إمام من أبناء الأئمة قدمت.... له الشرف المعروف والمجد هاشم
أبوه على ذو الفضائل والنهى.... وآباؤه والأمهات الفواطم
بنات رسول أكرم نسوة.... على الأرض والآباء شم خضارم
وله العلم الغزير، والتصانيف المفيدة في كل فن من العلوم.
وأما زهده وورعه [فما لا] يمتري فيه اثنان، ولا يتردد فيه رجلان:
شهد العدو بفضله والأولياء.... والحق ما شهدت به الأعداء
حكي عن الهادي -عليه السلام- أن المأمون كلفَّ بعض العلوية أن يتوسط بينه وبين القاسم، ويصل ما بينهما على أن يبذل له مالاً عظيماً، فخاطبه في أن يبتديه بكتاب، أو يجوَّب عن كتابه.
فقال -عليه السلام-: لا يراني الله أفعل ذلك أبداً.
وروى الإمام المنصور[بالله-عليه السلام-] : أن المأمون توصل بمن قدر عليه في أن يصافيه، ويأمن جانبه فأبى ذلك أشد الإباء، وأمر إليه بوقر سبعة أبغل دنانير على أن يأخذها، ويجيب عن كتابه، أو يبتديه بكتاب، فكره ذلك وردَّ المال، وقد كان مال إلى حي من البادية[بادية المدينة] يقال لهم: حرب، فحاربوا دونه، ولما ردَّ المال لامه أهله فقال:
تقول التي أنا ردءُ لها.... وقاء الحوادث دون الردى
ألست ترى المال منهلة.... محارم أمواهه باللهى
فقلت لها وهي لوامة.... وفي عيشها لو صحت ما كفى
كفاف امرئ قانع قوته.... ومن يرض بالعيش نال الغنى
فإني وما رمت من نيله.... وقبلك حب الغنى ما ازدهى
كذي الداء هاجت به شهوة.... فخاف عواقبها فاحتمى(1/341)


قالوا: ولما استشهد أخوه محمد وهو بمصر [فلما عرف ذلك] دعا إلى نفسه، وبثَّ الدعاة وهو على حال الاستتار فأجابه عالم من الناس في بلدان مختلفة كمكة، والمدينة، والري، وقزوين، وطبرستان، وتخوم الديلم، وأقام بمصر نحو عشر سنين، فاشتد الطلب به هناك من عبد الله بن طاهر فلم يمكنه القيام، فعاد إلى الحجاز وتهامة، وخرج جماعة من دعاته إلى بلخ والطالقان والجوزجان فبايعه كثير من أهلها، وسألوه أن يرسل إليهم ولده ليظهروا [له] الدعوة، [فانتثر عليه أمره، وانشر قبل التمكن من ذلك] فوجهت الجيوش في طلبه، فانحاز إلى حي من البدو، واستخفى فيهم.
ثم أراد الخروج بالمدينة في وقت من الأوقات، فأشار إليه أصحابه بأن لا يفعل ذلك، وقالوا: إن المدينة والحجاز تسرع إليها الجيوش ولا تتمكن فيهما من الميرة.
ولم يزل على هذه الطريقة مثابراً على الدعوة، صابراً على التغرب، والتردد في النواحي[والبلدان] متحملاً للشدة[مجتهداً في إظهار دين الله].
ولما اجتمع أمره وقت خروجه بعد وفاة المأمون وتولي المعتصم شدد في طلبه، وأنفذ عساكر عظيمة في تتبع أثره، فأحوج إلى الإنفراد عن أصحابه، وانتقض أمر ظهوره، ذكره السيد أبو طالب قال : فله بيعات كثيرة في أوقات مختلفة، أولها سنة سبع وتسعين ومائة، والبيعة الجامعة لفضلاء أهل البيت كانت سنة عشرين ومائتين في منزل محمد بن منصور المرادي بالكوفة وأنه بايعه هناك: أحمد بن عيسى بن زيد فقيه آل الرسول وعابدهم، وعبد الله بن موسى بن الحسن والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد.(1/342)


وكانت فضيلة السبق إلى منابذة الظالمين وانتهت إلى هؤلاء فاتفقوا على القاسم وبايعوه، وكانوا قد امتحنوا على فضلهم المشهور الشديد.
فروى أحمد بن عيسى بن زيد -عليهم السلام- قال: طلبنا هارون أنا والقاسم بن إبراهيم، وعبد الله بن موسى، فتفرقنا في البلاد فوقعت إلى ناحية الري، ووقع عبد الله بن موسى إلى الشام، وخرج القاسم إلى اليمن.
فلما توفي هارون اجتمعنا في الموسم، فتشاكينا ما مرَّ بنا فقال القاسم عليه السلام : أشد ما مرَّ عليَّ أني لما خرجت من مكة أريد اليمن في مفازة لا ماء فيها، ومعي بنت عمي زوجتي وبها حبل، فجاءها المخاض في ذلك الوقت، فحفرت لها حفرة لتتولى أمر نفسها وضربت في الأرض أطلب الماء لها، فرجعت إليها وقد ولدت غلاماً، فأجهدها العطش، فرجعت[إليها] وقد ماتت، والولد حي، فكان بقاء الولد أشد عليَّ من وفاة أمه، فصليت ركعتين، ودعوت الله أن يقبضه، فما فرغت من دعائي حتى مات.
وشكى عبد الله بن موسى أنه خرج من بعض قرى الشام، وقد اشتد عليه الطلب، وأنه صار إلى بعض المشائخ وقد تزيا بزي الفلاحين فسخره بعض الجند وحمل على ظهره شيئاً، فكان إذا أعيا ووضع ما على ظهره للاستراحة ضربه ضرباً شديداً، وقال: لعنك الله، ولعن من أنت منه.(1/343)


وقال أحمد بن عيسى: وأنا كان من غليظ ما نالني، أني صرت إلى ورزين ومعي ابني محمد، وتزوجت إلى بعض الحاكة هنالك واكتنيت بأبي حفص الجصاص، فكنت أغدو وأقعد مع بعض من أثق به من الشيعة، ثم أروح إلى منزلي كأني قد عملت يومي، وولدت الإمرأة بنتاً، وتزَّوج ابني محمد في بعض موالي عبد القيس هناك، فأظهر مثل ما أظهرت.
فلما صار لابنتي عشر سنين طالبني أخوالها بتزويجها برجل من الحاكة، له فيهم قدر، فضقت ذرعاً بما دفعت إليه، وخفت من إظهار نسبي، وألح عليَّ القوم في تزويجها، ففزعت إلى الله تعالى، وتضرعت إليه في أن يختر لها ويقبضها ويحسن عليَّ الخلف، فأصبحت الصبية عليلة، ثم ماتت من يومها، فخرجت إلى ابني
مبادراً لأبشره فلقيني في الطريق، فأعلمني أنه ولد له ولد فسميته علياً وهو بناحية (ورزين) لا أعرف له خبراً للاستتار الذي أنا فيه.
وروى السيد أبو طالب قال: اشتد الطلب على القاسم[بن إبراهيم] وضاقت عليه المسالك وكان في حانوت إسكاف من خلص الزيدية، فنودي نداء بليغاً: برئت الذمة مما آوى القاسم بن إبراهيم، وممنّ لم يدلّ عليه، ومن دلَّ عليه فله ألف دينار، وكذا كذا من البز، والإسكاف مطرق يسمع ويعمل، لا يرفع رأسه فقالوا للإسكاف: نراك ما ارتعت، فقال: ومن لي بالإرتياع، ولو قرضت بالمقاريض بعد رضى رسول الله ً في وقاية ولده بنفسي.(1/344)


قال السيد أبو طالب: وانتقل القاسم إلى الرس في آخر أيامه، وهي أرض اشتراها، وهي وراء جبل أسود بالقرب من ذي الحليفة، وبنى هناك لنفسه وولده، وتوفي بها، و[قد] حصل له ثواب المجاهدين من الأئمة السابقين سنة ست وخمسين ومائتين، وله سبع وسبعون سنة، ودفن هناك يزوره من يريد زيارته في مشهده، فيخرج من المدينة.(1/345)

69 / 205
ع
En
A+
A-