وكان يركب الفرس من الأرض، وكانت له غاشية على سرجه يركب بها خشية من سم الباطنية، ووصل إلى صعدة من جهته: أبو طالب نصر بن أبي طالب بن أبي جعفر، فقيه الزيدية في عصره وعالمهم، اجتمع في خزائنه من فنون العلم اثنا عشر ألف كتاب، [وقيل: أربعة عشر].
ووصلت أيضاً دعوة هذا الإمام إلى اليمن سنة إحدى عشرة وخمسمائة سنة إلى الأمير المحسن بن الحسن بن الناصر بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن المختار بن الناصر بن الهادي -عليه السلام- هكذا نسبه في كتاب (الحدائق) ونقلت أنا نسبه من كتاب يسمي (العباب) للعدوي، فقال: هو المحسن بن محمد بن المختار، ثم قال: ثم بويع له بالخلافة، ويلقب بالمعيد لدين الله.
قال: وكان فقيهاً خطيباً شاعراً.
قال في (العباب): وقتله الحدادون من أهل صعدة، وقتلوا ولده وجماعة من شيعته في منزله، وهو آمن، وأحرقوه، واستصبحوا شحمه بسبب أنه قتل باطنياً كان ضيفاً لبعضهم، فلما قتلوا المحسن أمروا بيده إلى الباطنية فطيبوها، وكفنوها، وردوها إلى بني الهادي، فخرج رجل من شيعته، يقال له: ابن عليان من سناع، فاستنصر بخولان وهمدان، فنفوا أهل صعدة وبقيت خراباً مدة، انتهى كلام العدوي،وسيأتي كلام خلاف هذا القول مما نقلته من (الحدائق) عند ذكر المحسن من منظومة السيد صارم الدين.
عاد الكلام إلى ذكر الإمام أبي طالب، قالوا: ومن محاسن كتبه العهد الذي كتبه للسيد شرف الدين أبي عبد الله الحسين بن عبد الله بن المهدي بن عبد الله بن المرتضى بن الهادي -عليهم السلام -، وهو عهد عجيب طويل مذكور في (الحدائق).(2/86)


قال في آخره: فليعلم إخوانناَ حفظهم الله تعالى أن مولدنا في ديلمان ومنشؤنا بين جيلان وطبرستان، والعراق وخراسان، وأهل هؤلاء البلدان ليسوا من أهل اللسان والبيان، بل عجم بكم عن العربية، ولسان العجم لا شك عجم وأدنى العجم، وإن بلغوا من الفصاحة الثريا فلا تلحق فرسهم فرساً للعرب العرباء إلى آخر ما ذكر ه -عليه السلام-، ثم توفي في سنة عشرين وخمسمائة بالديلم، وأوصى أن يدفن سراً ليخفى موضع قبره على الباطنية، فهو لا يعلم على التعيين، وإنما يظن ذلك، والله أعلم.(2/87)


[أخبار الإمام الحسين بن القاسم العياني -عليهما السلام-]
وأنزلت ساحة المهدي قارعة.... بذي عرار ونقع الخيل لم يثرِ
وقال قوم: هو المهدي منتظراً.... قلنا: كذبتم حسين غير منتظرِ
كيف انتظاركم نفساً مطهرةً.... سالت على السمر والصمصامة الذكرِ
وللخيالات أوهام مسلطة.... على العقول التي ضلت عن الفكرِ
يعني: أن الدنيا أنزلت منزلة المهدي.
والمراد هنا : أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن علي العياني، كما فعَلتُ بغيره من أهل البيت الأطهار، وقد كان من أعيان الأئمة في تلك الأعصار، ومن المبرزين الكبار، في كل علم حوته المصنَّفات والأسفار، والسابقين في ذلك المضمار، فله التصانيف الرائقة في علم الكلام، والكتب الفائقة على مخالفي العترة -عليهم السلام-، وهي كثيرة.
قيل: إنها تبلغ إلى ثلاثة وتسعين مصنفاً، منها تفسير كامل سلك فيه الطريقة الوسطى.
وكانت شجاعته معروفة، ومواقفه موصوفة، لا تفتقر إلى شاهد، ولا يطمع في جحدها جاحد، كما قال الإمام المنصور بالله -عليه السلام-:
وهل أحد يقول أبي علي.... يقهقر عن مناطحة الشفار
قام بعد موت أبيه، وملك من إلهان إلى صعدة وصنعاء، ولم يزل ناعشاً للحق، داعياً إلى الصدق إلى أن قتله بنو حماد في بعض حروبه في نواحي البون، قتله رجل من بني زينج سنة أربع وأربعمائة، وعمره نيف وعشرون سنة، واعقب ابنتين لا غير، ومات قطيعاً من الذكور.
وروي أن قاتله قربت إليه نار ليتبخر بها فاحترق، وذلك دلالة على كرامته -عليه السلام-.(2/88)


قال الفقيه حميد: وقد بقي جماعة من أشياعه يعتقدون أنه حي [إلى الآن] وأنه المهدي المنتظر، الذي بشر به النبي ً قال: وقد كتبنا رسالة في هذا المعنى، وسميناها بـ(الرسالة الزاجرة لذوي النهى عن الغلو في أئمة الهدى).
قال الفقيه حميد: ولقد اقتصرنا من سيرته على هذا القدر؛ لأنها لم تتصل بنا، وإلا فله وقائع جمة.
قلت: [و] أنا أعلم أن ناساً من شيعته ضلوا فيه، وذهبوا إلى أن كلامه أفصح من القرآن، بل قد رأيت من المصنفات ما نسب إليه، وفيه ما يقتضي بهذا المعنى، وتأوله بعضهم بأنه قاله وهو ذاهب العقل لسبب كثرة تتبعه أنوار العلوم، وقال أصحابه فيه أقاويل هائلة، ولما ظهرت منهم هذه المقالات ونحوها.
قال الفقيه جعيد بن الحجاج الوادعي -وهو صهر لنشوان بن سعيد-:
أما الحسين فقد حواه الملحد.... واغتاله الزمن الخؤن الأنكدُ
فتبصروا يا غافلين فإنه.... في ذي عرار ويحكم مستشهدُ
قال الراوي: فغضب الشرفاء القاسميون من ذلك غاية الغضب، وتوهموا أن نشوان هو الذي قال الشعر، فهجوه، فقال فيه عبد الله بن القاسم بن جعفر:
أما الصحيح فإن أصلك فاسد.... وجزاك منا ذابل ومهندُ
فأجابه نشوان بقصيدة طويلة أولها:
من أين يأتيني الفساد وليس لي.... نسب خبيث في الأعاجم يوجدُ
لافي علوج الروم جد أزرق.... أبداً ولا في السود خال أسودُ
أبي من العرب الصميم إذا امرؤ.... غلبت عليه العجم فهو مولدُ
فدع السفاهة إنها مذمومة.... والكف عنها في العواقب أحمدُ
والله ما مني نظام جاءكم.... فيه يقول حوى الحسين الملحدُ(2/89)


ولقد أتيت به فقمت مبادراً.... عجلاً أمزق طرسه وأقددُ
فأشاعه من ظن أن ظهوره.... في الناس مكرمة عليها يحسدُ
أغضبتم أن قيل مات إمامكم.... ليس الإمام ولا سواه يخلدُ
لا عار في قتل الإمام عليكم.... القتل للكرماء حوض يوردُ
إلى أن قال[في آخرها ]:
إن النبوة بالنبي محمد.... ختمت وقد مات النبي محمدُ
فدع التهدد بالحسام جهالة.... فحسامك القطَّاع ليس له يدُ
من قد تركت به قتيلاً أنبني.... ممن توعده ومن تتهددُ
إن لم أمت إلا بسيفك إنني.... لقرير عين بالبقاء مخلدُ
أسكت فلولا الحلم جاءك منطق.... لامين فيه يذوب منه الجلمدُ
ينبي بأسرار لديك عجيبة.... لكن جميل الصفح عنه أعودُ
ثم آل الكلام بين الأشراف هؤلاء، وبين نشوان إلى الصفح، وتهادي الثناء الحسن، كما أشير إلى ذلك في ذكر الإمام أحمد بن سليمان -عليه السلام-.
وقد حكى مسلم اللحجي في تأريخه عن الإمام المهدي، وعن والده القاسم بن علي -عليه السلام- بما يشوش خاطر المعزب عن معرفة فضلهما، فإنه حكى أشياء كثيرة تقضي بمخالفتهما لمذاهب أسلافهما، وأنهما ربما يسترجحان شيئاً من مذاهب العبيديين الذين ملكوا مصر والمغرب وغيرهما من بلاد الإسلام، وكان الصليحيون يدعون لهم، وذلك لا يسلم للشيخ مسلم.(2/90)

98 / 205
ع
En
A+
A-