[الإمام محمد بن القاسم بن الحسين الزيدي]
وكان منها على الزيدي ملحمة.... بحقل صنعاء تجري مدمع النظرِ
هو:محمد بن القاسم بن الحسين الزيدي، من ذرية زيد بن علي-عليه السلام-، قتل بقاع صنعاء عند الظهر يوم الخميس، لسبع بقين من صفر سنة ثلاث وأربعمائة، قتله هذا الإمام المذكور قبله ؛لأنه نازعه [في] الأمر، وخالف عليه؛ لأن أباه كان من أعوان القاسم العياني على صنعاء، فلما مات القاسم دعا هذا الزيدي إلى نفسه، وبلغ ذلك الحسين بن القاسم، فكتب إلى الناس يأمرهم بأن ينظروا في صفات هذا الداعي لهم إلى البيعة، فإن كان أحق بالأمر بايعوا له، وبايع هو له، ثم لم يلبث أن وثب عليه فقتله.
قال مسلم اللحجي: فهذه الأخبار توجد في سيرة الإمام الحسين مستوفاة، فلا وجه للتطويل في شرحها. انتهى.
قالوا: وأما أبوه فهو مقبور في جامع ذمار في عدنيه، توفي يوم الأربعاء، لست وعشرين ليلة خلت من محرم، سنة أربعة وتسعين وثلاثمائة.
قال بعض نسَّاب العترة: وأظن [أن] من أولاد الزيدي هذا، أو من بني عمه أشراف بيت نعامة من بلاد بني شهاب، ومنهم في صنعاء، وفي جهران، وفي هجرة وزل بوادي عهان، وفي مقري، والله أعلم.(2/91)


[ذكر الشريف الفاضل وأخيه ذي الشرفين]
قوله:
وفي الهُرابة أيام لفاضلنا.... وصنوه ذي المعالي خير منتصرِ
حط الصليحي حوليها بعسكره.... سبعين ألفاً وما فيها سوى قطرِ
وفي شهارة أيام تعقبها.... قتل القرامطة الأشرار في أقرِ
رَّد المكرم مكسور الجناح وقد.... وافى بجيش كعدَّ الطبس منتشرِ
وحاصراه بصنعاء محاصرة.... تعضُّ منها بنان النادم الحصرِ
الفاضل هذا هو: القاسم بن جعفر بن القاسم بن علي العياني، وأخوه ذو الشرفين، متوفى في شهارة [محمد بن جعفر] كانا رجلي أهل البيت في زمانهما، كان الفاضل في درجة الإمامة، ولم يدع إلى نفسه؛ لأنه كان يعتقد أن عمه الحسين حي وأنه المنتظر.
وكان الفاضل قد بنى الهرُابة في الظاهر من بلاد وادعة وحصنها، وأجرى إليها وشُلاً من موضع عندها، فسار إليه علي بن محمد الصليحي بجميع أهل اليمن وملوكها، فحاصره سبعين ليلة، وقاتل عليها قتالاً شديداً، وقطع الماء عن السيد الفاضل وأصحابه حتى بلغت الشربة ألف دينار، وهلكت البهائم برمتها وبعض بني آدم عطشاً.(2/92)


وقال السيد الفاضل: والله، ما أعلم أحداً قبلي بلي بمثل ما بليت به، فإن جدي الحسين -عليه السلام- منع الماء ثلاث ليال أو أربع، وأنا منعت الماء سبعين ليلة، ولما دخل الصليحي الهُرابة عقيب استيلائه عليها دخل وهو ضام لأنفه من رائحة جيفة الموتى، وأخذ يتعجب من صبر من بها، حتى قال: والله لو ملكت رجالاً كرجال الهُرابة لأملك بهم العراق، ثم اعتقل السيد الفاضل بصنعاء، وقف في حبسه نحو عامين، وكانت زوجة الصليحي الحرة أسماء محسنة إلى الفاضل [في] أيام حبسه، ثم أطلقه الصليحي، ورأيت أنا في بعض الكتب أنه أسروه وأخاه ذا الشرفين، ثم أطلقهما بشفاعة أبيهما جعفر بن الإمام، ثم عمرا شهارة في بلاد الأهنوم وحصَّناها، فأما الفاضل فقتل في الجوف وهو ابن سبع وخمسين سنة، وذلك في شهر صفر من سنة ثمان وستين وأربعمائة على غيل أحدثه هناك، قتله أهل الجوف بعناية من الصليحي أحمد بن المظفر وأصحابه، فإنهم منَّوا النهميين جعلاً في قتله؛ لأنه أراد عمارة غيل عمران، وكانوا كارهين لذلك، فلما قتلوه جاءوا إليه للجعل فأنكر عليهم، وقال: تقتلون ابن رسول الله ً وتطلبون عليه المكافأة! فذهبوا وقد ندموا، ومات ولا عقب له، وبقي أخوه ذو الشرفين، فحط عليه المكرم أحمد بن علي الصليحي على شهارة بنفسه، ثم رتَّب عليه جماعة من أقاربه، وكانت الجنود تطلع من اليمن وغيره من البلاد، ويتداولون المكث في المحطة، فبيتهم ذو الشرفين ليلة، فقتلهم قتلاً ذريعاً، وانتهبت خيلهم وبغالهم، وقيل في ذلك أشعار، وقد كانت المغازي من ذي الشرفين لا تزال تعاهد صنعاء.(2/93)


قال مسلم اللحجي: كان الأشراف آل القاسم قد حصروا بني الصليحي، وبني الزواحي وأعوانهم بصنعاء وشبام، وأخذوا عليهم أقطار البلاد، فكان بعضهم في قلعة ثلا يحصر من في كوكبان وشبام، وبعضهم في سناع وحضور، وبعضهم بالمعلل، ثم بقرن عنين يحصر بيت بوس وصنعاء وبعضهم بمشارق صنعاء يحصرونها.
فكان منهم من هو بالمفظوع من جبل كنن، ومنهم من هو بغيره، فضايقوا الصليحيين بالحصار حتى لم يوجد إلى الطعام سبيل ولا وجه، واعتقدوا أن هلاكهم يستباح معه كل محظور، وضايقوا أيضاً من تحت أيديهم ومملكتهم من القبائل في الجبال حتى أخذوا سبعة أعشار أموالهم.
قالوا: فلم يزل ذلك كذلك حتى نظر الشريفان القاسم، ومحمد ابنا القاسم في ديوان دخلهما وخرجهما، فوجدوا ما يدخل نحواً من تسعين ألفاً، وما يخرج نحواً من ألف ألف وأربعين ألفاً أو أكثر، فأيقنا بتعذر الأمر واختلاف الحال، فانصرف من كان منهما بمسور إلى شهارة، وكتبا إلى أهل حضور والقلاع، والعمال في البلاد بالانصراف، فانصرفوا في ليلة واحدة من ثلاثين حصناً، فاسترخى خناق الصليحيين بعد انقضاء الحصار، فانفصلوا إلى مخلاف جعفر، ونزلوا إلى مدينة جبلة.
فروي عن السيدة الصليحية أنها قالت: ما خرجت يومئذٍ صليحية من صنعاء وفي آذانها إلا الصفر من شدة ما احتاجوا إليه من النفقة، وعظيم ما نزل بهم من الفاقة في تلك المدة.(2/94)


قالوا: وكان السبب في جرأة الأشراف بشهارة على الصليحيين أنهم بعد أن صاروا بشهارة قصدهم المكرم في ملوك الدعوة الصليحية وجيوشها، فأقبل حتى نزل بموضع تحت شهارة، ونزل أحمد بن المظفر بمكان آخر قباله، ونزل عامر [بن] الزواحي ناحية أخرى، ونزل حاشد بن اللديس وآخر معه منهم بموضع آخر، وأحاطوا بشهارة من كل موضع، فقسم الأمير ذو الشرفين الأشراف والشيعة ثلاثة أقسام مائة مائة، وأصحب كل مائة ريحاً من طبل وبوق وغيره، فصَّبحت كل طائفة منهم طائفة من الصليحيين، فقتل حاشد وأصحابه وكثير من جيشه، فانهزم باقيهم، وانهزم سائر الملوك والعساكر أكبر هزيمة، وقتل من لحق منهم.
فلما مضى لذلك سنة أو نحوها جهز المكرم جيشاً، وقصد شهارة وانتهى إلى موضع تحتها، يقال له: أقر، فلم يلبث أن انصرف، وفي السنة الثالثة أقبل كذلك فانتهى إلى ظاهر بني صريم، فحاده الأشراف، وكان حده وحد أهل دعوته من أسفل عجيب من ناحية ريدة البون الأسفل فيمناً، وحد الأشراف وشيعتهم من أعلى عجيب فشاماً، وقد كان ذو الشرفين قال: أما إني سأفرق بين الصليحي، فأما القتل لهم فلا، ولا أصل إليه، فسار إليهم إلى صنعاء، وحصرهم كما تقدم.
قالوا: وبنى ابن عمه الحسن بن إبراهيم في تلك المدة جبل ثلا، فهو أول من بناه.
ومما أعان على الصليحيين أن قبائل همدان قد كانت أقبلت إلى المكرم فحلفت له على الطاعة وحرب الأشراف، ولم يكن في خزائنه ما يعطيهم إياه، فضرب لهم قدر صفر دنانير، واحتال على تلوينه بما صبغه حتى قلبه.(2/95)

99 / 205
ع
En
A+
A-