واعترضه صاحب (أطواق الحمامة شارح البَّسامة) وقال : إن دمعة الروح الأمين لم تسل إلا على أهل كربلاء يعني الحسين بن علي[بن أبي طالب] وأهل بيته –عليهم السلام-، وصاحب فخ هو: أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن المثلث بن علي بن أبي طالب –عليهم السلام-، أمه زينب ابنة عبد الله بن الحسن، وكان أبوه وأمه يعرفان بالزوج الصالح لصلاحهما وفضلهما، ولما زفت إليه ليلة العرس قال لها: هل لك أن نصلي هذه الليلة شكراً لله إذ جمع بيننا، قالت: أفعل، فباتا كذلك، فلما دنا طلوع الفجر، قال لها: هل لك في الصوم هذا اليوم شكراً لله؛ إذ جمع بيننا؟ فصاما يومهما، فأقبلت الليلة الثانية فباتا يصليان، ثم صاما ثانياً حتى أقاما سنة كاملة، فقال له عمه عبد الله بن الحسن: لِمَ رغبت عن سنة جدك؟ أقسمت عليك إلا ما تركت هذا الأمر -أو ما هذا معناه- رواه في (محاسن الأزهار) وقال صاحب (كتاب الأنساب) : كان الفخي قد نشأ على السداد، وطرق الرشاد، جامعاً بين العلم والعمل، وروى العلماء فيه من الأخبار ما يقضي بفضله؛ فمن ذلك مارواه أبو الفرج، عن زيد بن علي –عليهما السلام-، قال: انتهى رسول الله ً إلى موضع فخ، فصلى بأصحابه صلاة الجنائز فقال:((يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين يُنّزَل عليهم بأكفان وحنوط من الجنة، تساق أرواحهم إلى الجنة قبل أجسادهم)).(1/311)


وروى أبو الفرج -أيضاً-، عن محمد بن علي- عليهما السلام- فقال : مر النبيبفخ فصلى ركعة، فلما صلى الثانية بكى وهو في الصلاة فبكى الناس لبكائه، فقال: (ما يبكيكم)؟ وذلك بعد انصرافه؟ فقالوا: رأيناك تبكي فبكينا، فقال: ((نزل عليَّ جبريل لما صليت الركعة الأولى، فقال: يامحمد، إن رجلاً من ذريتك يقتل في هذا المكان، وأجر الشهيد معه كأجر الشهيدين)).
قالوا: وقد كان اشتهر من الجود والكرم بما لم يشتهر به عربي، ولا عجمي في عصره، وروايته في قدومه على المهدي بن المنصور مشهورة حذفتها هاهنا اختصاراً، وأما سبب قيامه فإن موسى الملقب بالهادي لما ولي استخلف على المدينة رجلاً من ولد عمر بن الخطاب، فأساء المعاملة لمن فيها من الطالبيين، وطالبهم بالعرض في كل يوم، وأخذ كل منهم بكفالة قريبه ونسيبه، وجرى في ذلك خطب جسيم خلاصته: أن الطالبيين هجموا على العمري داره بعد أن طلع مؤذنهم وقت الصبح المنارة، وأذن بحي على خير العمل، وصاح العمري: أغلقوا البغلة بالباب، وأطعموني على جبتي ماء، قال الراوي: فولده بالمدينة يعرفون ببني جبتي قال: ثم هرب من داره على وجهه حتى نجا وصلى الحسين بالناس صلاة الصبح، ثم خطب بعد الصلاة، وقال بعد حمد الله والثناء عليه: أنا ابن رسول الله، على منبر رسول الله، في حرم رسول الله أدعوكم إلى سنة رسول الله، أيها الناس، تطلبون آثار رسول الله ًفي الحجر والعود تمسَّحون بذلك، وتدعون بضعة منه ثم استخلف على المدينة، وخرج قاصداً [له] إلى مكة بمن معه من أهله ومواليه وهم زهاء ثلاث مائة، فلما قربوا من مكة وصاروا بفخ(1/312)


بلغتهم جيوش المسودة، فعرض عليه العباس بن محمد الأمان، والعفو والصلة، فأبى ذلك أشد الإباء، وعن أبي العرجاء جمال موسى بن عيسى قال: لما وصلنا بستان بني عامر، قال لي : إذهب إلى عسكر الحسين حتى تراه فتخبرني بكل ما رأيت قال: فمضيت ودرت فما رأيت خلالاً ولا فلالاً وما رأيت إلا مصلياً ومبتهلاً وناظراً في مصحف، ومعد السلاح، فجئت وقلت: ما أظن القوم إلا منتصرين علينا، فقال: كيف ذاك يا ابن الفاعلة؟ فأخبرته، فضرب يداً على يد فبكى حتى قلت: هو منصرف فقال: هم والله أكرم عند الله منَّا،[وأحق بما في أيدينا منا] ولكن الملك عقيم، والله لوأن صاحب القبر، يعني النبي ً ينازعنا الملك لضربنا خيشومه بالسيف، يا غلام، اضرب طبلك ثم سار إليهم فوالله ما انتهى حتى قتلهم، رواه في (الحدائق) قال: وكان أول من بدأ [منهم] بالقتال موسى بن عيسى، قال: فحملوا عليه فاستطرد لهم حتى أوغلوا في الوادي وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم، فطحنهم طحنة واحدة حتى قتل أكثر أصحاب الحسين، وجعلت المسودة تصيح بالحسين: يا حسين، لك الأمان، فيقول: الأمان أريد، فحمل عليهم فقتل، وقتل معه سليمان بن عبد الله بن الحسن وعبد الله بن إسحاق [والحسن بن إبراهيم بن عبد الله] و[إبراهيم بن الحسن] ولما قتل الحسين –عليه السلام- حمل رأسه إلى الهادي موسى، ودفنت جثته الكريمة بفخ، ومشهده هناك مشهور مزور، ولا عقب له، وقتل وهو في إحدى وأربعين سنة، وقبره بفخ عند بستان الديلمي في الزهراء، أمر المنصور عبد الله بن حمزة إلى السيد الحسين بن قتادة بن إدريس بعمارته(1/313)


فعمر عليه، وعلى الحسن بن محمد قبة حسنة سنة إحدى وستمائة سنة، ولبعضهم يرثي الحسين هذا وأصحابه:
فلأبكين على الحسيـ.... ـن بعولة وعلى الحسنْ
وعلى ابن عاتكة الذي.... أثووه ليس بذي كفنْ
نزلوا بفخ غزوة.... في غير منزلة الوطنْ
كانوا كراماً فانقضوا.... لا طائشين ولاجبنْ
غسلوا المذلة عنهم.... غسل الثياب من الدرنْ
هدي العباد بجدهم.... فلهم على الناس المننْ
رواه الشيخ أبو الفرج الأصبهاني لعيسى بن عبد الله.
وروى عن بعضهم قال: رأيت في النوم رجلاً ينشدني ويسألني أن أنشده هذه الأبيات فأنشدته إياها فقال: زد فيها:
قوم كرام سادة.... من هم ومن هم ثم من(1/314)


[أخبار الإمام يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام].
وفي الغوي ويحيى البر قائمنا.... أتت بملحمة مسطورة الخبرِ
وخادع الفضل شرويناً فسلمه.... بعد الأمان إليه غير معتذرِ
وكان ماكان من نقض الأمان له.... والغدر ليس لهارون بمنتكرِ
الغوي: هو هارون الملقب بالرشيد الذي نكث الأمان، والبر التقي: يحيى بن عبد الله، [و] قصتهما أشهر من نار على علم، لكن أذكر هاهنا طرفاً من ذلك جرياً على العادة، فأقول: أما أبوه عبد الله الملقب بالكامل فقد مضى طرف من خبره، وكذلك أخواه النفس الزكية محمد، وأبو الحسن إبراهيم، وأما أمه فهي قرشية من ذرية زمعة بن الأسود، وأبوها ابن أخت هند والدة النفس الزكية، وأخويه إبراهيم وموسى، كان يحيى هذا من عيون الأئمة، وفضلاء هذه الأمة، قد روى الحديث عن أهله وعن غيرهم، وأكثر روايته عن جعفر الصادق وكان قد حضر القتال مع الفخي، وقاتل قتالاً عظيماً، وأصيب بنشاب كثير حتى صار كالقنفذ، فلما انقضت الوقعة أقام مستتراً مدة طويلة يطوف في الآفاق خوفاً على نفسه، [و] وصل صنعاء، وأقام[بها] شهوراً، وأخذ عنه علماء صنعاء كثيراً، ثم دخل بلاد الحبشة وخرج منها، ثم دخل بلاد الترك فتلقاه ملكها بالإكرام، وقدَّم [له] التحف العظيمة، ودعاه إلى الإسلام فأسلم على يديه سراً، وبثَّ [يحيى] دعاته في الآفاق، فجاءته كتبهم ببيعة مائة ألف منهم العلماء والفقهاء، فقال يحيى: لا بدَّ من الخروج إلى دار الإسلام فنهاه ملك الترك عن ذلك، وقال: إنهم يخدعونك، قال يحيى: لا أستجيز فيما بيني وبين الله[تعالى] أن أقيم في بلد الترك ومعي(1/315)

63 / 205
ع
En
A+
A-