحادية الكتاب من كل وجه ردت وحكم بأن الحديث مكذوب -أي موضوع_.(1/4)


[الأقوال في كيفية العرض وبيان أن ما في السنة على خمسة أقسام]
وقد اختلف في كيفية العرض على أنحاء، فقيل: لابد من عرض كل حديث وهذا يصعب إذ بعض الأحكام أخذت من السنة فقط.
وقيل: المراد العرض الجملي ومعنى فلا يأباه الكتاب ويوجد له فيه ماسة.
وقيل: بل يعرض ولو على قوله تعالى: ((مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)) وحينئذ فلايشترط إلا صحة كونه عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم مع عدم معارضته للقاطع من كل وجه وأمكن الجمع في الظنيات، فتحصل أن مافي السنة على خمسة أقسام:
[1] ما أمكن عرضه على الكتاب تفصيلا وهذا لاإشكال في صحته.
قلت: ومراد الإمام عليه السلام أنه لا إشكال في صحة العمل بموجبه، لأنه قد عرف حكمه من الكتاب ولم يكن إلا مؤكداً له إن صح، فأما الحديث فلاثقة به إلا بصحة طريقه، نعم ظاهر الخبر أن ماوافق الكتاب فهو صحيح من غير نظر في طريقه لقوله: ((فما وافق كتاب اللّه فهو مني وأنا قلته)) لكنه مخصوص بالأدلة الموجبة للنظر في طرق الأخبار مثل قوله عز وجل: ((وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ))، وقوله تعالى: ((إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا))، واشتراط الضبط والعدالة في النَّقَلَة أمر متفق عليه في الجملة، ويحتمل أن تخصص تلك الأدلة بعموم ذلك الخبر فيكون من أخبر بما يوافق الكتاب صادقا وإن كان كافرا أو فاسقا ويكون إعلاما من اللّه تعالى أنه لا يخبر بما يوافق الكتاب إلا وهو حق وصدق وصواب، فهذان عمومان تعارضا يمكن الجمع بينهما بتخصيص أحدهما بالآخر فيرجع فيهما إلى الترجيح فنقول والله أعلم: إن الاحتمال الآخر مرجوح لأن الذي توجبه حياطة الدين وتلزمه حماية سوح التثبت وسرح اليقين ترك تلك العمومات على بابها والتخصيص لهذا العموم بها لكونها أقوى والاعتماد عليها أحرى، هذا هو الذي تقتضيه مسالك الأصول ومدارك المعقول والمنقول، وقد أشار إليه الإمام عليه السلام بقوله إلا صحة كونه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.(1/5)

1 / 83
ع
En
A+
A-