له حق وليس عليه حق.... ومهما قال فالحسن الجميل
وقد كان الرسول يرى حقوقاً.... عليه لغيره وهو الرسول
فطلبه فهرب منه، ثم لم يشعر به يوماً إلا وهو بين يديه يقول:
سيأتي عذري الحسن بن زيد.... وتشهد لي بصفين القبور
قبور لو بأحمد أوعلي.... يكون مجيرها حفظ المجير
هما أبواك من يضعا تضعه.... فأنت برفع من رفعا جدير
فاستحف الحسن كرمه إليه فقام وبسط رداءه وأجلسه عليه وأمنَّه.(1/371)


[ذكر دعوة الإمام محمد بن زيد]
ثم دعا بعده أخوه محمد بن زيد وكانت لهما وقعات مع جنود خراسان كما أشار إليه السيد صارم الدين، وكان الناصر الأطروش قد قدم عليهما فأنصفاه وحضر معهما في كثير من وقعاتهما، وله قصة مع محمد بن زيد ستأتي في ذكر الناصر -عليه السلام-، وكان محمد هذا من أعيان العترة الكرماء، وأهل المعروف العام، والمحافظة على صلة الأرحام، ففي كتاب (الفرج بعد الشدة) للقاضي المحسن بن علي التنوخي ما لفظه: أن محمد بن زيد العلوي الداعي بطبرستان كان إذا افتتح الخراج نظر ما في بيت المال من خراج السنة الماضية؛ فيصرفه في قبائل قريش، وفي الأنصار، وفي الفقراء، وأهل القرآن، وسائر طبقات الناس، حتى يفرغ جميع ما بقي، فجلس في سنة من السنين وفرق المال كما كان يفعل، فلما بدأ ببني عبد مناف؛ قام إليه رجل فقال له: من أي بني عبد مناف أنت؟
قال: من بني أمية. قال: من أيهم؟ فسكت، فقال: لعلك من ولد معاوية، فقال: نعم.
قال: من أي ولده؟ فأمسك، فقال: لعلك من ولد يزيد؟(1/372)


قال: نعم. قال: بئس الاختيار اخترت لنفسك من قصدك بلداً ولايتها لآل أبي طالب، وعندك ثأرهم في سيدهم، وقد كانت لك مندوحة بالشام والعراق إلى من يتولى جدك، ويحب برك، فإن كنت جئت بجهل منك فما يكون بعد جهلك شيء، وإن كنت جئت مستخفاً بهم، فقد خاطرت بنفسك، قال: فنظر إليه العلويون نظراً شديداً، فصاح بهم محمد: كفوا كأنكم تظنون أن في قتل هذا دركاً وثأراً بالحسين بن علي -عليهما السلام-، أي جرم لهذا!، إن الله قد حرم أن تطلب نفس بغير ما اكتسبت، واسمعوا حديثاً أخبركم به يكون قدوة لكم فيما تستأنفون.
حدثني أبي، عن أبيه، قال: عرض على المنصور سنة حج جوهر كان لهشام بن عبد الملك، وهذا بغيته قد كان بلغه خبره عند محمد ابنه، وما بقي منهم أحد غيره، ثم قال للربيع :إذا كان غداً وصليت بالناس في المسجد الحرام، وقد حصل الناس فيه؛ فأغلق الأبواب كلها، ووكل بها ثقاتك من الشيعة وأقفلها، وافتح للناس باباً واحداً، وقف عليه، ولا يخرج أحد إلا من قد عرفته.
فلما كان من الغد فعل الربيع ما أمره وتبين محمد بن هشام القصة، وعلم أنه هو المطلوب، وأنه مأخوذ فتغير وتحير، وأقبل محمد بن زيد -عليه السلام- ودخل المسجد فرآه متحيراً وهو لا يعرفه، فقال له : يا هذا، أراك متحيراً فمن أنت ولك الأمان، وأنت في ذمتي حتى أخلصك؟ فقال: أنا محمد بن هشام بن عبد الملك، فمن أنت؟(1/373)


فقال: أنا محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي-عليهم السلام- فقال: فعند الله أحتسب نفسي إذاً، فقال: لا بأس عليك -يا ابن عم- فلست قاتل زيد، ولا في قتلك إدراك ثأر، وأنا الآن بخلاصك أولى مني بإسلامك للقتل، ولكن تعذرني في مكروه أتناوله منك، وقبيح أخاطبك به يكون فيه خلاصك، فقال: أنت وذاك، فطرح ردأه على رأسه ووجهه، ولببه به وأقبل يجره فلما وقعت عين الربيع عليه لطمه لطمات، وجاء إلى الربيع، وقال: إن هذا الخبيث جمال من أهل الكوفة أكرى مني جماله ذاهباً وراجعاً، وهرب مني في هذا الوقت، وأكرى بعض القواد الخراسانية، ولي عليه بينَّة، فيضم إلي حرسيين يسيرانه معي إلى القاضي ويمنعان الخراساني من فراره فصير إليه حرسيين، وقال: امضيا معه، فلما بعد عن المسجد قال: يا خبيث، تؤدي إليَّ حقي؟
فقال: نعم، يا ابن رسول الله، فقال للحرسيين: انصرفا؛ فانصرفا وأطلقه، فقبَّل محمد بن هشام رأسه، وقال: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ً {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }[الأنعام:126]، ثم أخرج جوهراً له قيمة، فدفعه إليه، وقال: شرفني بقبوله، فقال: يا ابن عم، إنَّا أهل بيت لا نقبل على المعروف مكافأة، وقد تركت لك أعظم من ذلك تركت لك دم زيد بن علي فانصرف راشداً ووارِ شخصك حتى يخرج هذا الرجل فإنه مجد في طلبك.(1/374)


قال: فانصرف وتوارى، ثم أمر محمد بن زيد للأموي بمثل ما أمربه لسائر بني عبد مناف، وضم إليه جماعة من مواليه، وأمرهم أن يخرجوا إلى الري، ويأتوه بكتابه بسلامته، فقام الأموي فقبَّل رأسه ومضى معه القوم حتى أبلغوه مأمنه فجاءوه بكتابه، ذكر هذه القصة في كتاب (الفرج بعد الشدة) عن أبي الفرج الأصبهاني، عن أبي مسلم بن بحر قال: وكان أبو مسلم وزيراً للداعي محمد بن زيد، قال أبو مسلم: وكنت مشاهداً للخبر، وسمعته من لفظ الداعي. انتهى.(1/375)

75 / 205
ع
En
A+
A-