ما زلت للمذهب الزيدي تظهره.... وقد بغوه بإطفاء وإخمادِ
وزيفوه بأرض الشام واتخذوا.... تلك المقامات عن بغض وأحقادِ
وما على التبر عار حين تطرحه.... في النار آلة أغمارٍ وأوغادِ
والبدر ليس نباح الكلب ينقصه.... ولا خلا سيدُ من كًيِد حسَّادِ
فكل أشياع زيد من ربا يمن.... إلى مساقط جيلان فسندادِ
صنائع لك في أعناقهم مننٌ.... عقدتها عقد تأسيس وإيجادِ
يكفيك في الأرض فخراً أنما رجل.... من شيعة الآل في عصرٍ ولا بادِ
ألا وأنت أساس في انتشارهم.... في الأرض من بعد تشريدٍ واظهادِ
لا سيما في ثوى صعدة وهم.... رق لقبرك عاليهم مع الشادِ
صلىَّ عليك إله العرش خالقنا.... ما دام في مكتب تهجي أبو حادِ
وقدَّس الله روحاً منك طاهرة.... تقديس بادٍ بفعل الخير عوادِ
هذا آخر القصيدة المباركة، مجربة الخير، ميمونة الطير، نفع الله بمن كان السبب في إنشائها وأعاد علينا وعلى آبائنا وأمهاتنا وذريتنا من بركاته، وحشرنا في زمرته. آمين. آمين.(2/26)
[أخبار الإمام الناصر الأطروش -عليه السلام]
وصاحب الجيل من لله محتسباً.... شدَّ الإزار وباع النوم بالسهرِ
الناصر الطاهر الميمون طائره.... مطهر الجيل من شرك ومن قذرِ
دعا عقيب ابن زيد دعوة صدعت.... أنوارها فسناها غير مستترِ
وكان إسلام جستان على يده.... في ألف ألف من العباد للشجرِ
صالت ضفادع أمواه بدعوته.... على الأفاعي فذادتها عن النهرِ
هو: أبو محمد الحسن بن علي [بن الحسن بن علي ] بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أحساب وافرة، ووجوه ناظرة، وآباء أخيار، أفاضل أبرار:
قوم بهم وبجدهم.... نرجو النجاح مع الصلاح
وصلوا السيوف بخطوهم.... فإذا الممنع كالمباح
جبريل خادم جدهم.... أولاد حي على الفلاح
وأمه أم ولد، مجلوبة من خراسان، وولد بالمدينة على ساكنها أفضل -الصلاة والسلام، وكان -عليه السلام- طويل القامة، يضرب إلى الأدمة، [به] طرش من ضربة أصابت أذنه لحادثة اتفقت عليه بنيسابور، وقيل: بناحية جرجان، والقصة مشهورة، وفيه ورد الأثر عن النبي ً لما سأله أنس، عن علامات الساعة قال: ((من علاماتها خروج الشيخ الأصم من ولد أخي، مع قوم شعورهم كشعور النساء بأيدهم المزاريق))، وهذه كانت صفته وصفة أصحابه.(2/27)
وورد فيه عن علي -عليه السلام- في خطبته، أنه قال: يخرج من نحو الديلم من جبال طبرستان فتى صبيح الوجه، يسمى باسم فرخ النبي الأكبر -يعني الحسن بن علي-. وكان -عليه السلام- قد نشأ على طريقة آبائه الأكرمين، وبرز في فنون العلم حتى كان في كل فن منها سابقاً لا يجارى،وفاضلاً لا يبارى، وله تصانيف كثيرة، عدتها أربع عشرة كتاباً، وكان قد قرأ من كتب الله [سبحانه] ستة عشر كتاباً منها: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، وباقيها من الصحف.
وكان يقول: حفظت من كتب الله ثلاثة عشر كتاباً، فما انتفعت منها كانتفاعي بكتابين، أحدهما: الفرقان؛ لما فيه من التسلية لأبينا محمد ً بما كابده السلف الصالحون من الأنبياء المتقدمين.
والثاني: كتاب دانيال، لما فيه: أن الشيخ الأصم يخرج في بلد يقال لها ديلمان، ويكايد من أصحابه، وأعدائه ما لا يقادر قدره، ولكن عاقبته محمودة.
قال الفقيه حميد في (الحدائق): وهذا يشهد بشرفه حيث ذكر الله في كتاب دانيال قال: ويحق له ذلك فإنه انتشر على يديه من الإسلام في تلك الجهات ما شهرته تغني عن ذكره، وقد يقال : إن الذي أسلم على يديه مائتا ألف، وقيل: ألف ألف نسمة.
وروي أنه أسلم على يديه في يوم واحد أربعة عشر ألف نسمة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من أسلم على يديه رجل وجبت له الجنة )).(2/28)
واستقر الإسلام ببركته في تلك النواحي، وكان أكثرها لا يعرف فيها اسم الله، بل هي باقية على الجاهلية، والمجوسية، كان ملكها جستان متزوجاً بجدته فأسلموا، وذلك بحميد سعيه، وحسن دعائه -عليه السلام-، لأنه كان في نهاية الرفق واللين حتى عظم تأثيره في الدعاء إلى الله وقد شهد لذلك ما روي عنه، فإنه قال في بعض مقاماته، وقد دخل آمل وازدحم الناس عليه في مجلسه، فقال: أيها الناس، إني دخلت بلاد الديلم وهم يعبدون الشجر والحجر، ولا يعرفون خالقاً فلم أزل أدعوهم إلى الإسلام، وأتلطف بالعطف بهم حتى دخلوا فيه أرسالاً، وأقبلوا إليه إقبالاً، وظهر لهم الحق، وعرفوا التوحيد والعدل، فهدى الله بي منهم زهاء مائتي ألف رجل وامرأة، فهم الآن يتكلمون في العدل والتوحيد، ويناظرون عليهما، ويقيمون حدود الصلاة المكتوبة، والفرائض المفروضة، وفيهم من لو وجد ألف دينار ملقاة في الطريق لم يأخذ [ذلك] لنفسه، وينصبه على رأس مزراقة ينشده ويعرفه، ثم قاموا بنصرتي، وناصبوا آبائهم وأبنائهم وأكابرهم للحرب في هواي، لا يولي أحد منهم عن عدوه، ولا يعرفون غير الإقدام، فلو لقيت منهم ألف جريح لم تر مجروحاً في قفاه [وظهره] وإنما جراحاتهم في وجوههم [وأقدامهم]، يرون الفرار من الزحف إذا كانوا معي كفراً، والقتل شهادة وغنماً، إلى آخر ما ذكره -عليه السلام-.
وروي عنه -عليه السلام- أنه قال: ليس لي شبر أرض ولا يكون إن شاء الله تعالى، ومهما رأيتموني أقتني ذلك، فاعلموا أني قد خنتكم فيما دعوتكم إليه.(2/29)
وروي أن بعض عماله ممن رضيه من عمال آل طاهر: ذكر أقاليم الأموال المستخرجة من كل واد، فامتنع الناصر من أخذها، فقال الرافع: كان آل طاهر عدولاً، والناس بذلك راضون.
قالوا: وكان مبلغها ستمائة ألف درهم، فقال: أنا ابن رسول الله لا ابن طاهر، ومن شعره -عليه السلام- قوله:
واهاً لنفسي من حياتي واها.... كلفتها الصبر على بلواها
وسوغ مر الحق مذ صباها.... ولا أرى إعطائها هواها
أريد تبليغاً بها علياها.... في هذه الدنيا وفي أخراها
بكل ما أعلم يرضي اللهَ
وكان في الشجاعة وثبات القلب بحيث لا تهوله الجنود، ولا يروعه العسكر المحشود، وكان يبرز بين الصفين متقلداً مصحفه وسيفه، ويقول: قال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) ثم يقول: فهذا كتاب الله، وأنا عترة رسول الله، لمن أجاب هذا وإلا فهذا، ويقول:
شيخ شرى مهجته بالجنة.... واستن ما كان أبوه سنه
ولم يزل علم الكتاب فنه.... يجاهد الكفار والأظنه
بالمشرفيات وبالأسنة
وله -عليه السلام-:
خشيت أن ألقى الإله وما.... أبليت في أعدائه عذري
أو أن أموت على الفراش ضناً.... موت النساء أجر في قبري
وعلمت أني لا أزاد بما.... آتي وينقص من مدى عمري
فشريت للرحمن محتسباً.... نفساً عليَّ عظيمة القدرِ
أجري إلى غايات كل علا.... مثلي إلى أمثالها يجري
لأنال رضوان الإله وما.... فيه الشفاء لغلة الصدرِ
في فتية باعوا نفوسهم.... لله بالباقي من الأجرِ
صبروا على عفر الخدود وما.... لاقوا من البأسآ والضرِ
يا رب فاحشر أعظمي كرماً.... من بطن أم فراغل غبرِ
أوثعلب أو جوف ثعلبة.... أو قضب ذيب أو مِعَا نسر(2/30)