قال الإمام المنصور بالله في (الشافي): وقد أحسنوا في إسائتهم حيث لم يساعدوا أميرهم في قبر عبد مسلم في مقابر اليهود، لا جرم له إلا نصرة آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرثَّ أحد من أهل البيت -عليهم السلام- قبل يحيى ولا بعده مثل ما رثي به، ورثَّاه أهل الإجادة من الشعراء بمراث كثيرة.
قال الإمام المنصور بالله : لو ذكرتها لخرجنا إلى الإسهاب.
قال: وإنما نذكر قصيدة ابن الرومي ؛ لأنه من الشعراء المجيدين، وممن لا يتهم على بني العباس في الحكاية لأنهم مواليه، والمحسنون إليه، فكان قوله فيهم أولى من قول غيره. قال:
أمامك فانظر أي نهجيك تنهج.... طريقان شتى مستقيم وأعوجُ
ألا أيُّهذا الناس طال ضريركم.... بآل رسول الله فاخشوا أو ارتجوا
أفي كل يوم للنبي محمد.... قتيل زكي بالدماء مضرجُ
تبيعون فيه الدين شر أئمة.... فلله دين الله قد كان يمرجُ
لقد ألحجوكم في حبائل فتنة.... وللملحجوكم في الحبايل ألحجُ
بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم.... لبلواكم عما قليل مفرّجُ
أما فيهم راعٍ لحق نبيه.... ولا خائف من ربه متحرجُ
لقد عمهوا ما أنزل الله فيكم.... كأن كتاب الله فيهم ممجمجُ
لقد خاب من أنساه منكم نصيبه.... متاع من الدنيا قليل وزبرجُ
أبعد المكنى بالحسين شهيدكم.... تضيء مصابيح السماء وتسرجُ
لنا وعلينا لا عليه ولا له.... تسجسج أسراب الدموع وتنشجُ
وكيف يُبَكَّى فائز عند ربه.... له في جنان الخلد عيش مُخرفجُ(1/361)


وإلاَّ يكن حياً لدينا فإنه.... لدى الله حي في الجنان مزوجُ
وقد نال في الدنيا سناء وهيبة.... وقام مقاماً لم يقمه مزلجُ
شوى ما أصابت أسهم الدهر بعده.... هوى ما هوى أومات بالرمل بحرجُ
وكنَّا نرجيه لكشف عظائم.... بأمثاله أمثالها تتبلجُ
فساهمنا ذو العرش في ابن نبيه.... ففاز به والله أعلى وأفلجُ
مضى ومضى الفرَّاط من أهل بيته.... يؤم بهم ورد المنية منهجُ
فأصبحت لاهم أنسئوني بذكره.... كما قال قبلي في البسوء مؤرجُ
ولا هو أنساني أساي عليهم.... بلى هاجه والشجو للشجو أهيجُ
أبيتُ إذا نام الخلي كأنما.... تبطن أجفاني سيال وعوسجُ
أيحيى العلى لهفاً لذكراك لهفة.... يباشر مكواها الفؤاد فينضجُ
أحين تراك العيون جلائها.... وأقذائها ظلت مراثيك تُنْسَجُ
بنفسي وإن فات الفداء بكم الردى.... محاسنك اللاتي تمخ فتبهج
لمن تستجد الأرض بعدك زينة.... فتصبح في أثوابها تتبرجُ
سلام وريحان وروح وروضة.... عليك وممدود من الظل سجسجُ
ولا برح القاع الذي أنت جاره.... يرف عليك الأقحوان المثلجُ
ويا أسفاً ألا ترَّد تحية.... سوى أرج من طي رمس يأرجُ
ألا إنه ناح الحمائم بعدما.... ثويت وكانت قبل ذاك تهزجُ
أذمَّ إليك العين إن دموعها.... تداعى لنار الشوق حين توهجُ
وأحمدها لو كفكفت من غروبها.... عليك وخلت لاعج الشوق يلعجُ(1/362)


وليس البكاء أن تسفح العين إنما.... أحر البكائين البكاء المولجُ
أتمنعني عيني عليك بعبرةٍ.... وأنت لأذيال الروامس مدرجُ
فإني إلى أن يدفن القلب داؤه.... ليقتلني الداء الدفين لأحوجُ
عناء على دار ظعنت لغيرها.... فليس بها للصالحين مُعرَّجُ
ألا أيها المستبشرون بموته.... أطلت عليكم غمة لا تفرَّجُ
أكلكم أمسى اطمأن مهاده.... بابن رسول الله في القبر مزعجُ
فلا تشمتوا وليخسأ المرء منكم.... بوجه كأن اللون منه اليرندجُ
فلو شهد الهيجا بقلب أبيكم.... غداة التقى الجمعان والخيل تمعجُ
لأعطى يد العاني أو أرمدُّ هارباً.... كما أرمدَّ بالقاع الظليم المهيجُ
ولكنه ما زال يغشى بنحره.... شبا الحرب حتى قال ذو الجهل أهوجُ
وحاشا له من تلكم غير أنه.... أبى خطة الخسف التي هي أسمج
وأنى له عن ذاك لا أين إنه.... إليه بعرقيه الزكيين مُحرجُ
كدأب علي في المواطن قبله.... أبي حسن والغصن من حيث يخرجُ
كأني به كالليث يحمي عرينه.... وأشباله لا يزدريه المهجهجُ
كأني أراه و الرماح تنوشه.... شوارع كالأشطان تُدْلَى وتخلجُ
كأني أراه إذ هوى عن جواده.... وعَفرِّ بالترب الجبين المشججُ
فحبَّ به جسماً إلى الأرض إذ هوى.... وحبَّ بها روحاً إلى الله تعرجُ
أأرديتم يحيى ولم يطو أيطلاً.... طراداً ولم يدبر من الخيل مسحجُ(1/363)


تأتت لكم فيه مُنَى السوء هنية.... وذاك لكم بالغي أغرى وألهجُ
تمدون في طغيانكم وضلالكم.... ويُستدرج المغرور منكم فيَدْرُجُ
أجنوا بني اللخناء من شنآنكم.... وشدوا على ما في العياب وأسرجوا
وخلو ولاة السوء عنكم وعنهم.... وأحرى بهم أن يغرقوا حيث لججَّوا
نذار لكم أن يرجع الحق راجع.... إلى أهله يوماً فتشجوا كما شجوا
على حين لا عذر لمعتذرلكم.... ولا لكم من حجة الله مخرجُ
فلا تلقحوا الآن الضغائن بينكم.... وبينهم إن اللواقح تُنَتجُ
غررتم لأن صدقتم أن حالة.... تدوم لكم والدهر لونان أخرجُ
لعل لهم في منطوى الغيب ثائراً.... سيسمو لكم والصبح في الليل مولجُ
بمجر تضيق الأرض عن زفراته.... له زجل ينفي الوحوش وهزمجُ
إذا قيس بالأبصار أبرق بيضه.... بوارق لا يسطيعها المتمجمجُ
توامضه شمس الضحى فكأنما.... ترى البحر في أمواجه يتموجُ
له وقدة بين السماء وبينه.... تلم بها الطير العوالي فتهزجُ
يؤيده ركنان ثبتان رجله.... وخيل كأرسال الخراج وأرهجُ
إذا كرَّ في أعراضه الطرف أعرضت.... حراج تحار العين فيها فتحرجُ
عليها رجال كالليوث بسالة.... بأمثالهم يُثْنَى الأبي فيغنجُ
تدانوا فما للنقع فيهم خصاصة.... تنفسه عن خيلهم حين ترهجُ
فلو حصبتهم بالفضاء سحابة.... لظلت على هاماتهم تتدحرجُ
كأن الرماح اللهذميات فيهم.... قتيل بأطراف الرديني تسرجُ(1/364)


يود الذي لا قوه أن سلاحه.... هنالك خلخال عليه ودمُلجُ
ويظعن خوف الشيء بعد إقامة.... ظعائن لم يضرب عليهنَّ هودجُ
فيدرك ثأر الله أنصار دينه.... ولله أوس آخرون وخزرجُ
ويقضي إمام الحق فيهم قضاؤه.... تماماً وما كل الحوامل تخدجُ
وقد كان في يحيى مذ مَّر خطة.... وناتجها لو كان في الأمر منتج
هنالكم يشقى البغي بسعيه.... إذا ظلت الأوداج بالسيف تودجُ
محضتكم نصحي وإنى بغيرها.... لأعنق فيما ساءكم وأهملجُ
مه!! لا تهادوا غرة البغي بينكم.... كما يتهادى شعلة النار عرفجُ
أفي الحق أن يمسوا خماصاً وأنتم.... يكاد أخوكم بطنةً يتبعجُ
تمشون مختالين في حجراتكم.... ثقال الخطا أكفالكم تترجرج
وليدهم بادي الطوى ووليدكم.... من الريف ريَّانُ الطعام خدلجُ
تذودونهم عن حوضهم بسلاحهم.... ويرتع فيه أرتبيل وأبلجُ
فقد ألجمتهم خيفة القتل منكم.... وبالقوم حاج في الحيازيم أحوجُ
بنفسي الأولى كظتهم حسراتكم.... فقد علزوا قبل الممات وحشرجوا
ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهم.... كلابكم منها بهيم وديزجُ
وعيرتموهم بالسواد ولم يزل.... من العرب الأمحاض أخضر أدعجُ
ولكنكم زرق يزين وجوهكم.... بني الروم ألوان من الروم نعجُ
لأن لم يكن للهاشميين عاهةُ.... لما شكلكم تالله إلا المعلهجُ
بآية ألا يبرح المرء منكم.... يتل على حر الجبين فيعفجُ(1/365)

73 / 205
ع
En
A+
A-