[الإمام محمد بن القاسم بن علي بن عمر الأشرف(ع)].
والطالقاني ويحيىوابن يوسف والـ.... ـزيدي جارت عليهم ليت لم تجرِ
الطالقاني هذا: محمد بن القاسم بن علي بن عمر[الأشرف] بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب[عليهم السلام].
قال ابن أبي الحديد: [و] كان يلقب بالصوفي ؛ لأنه ما كان يلبس إلا الصوف الأبيض، وكان عالماً، فقيهاً، أديباً زاهداً، حسن المذهب، يقول بالعدل والتوحيد.
قال المنصور في (الشافي): إنه دعا بخراسان فانطوى ديوانه على أربعين ألف مقاتل من خلصان أهل الأديان، وله وقعات كثيرة مع عبدالله بن طاهر الطاهر [و] كانت له اليد عليهم فيها، وكان يكره سفك الدماء، وكان ظنه بالناس حسناً، فقال : كنت أظن [أني] متى دعوت لم يختلف عليَّ اثنان.
ولما رأى كثرة القتلى من أعدائه، قال لأصحابه: لقد هممت بالتخلي، فقالوا: إن فعلت وقع [من] الفساد في الدين أكثر مما خفت، وتتبعوا أولادكم -معشر أهل البيت- فقتلوهم في كل ناحية على التهمة فلا تفعل، ثم خرج من مرو إلى الطالقان وبينهما أربعون فرسخاً، فنزل بها وفرَّق أصحابه في البلاد لدعوة الناس، وهو يريد أن يخلص جنده صالحين كلهم، فاجتمع له عالم كثير من الناس.
قال الراوي: فقلنا له: إن عزمت على فعلك، وخرجت، ونابذت القوم رجونا أن ينصرك الله عليهم، فإذا ظفرت اخترت حينئذٍ من ترتضيه، وإن فعلت كما أردت أن تفعل بمرو أخذ عبد الله بن طاهر بعنقك، فأتمَّ عزمه، وخرج فوجَّه إليه عبد الله بن طاهر قائداً، يقال له: الحسن بن نوح في جند كثيف.(1/346)


قال الراوي: فالتقيناهم فقاتلونا قتالاً شديداً، فهزمناهم هزيمة قبيحة، فلما اتصل علمه بعبد الله بن طاهر قامت قيامته، فأنفذ قائد آخر، يقال له: نوح بن حيان في جند كالبحر، فلقيناهم فهزمناهم أقبح من الأولى، فانحاز إلى بعض النواحي، ولم يرجع إلى عبد الله بن طاهر، وكتب إليه يعتذر، وأقسم أنه لا يرجع إليه إلا أن يظفر أو يقتل، فأمر له عبد الله بجيش آخر ضخم، فسار إلينا فلقيناه وقاتلناه، وقد كمَّن كميناً فقاتلناه [ساعة].
ثم انهزم متطارداً واتبعتهم جنودنا، فلما تفرقنا في طلبه خرج الكمناء على أصحابنا من كل وجه، فانهزمنا، وأفلت محمد بن القاسم، وصار إلى نسا مستتراً.
وحكى أبو الفرج في كتابه، رفعه إلى ابن الأزهر أن إبراهيم بن غسان الصوري، صاحب عبد الله بن طاهر قال: دعاني عبد الله بن طاهر يوماً، فدخلت فوجدته قاعداً، وإلى جنبه كرسي عليه كتاب مختوم غير معنون، ويده في لحيته يخللها، وكان ذلك من فعله دليلاً على غضبه، فتعوذت بالله من شره.
ودنوت منه فقال لي: يا إبراهيم، احذر أن تخالف أمري، فتسلطني على نفسك، فلا أبقي لك باقية، فقلت : أعوذ بالله أن أحتاج في طاعتك إلى هذا الوعيد، وأن أتعرض لشيء من سخطك.(1/347)


فقال : قد جردت لك ألف فارس من نخبة عسكري، وأمرت أن يجعل معك مائة ألف درهم، تصرفها إلى من يحتاج إلى صرفها فيه من أمورك، فاضرب الساعة الطبل والبوق، فإنهم يتبعونك فاخرج واركض وخذ من خاصة خيلي ثلاثة أفراس نُجب معك تنتقل عليها، وخذ بين يديك دليلاً قد رسمته لصحبتك، فادفع إليه من المال ألف درهم، واحمله على فرس من الثلاث وأنزلهنَّ بين يديك فإذا صرت على فرسخ واحد من نسا فافضض [هذا] الكتاب، واقرأه، واعمل[بما] فيه، ولا تغادر منه حرفاً، ولا تخالف فيما رمته شيئاً.
واعلم أن لي عيناً ممن صحبك يخبرني بأنفاسك، فاحذرني، ثم احذر، وأنت أعرف.(1/348)


قال إبراهيم بن غسان: فخرجت وضربت الطبل ووافى الألف الفارس إلى موضع قرب قصور عبد الله بن طاهر، فأشرف علينا من مستشرف له فعبيت أصحابي، وركضت فرسي، فتبعوني حتى إذا صرنا في اليوم الثالث إلى نسا على فرسخ منها، فضضت الكتاب، فإذا فيه: سر على بركة الله وعونه، فإذا كنت على فرسخ [من نسا] فعبِّ أصحابك تعبية الحرب، وادخل نسا وأنفذ قائداً من قوادك في ثلاثمائة [حتى] يأخذ على صاحب البريد داره، فيحدق بها هو وأصحابه، وأنفذ إلى باب عاملها خمسمائة تحذراً من وقوع حيلة ببيعة في أعناقهم لمحمد بن القاسم، وسر في أصحابك إلى محلة كذا وكذا دار فلان بن فلان، فادخل الدار الأولى، ثم انفذ منها إلى دار ثانية، [فإذا دخلتها، فانفذ] منها إلى دار ثالثة، فإذا دخلتها فاَرْقَ على درجة منها على يمينك، فإنك تصير إلى غرفة فيها محمد بن القاسم العلوي الصوفي، ومعه [91] رجل من أصحابه، يقال له: أبو تراب، فاستوثق منهما بالحديد استيثاقاً شديداً، وأنفذ إليَّ بخاتمك مع خاتم محمد بن القاسم لأعلم ظفرك به قبل كتابك، وأنفذ الخاتمين مع الرسول، ومره فليركض بهما ركضاً حتى يصير إليَّ في اليوم الثالث إن شاء الله [تعالى] ثم اكتب إليَّ بعد ذلك بشرح خبرك، وكن على غاية التحرز والتحفظ والتيقُّظ حتى تصير به، وبصاحبه إلى حضرتي.(1/349)


قال إبراهيم: فما رأيت خبراً كأنه وحي مثله، فصرت إلى الموضع واستنبئت أمره، فوجدت محمداً على رأس الدرجة متلثماً بعمامة، وقد شد له [محمل] على بغل بسفل الدرجة، وهو يريد الرحيل إلى خوارزم، فقبضت عليه وقلت : هات خاتمك، فأعطاني خاتمه، فأنفذته مع خاتمي إلى عبد الله بن طاهر مع رجل، ودفعت إليه فرساً من تلك [الخيل] وجنيبه بجنبها مخافة أن تفتر فرسه وأمرت بعض أصحابي أن يدخل الغرفة، فقال لي: ما تريد من دخول الغرفة وقد أخذتني [وأنا بغيتك] ؟ [قال:] فلم ألتفت إلى قوله، ففتش أصحابي الغرفة، فوجدوا أبا تراب بجبر نقير، والنقير: شبيه بالحوض [من خشب] يطحن فيه الدقيق، ويعصر فيه [العنب] فأخرجتهما واستوثقت منهما بالقيود الثقال، وكتبت إلى عبد الله بن طاهر بخبرهما، وسرت إلى نيسابور ستة أيام، فصيرت محمد بن القاسم في بيت [واحد من داري] ووكلت به من أثق به من أصحابي، ووكلت بأبي تراب عند رجل آخر، فوضع [محمد] كساءه، وقام يصلي، وعبد الله بن طاهر مطل من غرفة قصره [علينا].
ولما فرغت من الاحتياط عليه سرت إلى عبد الله بن طاهر، فقصصت عليه القصة شفاهاً، فقال لي: لا بد أن أنظر إليه، فسار إليَّ مع المغرب، وعليه قميص وسراويل ونعل ورداء، وهو متنكر فلما نظر إلى محمد بن القاسم، وثقل الحديد [عليه] قال لي: ويحك يا إبراهيم!!ما خفت الله في فعلك، أتقيد هذا الرجل الصالح بهذا القيد الثقيل؟!(1/350)

70 / 205
ع
En
A+
A-