فياليت شعري من سيخلف بعدهم .... تعالى الذي يدري بما يجهل العبد
وسبحانه من مالكٍ متصرفٍ .... فليس لما يقضي بسلطانه رد
يولي وينفي من يشا بحكمه .... ويقصي ويدني من يشا فله الحمد
وما ارتاح في الدنيا قلباً وقالباً .... سوى من تغشته القناعة والزهد
وما اغتم في الدارين إلا متوجٌ .... تطيف حواليه العساكر والجند
فذلك أغنى الناس في الناس دائماً .... وهذا فقير لا يقر ولا يهد
فيا رب وفقنا لإصلاح شأننا .... وجمل علينا يا مهيمن يا فرد
فما هذه الدنيا بدار إقامة .... وما الشأن إلا جنة الخلد والخلد
وكيف لنا بالخلد إن لم يكن لنا .... سوابق عند الله عرض ولا نقد
ومن قصيدة بعثها إلى الإمام عزالدين بن الحسن جواباً على قصيدة الإمام التي بعثها إلى المؤلف ورثى فيها أسنانه، مطلعها:
كساك التقى برداً من الفكر ضافيا .... فما زال بالتوفيق فكرك صافيا
ومنها:
تدبرت أطوار ابن آدم إذ غدا .... جنيناً فمولوداً فطفلاً فناشيا
فكهلاً فشيخاً فانياً ثم ميتاً .... فحياً لأهوال القيامة لاقيا
فخبرت عن كل بما يترك الفتى .... بصحبة ذي الدنيا من الدهر قاليا
فيطرحها طرح الكريم لربعه .... إذا خاف فيه سمه والأفاعيا
وينظمها في سلك أحلام نائمٍ .... أطافت فمنَّت في المنام الأماني
وإلا سراب قد تراآى بقيعةٍ .... فيحسبه الظمآن ماءً مدانيا
وإلا كظلٍ زائل وكبارقٍ .... بأفق من الآفاق قد بات ساريا
وإلا كوصل الغانيات فإنه .... يزول إذا حل البياض النواصيا(1/31)


فتباً لدنيا لا يدوم وصالها .... لحي وإن أمسى عن الخلق عاريا
وطوبى لقومٍ عاملوها كفعلها .... وبتوا عراها عفة وتغانيا
وداروا لزاد للمعاد مُبَلِّغٍ .... إلى جنة تحوي قصوراً أعاليا
أولئك أقوام شروا من إلههم .... لرفضهم الدنيا نفوساً غواليا
كفى واعظاً فيها المشيب فإنه .... يصير لأنوار الشبيبة ناعيا
وسموه في (الذكر) النذير لأنه .... بقرب ممات المرء يصبح قاضيا
إلى أن يقول فيها:
وبعد هجوم الشيب للمرء يبتلى .... بأسنانه ما يعظم الرزء ثانيا
فيتركها ما بين حيٍ وميتٍ .... كثير اعوجاج ليس يبرح وانيا
فحينئذٍ لا عيش يصفو لآكلٍ .... ولا مشرب للمرء يصبح هانيا
فما حر من هذين أو كان بارداً .... فللألم المخشي يصبح داعيا
إلى آخرها، وهي كبيرة وكلها على هذا النسق الجميل العذب.
ومن قصيدة له في رثاء الإمام عزالدين بن الحسن قالها عند ما بلغه موت الإمام:
نقمت الرضا حتى على الروض والقطر .... إذا ضحكت من بعد قاصمة الظهرِ
وأوحشني نور الثريا وقد مضت .... تقهقر نحو الغرب خوفاً من الفجرِ
ويعجبني جنح الظلام لأنه .... يناسب ما قد كان من فادح الأمرِ
أبعد إمام العصر يضحك ضاحكٌ .... ويبسم ثغرٌ بئس ذلك من ثغرِ
وموتك عزالدين أجرى مدامعي .... وأشرقني ريقي وضيق من صدري
وصبرني قد ضاق بي الصبر ساحة .... وقد كنت أوصي الناس قبلك بالصبرِ
ومهما رأيت الشمس في رونق الضحى .... ذكرت أفول الشمس من ذلك القصرِ
وحيث حكوا للنهي والأمر صورة .... ذكرت اختلال النهي بعدك والأمرِ
لأن مناط الأمر بالعلم والحجا .... وقد دفنا مذ غبت عندك في القبرِ
إلى آخرها.(1/32)


ومن قصيدة له مدح فيها الإمام الحسن بن عزالدين ومناصريه:
لواؤك منصور وبرجك طالعُ .... ووجهك وضاح ونورك ساطعُ
وفضلك مشهورٌ وكعبك معتلي .... وحلمك ممتدٌ وطيشك شاسعُ
وعلمك معروفٌ وجودك شاملٌ .... وعفوك مرجو وصدرك واسعُ
إلى آخرها.
ومن قصيدة له بعثها إلى ابن الناصر يستحثه فيها على استعادة أكثر بلاد الزيدية التي ملكها بنو طاهر ومنها ذمار، وذلك عند ما مات عبدالوهاب سلطان الدولة الطاهرية:
أبجد منك أن تقفا .... وانتشار الملك قد أزفا
وسعود النصر طالعةٌ .... وركام الفتح قد وكفا
والذي كنا نحدثه .... أن سيطوي الأرض قد عرفا
إن هذا وقت ذاك وما .... كذب الهبي إذ وصفا
يا لها من فرصة عرضت .... ما بها للناظرين خفا
من يضعها سوف يطلبها .... حين يضحي الوجه وهو قفا
إلى أن يقول في آخرها:
إن تضييعاً لفرصتها .... ما يراه ذو النهى نصفا
بل يراه كل معتبرٍ .... صارفاً للنجح بل صلفا
وفق الله المؤيد .... للمنجدات الغر أن يكفا
وتولاه وكان له .... ناصراً من دهره كنفا
وعلى الجملة فله عدد آخر من القصائد الشعرية التي ذكرها في كتابه هذا، وذكر سبب نظمها وإنشائها، يجدها القارئ الكريم عند قراءته للكتاب.(1/33)


وفاة المؤلف
لم تذكر المصادر التي بين أيدينا تأريخ وفاة المؤلف، ولكن ذكر أنه انتهى من تأليف كتابه هذا (مآثر الأبرار) في سنة 916هـ.
قال السيد إبراهيم بن القاسم في الطبقات الكبرى في ترجمة المؤلف: كان تمام تأليفه (مآثر الأبرار) آخر نهار الأربعاء من شهر شعبان سنة ست عشرة وتسعمائة، ويضيف قائلاً: وفرغ ولده يونس بن محمد بن علي من نساخته في صفر سنة عشرين وتسعمائة فيحتمل أن يكون ووالده موجود، ويحتمل أنه قد توفي، والله اعلم، انتهى.(1/34)


مصادر ترجمة المؤلف
طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث 2/1037-1038، تحقيق عبدالسلام عباس الوجيه.
لوامع الأنوار2/149 للمولى الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي.
الجامع الوجيز (خ) حوادث سنة 916هـ، للقاضي العلامة أحمد بن عبدالله الجنداري.
أعلام المؤلفين الزيدية ص 976-977 للسيد عبدالسلام الوجيه، ومنه:
مصادر الحبشي 330،426.
البدر الطالع 2/232.
فهرس الأوقاف 1805.
معجم المؤلفين 11/53.
إيضاح المكنون 2/418.
الجواهر المضيئة (خ).
مؤلفات الزيدية 2/44،411،407.(1/35)

7 / 205
ع
En
A+
A-