قال المنصور بالله في (الشافي): ومحمد هذا كان يضرب به المثل في عدله، فيقال: عدل الداعي وهو الذي أجرى في خراسان رسوم العدل، ونفى رسوم الجور، وأظهر معالم الدين، وعزت الزيدية في أيامه وأيام أخيه الحسن، وانتصف من الأعداء، وقام سوق العدل والتوحيد، وانتفى الجبر والتشبيه، والمذاهب الرديئة من القدر والإرجاء، وكان يحارب جيوش خراسان ويهزمهم، ويقتلهم في أكثر تلك الوقائع، وكان يَهمُّ بسرير الملك في بغداد، فقصدوه بكل جهدهم، وقضهم وقضيضهم فكان في بعض تلك الوقعات وقد انكسرت جنود خراسان، تفرق جند الداعي وانتشروا للغنائم، فلما رأى زعيمهم انتشار الناس؛ نصب رايته على رأسه فثابت إليه المنهزمة، وعطف على الناس في جيشه، فالتقاه محمد بن زيد في عدة يسيرة، وثبت وقاتل حتى أصيب بجراحات كثيرة مثخنة، ولم يعرف، وقد أمر ابنه زيد بن محمد فسئل عن أبيه؟ فقال: عهدته يقاتل، فمر به رجل من الجند وتحته فرس أبيه، فقال: هذه فرس أبي، فسأل الجندي؟ فقال: وجدت عليه شيخاً، جريحاً لاحراك به، فرميت به عنه، وأخذت الفرس، فجاءوا إلى موضعه فوجدوه وبه رمق، فمات،وهو (بجرجان) ومشهده بها مشهور مزور.
قال في (البصائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي، ما لفظه: قال الكني في قتل محمد بن زيد وآله:
آل زيد رماكم الد.... هر فاجتث أصلكم
بدد القتل بالصو.... ارم والسمرشملكم
لا أرى الذنب للذي.... أحدث الآن قتلكم
بل أراه لمعشر.... أسسوا ذاك قبلكم
وذكر المنصور بالله -عليه السلام- في (الشافي) فيه، وفي أخيه مراثي كثيرة للناصر، وغيره.(1/376)


[الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - عليه السلام -]. …
وفي إمام الهدى الهادي المتوج بالعلـ.... ـلياء أكرم داعٍ من بني مضرِ
من خص بالجفر من أبناء فاطمة.... وذي الفقار ومن أروى ظما الفقرِ
وصاحب المذهب المذكورفي اليمن المشـ.... ـهور من غير لا إفك ولا نكرِ
سارت بمذهبه الركبان واستلمت.... بقبره الناس مثل الحجر والحجرِ
وفي ابن فضل ومن لبىَّ لدعوته.... وفي مسودَّة تدعو إلى سقرِ
فضيت بتسع مع تسعين معركة.... غر كبدر وأوطاس وكالنهرِ
قضى بها نحبه صيد غطارفة.... مضوا وأشياع صدق من بني الطبري
سائل شباما وصنعاء وصعدة مع.... نجران عنه وسفح القاع من عصرِ
وسل بني يعفر عنه وكندتهم.... وغلب همدان والأخلاف من مضرِ
تخبرك عن ضربات منه قاطعة.... قدت دروعاً وأردت كل ذي صعرِ
اعلم أن الكلام في ذكر الهادي -عليه السلام- يقع في فصول:(1/377)


الأول منها في ذكر نسبه
فهو: أبو الحسن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن رسول الله ً، نسب تتضاءل عنه النجوم الدراري، ويقصر عن إدراك مداه كل مجاري، وما ظنك بنسب يتردد بين النبي والوصي، محمد وعلي، وهما خيرتا الملك العلي، وهذا النسب القصير الممدوح عند فصحاء العرب وعلماء الأدب.
قال المعري أبو العلاء يرثي الشريف أبا أحمد الموسوي وهو والد المرتضى والرضي:
أنتم ذوو النسب القصير فطولكم.... باد على الكبراء والأشرافِ
والراح إن قيل ابنة العنب اكتفت.... بأب عن الأسماء والأوصافِ
قالوا: أراد بهذا ما حكاه الفرزدق قال: خرجت من البصرة أريد العمرة فرأيت عسكراً في البرية، فقيل لي: هذا عسكر الحسين بن علي -عليهما السلام-.
قال فقلت: لأقضينَّ حق رسول الله ً فيه، فأتيته فسلمت عليه، فقال لي: من الرجل؟ فقلت: الفرزدق بن غالب. فقال: هذا نسب قصير. فقلت: أنت أقصر مني نسباً، أنت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتهى.
وأم الهادي -عليه السلام- أم الحسن، وقيل: فاطمة بنت الحسن بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن -عليهم السلام-، ولد بالمدينة سنة خمس وأربعين ومائتين، وحمل حين ولد إلى جده القاسم -عليه السلام-، فوضعه في حجره المبارك، وعوَّذه ودعا له، ثم قال لابنه: ما سميته؟ قال: يحيى. وقد كان للحسين أخ لأبيه وأمه يسمى يحيى توفي قبل ذلك، فبكى القاسم -عليه السلام- حين ذكره، فقال: والله هو يحيى صاحب اليمن.(1/378)


فصل: فيما ورد فيه من الآثار
قالوا: وإنما قال القاسم ذلك لأخبار رويت بذكره وظهوره باليمن، وكان بين ولادة الهادي وموت جدهالقاسم سنة واحدة، فالهادي هو الذي فقأ عين الضلال وأجرى معين العلم السلسال، وهو المبشر به قبل وجوده فيما رواه آباؤه عن جدوده، أن النبي ً قال:((يخرج في هذا النهج -وأشار بيده إلى اليمن- رجل من ولدي اسمه يحيى الهادي، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يحي به الله الحق ويميت به الباطل)).
وعن علي -عليه السلام- أنه قال: (يا أيها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، أيها الناس أنا أحلم الناس صغاراً، وأعلمهم كباراً، أيها الناس، إن الله تعالى بنا فتح، وبنا ختم. أيها الناس، ما تمر فتنة إلا وأنا أعرف سائقها وناعقها، ثم ذكر فتنة بين الثمانين ومائتين، قال: فيخرج رجل من عترتي اسمه اسم نبي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يميز بين الحق والباطل، ويؤلف الله بين قلوب المؤمنين على يديه كما تتألف قزع الخريف، انتظروه في الأربع والثمانين ومائتين في أول سنة واردة وأخرى صادرة).
قال علماؤنا : ومن نظر في الأمور علم أنه -عليه السلام- المراد بالخبر؛ لأن مصنِّف سيرته حكى أن وصوله إلى صعدة كان في المرة الأخيرة التي استقر فيها في الجهات لستة أيام ماضية من شهر صفر سنة أربع وثمانين وهذه الإشارة من قول علي -عليه السلام- مما يروى أنه مذكور في كتاب (الجفر) وهوكتاب مشهور في ألسنة آل الرسول، لا يكاد يظفر به منهم إلا أهل الوصول.(1/379)


فصل: في ذكر الجفر وذي الفقار
مما وجد بخط الفقيه الأفضل محمد بن ناجي الحملاني -رحمه الله تعالى- ما لفظه في وصية علي -عليه السلام- أن سيفه يدفع إلى قائم حق، وربما أنه تنقل حتى وقع في يد المطهر بن يحيى قال: وقيل: إن ذا الفقار وختمه بخط علي عليه السلام صار إلى بعض آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مطهر بن محمد بن المطهر بن يحيى انتهى.
ويقال: إن الهادي -عليه السلام- خرج إلى اليمن بثلاثة أشياء: كتاب الجفر، وذي الفقار، والهيكل، وهذه الثلاثة لم تجتمع لغيره من الأئمة.
قلت: وقد ذكر ابن خلكِّان، أن محمد بن تومرت الهرغي -بفتح الهاء وسكون الراء وبعدها غين معجمة- نسبة إلى هرغة قبيلة في أقصى الغرب تنسب إلى الحسين بن علي -عليه السلام- يقال: إنها نزلت بذلك المكان عندما فتح المسلمون البلاد على يد موسى بن نصير.(1/380)

76 / 205
ع
En
A+
A-