[ذكر ثلاثة أئمة آخرين]
ولابنه الماجد المنصور ما سمحت.... بقود ذي لجب كالبحر معتكرِ
واستعبرت من بني الضحاك إذ فتكوا.... ظلماً بأفضل مختار من الخيرِ
فعاجلتهم رزاياها بمنتصر.... لغدرهم ثابت الأقدام في الغدرِ
ذكر السيد صارم الدين في هذه الأبيات الثلاثة ثلاثة أئمة من أهل البيت [-عليهم السلام-] لم يذكرهم الإمام المهدي -عليه السلام- في (البحر) ولا الحاكم في (شرح العيون).(2/51)
[الأول الإمام المنصور بن الناصر]
الأول منهم: المنصور يحيى بن أحمد بن الهادي إلى الحق -عليه السلام- مات في شهر محرم سنة ست وستين وثلاثمائة، وقبره في مشهد الهادي بصعدة.قال السيد: وكان من أعلام الأئمة، وهداة هذه الأمة، وله علم باهر، ومعرفة تامة، يعرفها الخابر، قال: وله مسائل، وقف عليها، يذكر فيها عن أبيه [وجده]، ويكثر الرواية عن عمه المرتضى، وعارضه أخوه القاسم، وهو المسمى بالمختار، وأخوه الحسن بن الناصر وكان خراب صعدة القديمة على يدي الحسن هذا، وأخيه المختار سنة تسع وأربعين وثلاثمائة ثم توفي الحسن بعد ذلك في شوال من هذه السنة، وأسر أخوه المختار في سنة 45، ذكر ذلك في (تأريخ صنعاء الصغير).(2/52)
[الثاني: الإمام المختار بن الناصر]
الثاني: الإمام المختار، واسمه القاسم بن الناصر، استشهد بريدة، ونقله ابن أخيه الإمام يوسف الداعي إلى صعدة، وقبره في المشهد المقدس، وكان الضحاك الهمداني قد أسره وحبسه بالقصر من ريدة، ثم قتله بعد ذلك. قالوا: وكان قد ألزمه تأديب أولادهم، وتعليمهم القرآن، فكان ذلك مما نفع الله به الدين، فإنه علَّم قيس بن الضحاك، فنشأ قيس على محبته، وولايته، وكانت له ديانة حسنة، فكان أهل بيته يزدرونه، فربما مر بهم، ومعه مشعِل طهوره، فيسخرون منه، فلم يلبث قيس أن نهض بالرئاسة، وجمع عساكر وجنوداً شتى من نجران، ونجد، والسراة، فأقبل بتلك العساكر حتى أوقع بقومه بخيوان، فكان ممن قتل أبوه، ووطئ بلاد همدان، واستولى على الأمر.
قالوا: وقد كان أيام المختار في الحبس يدخل عليه فُسَّاق همدان بالخمر فينجسونه، ويقولون: اشرب، أو شُمَّ يا مولانا هذه الروائح، فيدخل عليه بعض شيعته، وهو يبكي كل جمعة، فيقلع ذلك الشيعي طين المسجد الذي قد نجسوه، ويطَّينه بطين جديد، ويغسل له ثياب صلاته، وما قد نجسه القوم مما يتعلق به، فكان هذا دأبهم ودأبه حتى قتلوه، فانتصر له قيس هذا، ويقال: إن أكثر الأسباب في ظهور مذهب الهادي في اليمن قيس [هذا]؛ لأنه قوى شيعة الهادي –عليه السلام- بتعصبه لهم.(2/53)
[الثالث: الإمام المنتصر محمد بن المختار]
الثالث: الإمام المنتصر [لدين الله] محمد بن المختار، وهو الذي قتل قاتلي أبيه، وقصدهم إلى عقر ديارهم، وأمكنه الله منهم، فنقم بثأر الإسلام هو وقيس الفارس الضرغام، ولما قتلهم قال هذه الأبيات:
علام أُلام يا سلمى علامَ.... عداني اللوم فاطرحي الملاما
فدتك العدل أروع هاشمياً.... هزبراً ضيغماً بطلاً هماما
ألما تعلمي فتكي جهاراً.... عشية لم تهب نفسي الحماما
وطعني غير ما وكلٍ وضربي.... كِلاً وطلاً وأحشاءاً وهاما
بردت الغل ثم شفيت نفسي.... بقتلي للأولى قتلوا الإماما
فتى في السلم كان هدى ونوراً.... وسيفاً في الوغى ذكراً حساما
به امتثلوا فعال بني زياد.... غداة الطف واتبعوا هشاما
وهم جنبوا الجوار وحاولوا من.... بني الزهراء قسراً واهتضاما
فألفونا ضراغمة كراماً.... وألفيناهم جبناً لئاما
وأكرعناهم حو ض المنايا.... وأسقيناهم كأساً سماما
وقلنا أي بني الزهراء حاموا.... عن الأحساب أو موتوا كراما
ويا سعد الحماة ويا أزالاً.... أجدوا في عدوكم انتقاما
جلونا حين ما صلنا إليهم.... بأجمعنا عن اوجهنا القتاما
وأفطر سيف ثأر بني علي.... ومنهم طالما قد كان صاما
وكلمنا البواتر في طلاهم.... فخرت هامهم فلقاً تراما
وحزنا خيلهم والبيض عنها.... وأوسعنا أسارهم ذماما
رأينا قتلهم إذ ذاك أحرى.... بنا من أن نذل وأن نضاما(2/54)
فصلنا صولة شعواء أضحت.... أنوف الكاشحين لها رغاما
أبي الهادي الذي قسر البرايا.... وذاد عن الهدى قدماً وحاما
وكان له وللدنيا جميعاً.... إذا انتظما لأمته نظاما
وجدي خير من ركب المطايا.... رسول الله واتخذ المقاما
وقومي في الأولى بدعوا العطايا.... وهم يدعوا المنايا والزحاما
بدعنا كل مكرمة ولما.... نزل للمجد مذ كنا سناما
وما إن زال أولنا نبياً.... وما ينفك آخرنا إماما
يدين الناس كلهم جميعاً.... لمرضعنا وما بلغ الفطاما
ملأنا الأرض إسلاماً وعدلاً.... وملكنا الورى يمناً وشاما
هديناهم صراطاً مستقيماً.... وأصبحنا لدينهم قواما
جعلنا من حرامهم حلالاً.... لهم وحلال ما اتبعوا حراما
ولولا نحن ما خروا سجوداً.... ولا مثلوا إلى نفل قياما
ولا حجوا ولا شرعوا جهاداً.... ولا زكوا ولا فرضوا صياما
يصلي كل من صلى علينا.... إذا صلَّى ويتبعنا سلاما
وحسبك مفخراً أنا جعلنا.... لنفلٍ أو لمفترض لما ما
وقوله: ثابت الأقدام في الغدَرِ… وهو بتحريك الغين المعجمة والدال المهملة بفتحتين عبارة عن المواضع الخشنة، كثيرة الحجارة يقال ذلك لثابت القلب والرأي في الشدائد.(2/55)