وفي خلال وقعاته أسر بعد أن قتل من عسكره ثمانون مسلماً ممن لا يرى الفرار عن العدو مع عدة من الفساق، وبقي أسيراً في قرية من قرى جيلان، وفي الرواية أنه كان في اليوم الذي أسر فيه لطمه رجل من الجيل، فدعا عليه وسأل ربه أن يسلط عليه الأكلة في يديه، فعن قريب اسودَّت يداه، ووقعت فيهما الأكلة حتى ذهبتا، وبقي المؤيد بعد أسره حتى أطلق بدراهم سلمت عنه مبلغها خمسة وعشرون ألف درهم، ثم اتفقت له بعد ذلك وقعات عظيمة، وأحوال جسمية، لم يزل فيها مشجياً للظالمين، معلناً بالدين، حتى توفاه الله حميداً رشيداً، وكانت وفاته يوم عرفة في سنة إحدى عشرة وأربعمائة سنة ودفن يوم الأضحى، وصلى عليه السيد ما نكديم الأعرابي القزويني الخارج بعده بلنجا الملقب بالمستظهر بالله، وقرئ على قبره من يوم دفنه إلى تمام شهر وعليه مشهد مزور، وفيه يقول القائل:
عرّج على قبر بصعدة.... وابك مرموساً بلنجا
واعلم بأن المقتدي بهما.... سيبلغ ما ترجا
وخلف من الأولاد: الأمير أبا القاسم وحده، واسمه الحسين، وبه يكنى، أولد الحسين أحمد، وأولد أحمد الإمام أبا طالب الأخير يحيى وعقبه كثير، منهم: الإمام القائم في عشر التسعين وخمسمائة [سنة] في بلاد جيلان، وكان للمؤيد [بالله] أصحاب فضلاء نجباء من أهل البيت وغيرهم.(2/76)
فمنهم: السيد أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل [بن زيد] بن الحسن الجرجاني، والقاضي زيد بن علي الزيدي وكان من بيت العلم والرئاسة، ومنهم [السيد] مانكديم أحمد بن أبي هاشم، من ولد الحسين بن علي عليه السلام، وهو الخارج بعد المؤيد بلنجا كما تقدم، والشريف أبو القاسم بن زيد بن صالح الزيدي.
ومن أصحابه في الزهد الشريف أبو جعفر الزيدي، ومن أصحابه الفقيه أبو القاسم بن تال وهو الذي هذَّب مذهبه، وجمع (الإفادة) و(الزيادات) وهو الأستاذ.
ومنهم: القاضي يوسف الخطيب ومنهم المؤيد والد أبي مضر شريح.
ومنهم: الشيخ محمد بن أبي الفوارس ومن أتباع المؤيد: الشيخ علي بن محمد [بن] الخليل والقاضي زيد بن محمد الكلاري والقاضي شريح وهو أبو مضر بن المؤيد والكني والنيروسي الأخير.
ومن عيون أصحابه -عليه السلام-:(2/77)
الصاحب الكافي إسماعيل بن عباد
فإن في الرواية أنه كان يلازم مجلسه زماناً، وكان الصاحب يقول: الناس يشرفون بالعلم والشرف، والعلم شرف بقاضي القضاة، والشرف ازداد شرفاً بالشريف أبي الحسين [أحمد] يعني المؤيد بالله -عليه السلام-، وللمؤيد فيه القصيدة اللامية، وهي من أفصح القصائد، وأولها:
سقى عهدها صوب من المزن هاطل
حتى قال في آخرها:
ألا أيهذا الصاحب الماجد الذي.... أنامله العلياء غيوث هواطل
أنامل لو كانت تشير إلى الصفا.... تفجر للعافين منها جداول
لأغنيت حتى ليس في الأرض معدم.... وأعطيت حتى ليس في الأرض آمل
وكم لك في أبناء أحمد من يدٍ.... لها معلم يوم القيامة ماثل
إليك عقيد الملك سارت ركابهم.... وليس لها إلا علاك وسائل
وأعطيتهم حتى لقد سئموا اللهى.... وعاد من العذال من هو سائل
وأسعدتهم والنحس لولاك ناجم.... وأعززتهم والذل لولاك شامل
وكل زمان لم تزينه عاطل.... وكل مديح غير مدحك باطل(2/78)
فصل: في ذكر أخيه السيد الناطق بالله :
الظافر بتأييد الله أبي طالب هو : يحيى بن الحسين، وأمه أم أخيه، وهي أم الحسن بنت علي بن عبد الله الحسيني العقيقي.
ولد سنة أربعين وثلاثمائة سنة قرأ على السيد أبي العباس فقه العترة -عليهم السلام- حتى لجج في غماره، ووصل قعر بحاره، وقرأ الكلام على الشيخ أبي عبد الله البصري، وكذلك قرأ [عليه] في أصول الفقه، ولقي غيره من الشيوخ، وأخذ عنهم، وله التصانيف المرموقة، والكتب الموموقة، فمن كتب أصول الفقه: (المجزي) مجلدان، وفيه من التفصيل البليغ ما لايكاد يوجد إلا فيه من كتب هذا الفن، وله في فقه الهادي -عليه السلام- (التحرير) و(شرحه) مجلدات عدة، تبلغ ستة عشر كتاباً، ورجح مذهب الهادي -عليه السلام- حتى ظهر ترجيحه، وتوقدت مصابيحه.
قال الحاكم: عليه مسحة من العلم الإلهي، وجذوة من الكلام النبوي، وكان في الورع والزهد والعبادة على أبلغ الوجوه.
وكان الصاحب الكافي يقول: ليس تحت الفرقدين مثل السيدين، بويع له بعد أخيه، ولم يتخلف عنه أحد ممن يرجع إلى دين وفضل لعلمهم بظهور علمه، وغزارة فهمه، وفي بيعته يقول أبو الفرج بن هندو وقد كان أبو الفرج بلغ الغاية القصوى، والمرتبة العليا في مذهب الفلاسفة، ثم تاب وصار من عيون الزيدية، ومن شيعة السيد أبي طالب فقال:
سر النبوة والنبيا.... وزهى الوصية والوصيا
إن الديالم بايعت.... يحيى بن هارون الرضيا
ثم استربت بعادة الأيـ.... ـيام إذ عادت عليا
آل النبي طلبتم.... ميراثكم طلباً بطيا
يا ليت شعري هل أرى.... نجماً لدولتكم مضيا
فأكون أول من يهـ.... ـز إلى الهياج المشرفيا(2/79)
قام آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، وكان يدرس بجرجان مرة، [وبأسرانادين مرة] وبالديلم مرة، فكثر الانتفاع به على طريقة آبائه الأطهار، حتى مضى لسبيله وهو ابن نيف وثمانين سنة.
وكانت وفاته بالديلم سنة أربع وعشرين وأربعمائة سنة.
قال في (الحدائق): وهذا هو الأقرب، وإن ذكر دونه في بعض المواضع، وله ولد واحد، [وهو أبو هاشم محمد] أمه أم الحسن بنت يحيى الداعي الحسيني وقبر أبي طالب بآمل.
ولما خرجت الترك على الملك محمد بن نكش شاه، في سنة عشرين وستمائة، وجاسوا خلال الديار في بلاد الإسلام، وقتلوا النساء والذراري، وخربوا المشاهد إلى القواعد.
وفي جملة ما هدموا المشهدين الشريفين [القبر الأحمر] قبر محمد بن جعفر [بن محمد] بن علي بجرجان وقبر ابن أخيه علي بن موسى الرضا بطوس، جاءت كتب علمائنا من الجيل والديلم بكون هذه الحادثة ويذكرون إنما سلم منهم إلا بلاد الزيدية، ومشاهد أئمتهم مثل مشهد الناصر [للحق] بآمل، وقبري السيدين: أبي العباس، وأبي طالب، وأنهم كانوا يهمون بالوصول إليها، فدفع الله في قلوبهم الرعب، وأن الموالف والمخالف اعترف بفضل هؤلاء الأئمة.
قلت أنا: وهؤلاء الترك هم التتر، وسيأتي طرف من ذكرهم في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.(2/80)