[أخبار الإمام يوسف الداعي - عليه السلام -]
ويوسف العترة الداعي الذي شرفت.... منه المناسب زاكي الأصل والثمرِ
والقاسم القائم المنصور من شرفت.... به عيان على ما شيد من مدرِ
جرت بأعجب أمر كان بينهما.... كأمر يوسف والأسباط فاعتبرِ
ونازلا كل طاغٍ في زمانهما.... وصاولا كل ذي جور وذي بطرِ
وسائل السور من صنعاء ما صنعت.... به الجنود وقاضي الجبر والقدرِ
قال السيد صارم الدين فيما وجدته مكتوباً بخطه: إن هذين الإمامين تعاصرا، وحكى أن كل واحد منهما كان يكتب إلى الآخر: يا أخي، جعلت فداك.
قال السيد صارم الدين: ولما دخل الداعي يوسف صنعاء عنوة، صادر القاضي سلمة بن يحيى بن عبد الله بن كليب النقوي، وله قصة مشهورة، جرت له مع بعض المنجمين، وهذا القاضي المشار إليه بقول السيد [صارم الدين] : قاضي الجبر والقدر.
فلتقع الإشارة إلى ذكر كل واحد من الإمامين المذكورين على وجه الاختصار:
أما الأول فهو: يوسف بن يحيى، وهو المنصور بن الناصر بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين -عليهم السلام-.(2/56)
قال الأمير شرف الدين الحسين بن محمد، مصنِّف (الشفاء) و(التقرير) فيما نقلته عن خط يده المباركة ما لفظه: إن يوسف هذا قام في سنة ثمان وستين وثلاثمائة، وأقام بريدة أياماً، ثم سار إلى صنعاء في هذه السنة، وخطب لنفسه، ثم خرج اليوم الثاني فهدم ما كان قد بني في درب صنعاء، وهي أول هدمة هدمها في درب صنعاء، وأقام بصنعاء أياماً، وعاد إلى ريدة، وكان معه عسكر عظيم زهاء ألف فارس من حمير، وهمدان وغيرهم، ووقع بينه وبين قيس الهمداني وقعة، وكان قيس قد بنى الدرب، فلما دخل الإمام صنعاء الدخلة الثانية أمر بهدم هذا الدرب، وخلاصة الأمر: أنه زاد هدمه كرة ثانية في سنة تسع وستين وثلاثمائة، وخرب ما كان حول صنعاء، وقطع في ظهر، ومن كلام للإمام المنصور [بالله] ذكره في معرض ما يجوز للإمام أن يفعله، حتى قال: ولما دخل الإمام يوسف بن يحيى بن الناصر صنعاء عنوة من ناحية الجنوب، وقتل سلمة بن محمد الشهابي في أربعين رجلاً، وسبى من دار ابن خلف ودار أبي جعفر نساء كثيرة، قال: فهل يظنه يستجيز السبي من غير دار كفر.
قال: وكذلك الحسين بن القاسم وهب أموال قوم من أهل البون لآخرين، ووهب الرقاب أيضاً، فهل يجوز هبة رقبة من لا يجري عليه الرق؟ قال: وما ذلك إلا لجعله الدار دار حرب.(2/57)
قلت: وإذ قد جرى ذكر النقوي، فلنذكر هنا قصة له أو لبعض أهله مع مطرف بن شهاب وذلك أنه مرض هذا الشيعي مرضة شديدة، فلما عوفي تذكر ما بقي عليه مما يحيي به دين الله، وهو يمكنه أن يعمل فيه، فذكر إحياء الحكم بصنعاء بمذهب الهادي –عليه السلام-، فنظر كيف يصنع في ذلك، والشوكة للجبرية، فلم ير أنه يتم [له] ذلك إلا بمشاورة محمد بن سلمة الشهابي، وهو السلطان يومئذٍ ببيت بوس، فأتاه وشاوره هو ويحيى بن حاشد الضحاك سلطان همدان، وكان إليه وإلى قومه أمر صنعاء، وكان بظهر فلم يتعد عن ذلك، لكنه قال: إنما يتم هذا على العامة بمناظرة تكون لقاضي صنعاء، وكان القاضي أحد النقويين فسر بذلك مطرف وتواعدوا ليوم معروف، فحضر فيه السلطانان، وكبار الناس، واجتمعوا إلى بيت بوس، فلما كان ذلك اليوم أتى مطرف إلى بيت بوس في أوله، وقعد هو ومحمد بن سلمة ينتظران يحيى بن حاشد، [والقاضي النقوي والصنعانيين] فلما أقبلوا أقبلوا على الدواب، وعليهم نفيس الثياب، ومعهم من يركب الخيل، وتهيئوا بما أمكنهم من الهيئة الحسنة، فقال محمد بن سلمة لمطرف: انظر ما في القاع –يريد من العدد والزينة-، فقال مطرف: إن كان الدين الثياب، والخيل، والبغال، فقد ظهر قوة ما هم عليه، فلما دخلوا بيت بوس، وكان فيهم من كبار همدان، والغالب على همدان التشيع، فلما استقر بهم المجلس، وصلح الكلام، قال مطرف: ابتدأت بسؤال النقوي، فقلت: أخبرني أيها القاضي عن فعل قوم لوط الذي هو الفاحشة، أكان منهم باختيارهم؟ أم بقضاء الله وقدره؟(2/58)
فتحير وعظم عليه الأمر، ورأى أنه إن قال: فعلوا باختيارهم خرج عن مذهبه في الجبر، وإن قال: فعلوا بقضاء الله وقدره قبح عند الناس، وأرجف بذلك عليه العامة، فطال سكوته، فقالوا: أجب، فسكت، فلما ضايقوه بكى، فقال له بعض رؤساء همدان: دَمَعْكْ، أي: دمعت، وهي لغة أهل البون في ذلك الزمان، فلم يزدهم على البكاء، فقيل له في ذلك، فقال: أتوب وأنا على هذه السن.
وفي رواية أنه قال له: قول رسول الله ً: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها )) هل يصح؟ فقال: نعم، فقال: فمن أين دخل أبو بكر؟ فقال غلام كان على رأسه: من الكوة يا مولاي.
قال: فاشتد بكاء النقوي، ثم افترق الناس، وثبتت الكلمة على النقوي أنه يحكم بمذهب الهادي –عليه السلام- في صنعاء فيما ظهر له يقطع، وما خفي عليه أنهاه إلى مطرف، وشاوره فيه، فكان ذلك أحد أسباب ظهور مذهب الهادي –عليه السلام- بصنعاء مع ما كان من الطبري -رحمه الله- وفي أيامه، وقد تقدمت الإشارة إليه.
كانت وفاة الإمام يوسف الداعي بصعدة في [شهر] صفر سنة ثلاث وأربعمائة وقبره إلى جنب أبيه يحيى، بمسجد الهادي -عليهم السلام-، وله عقب كثير، منهم الأئمة اليوسفيون [نذكرهم في مواضع من هذا الشرح إن شاء الله تعالى].(2/59)
[الإمام القاسم بن علي العياني -عليه السلام-]
وأما القاسم القائم فيعني به: القاسم بن علي بن عبد الله بن محمد بن [الإمام] القاسم بن إبراهيم، نسب يحكي سناء تلألؤه أنوار الصباح ويعذب ذكره في الأفواه كعذوبة الماء القراح.
[قد] كان نشأ -عليه السلام- على طريقة سلفه الأكرمين، وآبائه الغر الميامين، وكانت جهة منشأته بلاد تزح، من أرض خثعم، فوصل إلى اليمن من تلك الجهة باستدعاء أهل اليمن لوصوله لما تتابعت الجراد عليهم، وأكلت ثمارهم وزروعهم، فعند وصوله صرفها الله عنهم، فلم تكد ترى في أيامه.(2/60)