[ومنها] :
وإني لأحمي أن أبيت بغبطة.... بطيناً وجاري مقتر وهو جائع
فلا تسرعوا بالظن فيَّ بأنني.... ذخرت كنوزاً والظنون تسارع
فلست إذا أعطيت أبقي بقية.... ولست إلى ما لا يحل أطالع
تظنون أن المال عندي مراكم.... وأني به عنكم ضنيناً ممانع
فلست بني عمي أخا تلك فاعلموا.... وليس عن الأموال مثلي يدافع
لقد عشت فيكم أعصراً بعد أعصر.... بذولاً لمالي إن حوى المال جامع
فلو أن أرض الله طراً بأسرها.... وأمثالها أضحت حوتها الأشاجع
لجدت بها والله حلفة صادق.... لبعضكم صدري لذلك واسع
بني العم إني في بلاد ضريرة.... قليل وداها شرها متتابع
وليس بها مال يقوم ببعضها.... وساكنها عريان غرثان جائع
سلوا الناس عنها تعلموا ما جهلتم.... بأخبارها خير الرجال المطالع
نسيتم محاماتي عليكم ودونكم.... وذلك معلوم لدى الخلق شائع
فإن لم تكافوني بفعلي فتحسنوا.... فلا يأتني منكم هديتم قطائع
ولا تيأسوا منَّا فعلَّ أمورنا.... سيسعفها دهر موات متابع
وله -عليه السلام-:
مل أيها السفر نطوي الأرض منشمراً.... نحو الحجاز على المهرية النجب
أبلغ بني حسن المختار مالكه.... عن ناصح لهم ذي منطق ذرب
عن الخليل الذي لم تخش نوبته.... يوماً ولم يرم بالتقصير في العرب
أهل النبوة ما بالي وبالكم.... وكيف حفتم على مثلي بلا سبب(2/11)


حتى إذا قمت أدعو بالكتاب على.... حذو النبي وقد أمعنت بالطلب
حالفتم الخفض واللذات وانغمدت.... عني سيوفكم في ساعة التعب
ثم أدعيتم أموراً غير واضحة.... قبل البراهين هذا أعجب العجب
قبلتم قول ملعون أخي دنس.... إلف الخمور إلى الطنبور والطرب
سبَّاع لا سلم الرحمن مهجته.... فلم يكن صادقاً في سالف الحقب
بل لو رأيت لكم عوراء واضحة.... سترتها بوقار غير مجتلب
تحنناً وحفاظاً ثابتاً أبداً.... إذ أنتم عندنا في موضع القطب
[من الرجا وحقوقاً حق واجبة.... وما لكم من قرابات ومن نسب]
الستر شيمتنا إذا زلة ظهرت.... من الصديق فعال السادة النجب
وإن تعتَّب يوماً كنت معتبة.... والفضل فعل ذوي الأخطاروالحسب
إن نلت خيراً فذاك الخير يبلغكم.... أو كان شراً فأنتم عنه بالجنب
أقيكم كل مكروه ونازلة.... وأبذل النفس للهندية القضب
من دونكم أن تصابوا يا بني حسن.... أهل الديانة والإفضال والأدب
فكيف ترضون أن تضحى ولايتكم.... تُركاً ويدعى لهم بالرشد في الخطب
فأجمعوا فلكم عز ومكرمة.... وأنتم الأسد يوم الروع والسغب
فقد سمعتم حبيباً في مقالته.... (السيف أصدق أنباء من الكتب)
هذا أحق من التعنيف لي عبثاً.... ومن مقال لذي الأموال والطنب
القصيدة بطولها.(2/12)


وله -عليه السلام-:
ألا لله عبنا من رآنا.... وأشباه الكلاب لدى النزال
وقد سرنا إليهم في جيوش.... مظفرة تدف إلى القتال
بأيديهم بواتر قاطعات.... يزاح بهن أقحاف القلال
إذا ما حكمت في القوم يوماً.... أطاع لحكمها غلب الرجال
وسمر ركبت فيها المنايا.... فحل الموت في روس العوالي
وزرق عكفت للحرب صقر.... على أكبادها زرق النصال
إذا ما قابلت جيشاً أحلت.... بهم من وقعها أنكى النكال
ترنم في الصفوف إذا تدانت.... ويذهب وقعها كذب المقال
[إلى قوله -عليه السلام-]
أنا الموت الذي لا بد منه.... على من رام خدعي واغتيالي
وغيث للولي إذا أتاني.... ومنتجع لمن يبغي نوالي
وله -عليه السلام-:
ولست بقائل ما دمت حياً.... كما قد قال في الحرب الوقودُ
أخو الفسق الدوانيقي لما.... تداخل قلبه الرعب الشديدُ
تفرقت الضباء على خداش.... فلا تدري خداش ما تصيدُ
وشعره -عليه السلام- كثير مذكور في سيرته وغيرها.(2/13)


فصل: نذكر فيه علي بن الفضل القِرْمِطِي
فإنه ظهر في اليمن في سنة ثلاث وستين ومائتين وتقَّوت شوكته، وأعلن بالكفر، حتى روي أنه كان في عنوان كتبه إلى أسعد بن يعفر : من باسط الأرض وداحيها، ومزلزل الجبال ومرسيها علي بن الفضل إلى عبده أسعد بن أبي يعفر، وتظهر بمذهب المجوس، وأمرهم بنكاح الأمهات والأخوات، وشرب الخمر وأمر من كان معه أن يسلموا إليه الأموال والحرم، فيخرجوا إليه من جميع ما في أيديهم فهرب منه جماعة، ولحقوا ببلدانهم، وثبت هو ومن أقام معه على الكفر.
وكان يجمع بين عدة من النساء في دار، فإذا كانت ليلة الجمعة جمع الرجال فأرسلهم على النساء، وقد تقع الأم للابن والأخت للأخ فيفجرون بهنَّ ليلتهم فمن امتنع من ذلك قتله وأباح دمه، وروي أنه تسمى برب العالمين.
وروي أنه كان يؤذن المؤذن في عسكره أشهد أن علي بن الفضل رسول الله، وكان ذلك في المذيخرة مدينة لهم باليمن، وتقوت أمورهم، واستحكمت في كثير من نواحي اليمن، وغلبوا على صنعاء، وجرى للهادي - عليه السلام وأولاده -عليهم السلام- في حربهم وقعات كثيرة قتل فيها من قواد القرامطة خلق كثير.
تنبيه: وإذا قد عنَّ ذكر القرامطة هنا، فلنذكر ما حكي في ابتداء ظهورهم، فإن عزالدين بن الأثير ذكر في تأريخه المسمى (بالكامل): أن أول أمرهم كان في سنة ثمان وستين ومائتين.
قال: وفي هذه السنة خرج قوم من سواد الكوفة يعرفون بالقرامطة، جمع قِرْمِطي بكسر القاف وسكون الراء وكسر الميم وبعدها طاء مهملة.(2/14)


والْقَرْمَطَة في اللغة: تقارب الشيء بعضه من بعض، يقال: خط مقرمط إذا كان كذلك، و[كان] أولهم أبو سعيد الآتي ذكره، مجتمع الخلق أسمر، كريه المنظر، فلذلك قيل له: القرمطي ونسب أتباعه إليه.
وذلك أن رجلاً أظهر العبادة، والزهد والتقشف، وكان يصنع الخوص ويأكل من كسبه، وكان يدعو إلى إمام من أهل البيت -عليهم السلام-.
وأقام على ذلك مدة، فاستجاب له خلق كثير، وحدث له أحوال أوجب له حسن الاعتقاد فيه، وانتشر ذكرهم بسواد الكوفة.
ثم قال ابن الأثير: وبعد هذا في سنة ست وثمانين ومائتين ظهر رجل منهم يعرف بأبي سعيد الجنابي بالبحرين، واجتمع إليه جماعة من الأعراب والقرامطة، وقوي أمره فقتل من حوله من أهل تلك القرى، وقد كان أولاً يبيع للناس الطعام، ويحسب لهم بيعهم، ثم عظم أمره، وقربوا من نواحي البصرة؛ فجهز إليهم المعتضد جيشاً، يقدمهم العباس بن عمر الغنوي فأتقعوا وقعة شديدة أنهزم فيها أصحاب العباس وأسر العباس، وقتل أبو سعيد الأسرى، وأحرقهم، وأطلق العباس، فحضر إلى بين يدي المعتضد فخلع عليه، ثم دخل القرامطة بلاد الشام في سنة تسع وثمانين ومأتين، فجرت بين الطائفتين وقعات يطول شرحها.
ثم قتل أبو سعيد في سنة[إحدى وتسعين ومائتين] في الحمام قتله خادمه، وقام مقامه [ولده] أبو طاهر سليمان فقصد البصرة، فملكها بغير قتال بل صعدوا إليها ليلاً على سلاليم الشعر، فقتلوا والي البلد ووضعوا السيف في الناس.
وأقام أبو طاهر سبعة عشر يوماً يحمل منها الأموال، ثم عاد إلى بلده وقد كان ملك أبوه هجر والقطيف والطائف وسائر بلاد البحرين.(2/15)

83 / 205
ع
En
A+
A-