[عبد الله بن الحسن بن الحسن - عليهم السلام - ].
وقادت الحَبْر عبد الله كاملنا.... أبو الأئمة بعد الشيب والكبرِ
مغلغلاً في حديد تحته قتب.... وغيبت غرة الديباج في الجدرِ
والفاطميات تبكي بعدهم جزعاً.... وعين صادقنا تجري بمنهمرِ
المراد هنا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب-عليهم السلام-، المسمى بالكامل، وإنما سمي الكامل؛ لأنهم كانوا إذا قالوا: من أعلم الناس؟ من أفصح الناس؟ من أكرم الناس؟ من كذا؟ من كذا؟ قيل: عبد الله بن الحسن وهو أبو الأئمة محمد، وإبراهيم، وإدريس، ويحيى، ومعنى قول الناظم: وقادة الحبر.. يعني الدنيا لأن الكلام مسوق فيها من أوله إلى آخره، وهو يشير إلى ما ذكرته الرواة نقلته أنا في شرحي على كتاب (الصادح والباغم) ونقل المذكور من كتاب (العقد) لابن عبد ربه؛ لأن ابن الهبارية في (الصادح والباغم) قال ما لفظه:
وإن هو استخفى عن المبارزة.... وكنت أحظى منه بالمناجزة
فأخدعه كي يضجر للقاء.... إن الخداع غاية الدهاء
كذلك المنصور كاد ابني حسن.... فظهرا بعد اختفاء المحن(1/296)


قال في (العقد): لما ولي أبو العبَّاس السفَّاح الخلافة قدم عليه بنو الحسن بن علي بن أبي طالب -عليهم السلام- فأعطاهم الأموال، وقطع لهم القطائع، وقال لعبد الله بن الحسن: احتكم عليَّ، فقال: يا أمير المؤمنين، ألف ألف درهم فإني لم أرها قط، فاستقرضها له من صيرفي وأمر له بها ثم أتي إليه بجواهر مروان فجعل يقلبها وعنده عبد الله بن الحسن؛ فبكى عبد الله، فقال له: ما يبكيك يا أبا محمد؟ فقال : هذا عند بنات مروان وما رأت بنات عمك مثله، فحباه به، ثم أمر الصيرفي أن يبتاعه منه بثمانين ألف درهم، ثم خرج بنو حسن فبعث معهم رجلاً من ثقاته، فقال له: قم بإزائهم ولا تأل في إلطافهم، وكلما خلوت معهم فأظهر الميل عنَّا والتحامل علينا وعلى ناحيتنا، وأنهم أولى بالأمر منَّا، وأحص[واحفظ] ما يقولون وما يكون منهم، فلما قدم عبد الله بن الحسن ومن معه المدينة اجتمع إليه الفاطميون، فجعل يفرَّق فيهم الأموال تلك فعظم بها سرورهم، فقال لهم عبد الله بن الحسن: أفرحتم ؟ فقالوا: وما لنا لا نفرح بما كان محجوباً عنَّا، بأيدي بني مروان، حتى آتا الله لقرابتنا وبني عمنا فأصاروه إلينا، فقال: أفرحتم أن تناولوا هذا بأيدي قوم آخرين؟ فخرج الرجل الذي كان وكلَّه السفَّاح بأخبارهم، فأخبره بما سمع من قولهم، وأخبر أبو العبَّاس أخاه المنصور فعدوها حنة، ثم مات السفَّاح، وقام بعده المنصور فبعث بعطاء أهل المدينة، وكتب إلى عامله بها أن أعط الناس في أيديهم، ولا تبعث إلى أحد بعطائه، وتفقَّد بني هاشم، ومن تخلَّف منهم ممَّن حضر، وتحفظ بإبراهيم ومحمد(1/297)


ابني عبد الله، ففعل، وكتب إليه : لم يتخلَّف أحد من العطاء إلا محمد وإبراهيم فإنهما لم يحضرا، فكتب أبو جعفر إلى أبيهما يسأله عنهما ويأمره بإظهارهما، ويخبره أنه غير عاذره فكتب إليه: أنه لا يدري أين هما؟ ولا أين توجها؟ فلم يلبث المنصور، [وكان قد] أذكى العيون، ووضع الأرصاد حتى جاءه كتاب من بعض ثقاته أن رسولاً لعبد الله بن الحسن وولديه خرج بكتب إلى خراسان بالاستدعاء لهم، فأمر أبو جعفر لرسولهم فأتي به وبكتبَه، فردَّها إلى عبد الله بن الحسن [مع الرسول] بطوابعها لم يفتحها وكتب إليه: إني أُتِيْتُ برسولك، والكتب معه فرددتها إليك بطوابعها كراهة أن أطلع لك منها [على] ما يغير عليك قلبي، فلا تدع إلى التقاطع بعد التواصل، ولا إلى الفرقة بعد الاجتماع، وأظهر لي ابنيك فإنهما يصيران إلى ما تحبَّ من الولاية والقرابة والشرف، فكتب إليه عبد الله يعتذر، ويعلمه أن ذلك فعل عدو يريد تشتيت ما بينهم بعد التئامه، فبينا هو كذلك إذ جاءه كتاب من بعض ثقاته يخبره أن الرسول [لبنيه] خرج بالكتب بأعيانها على طريق البصرة، وأنه نازل على فلان المهلبي، فوضع أبو جعفر عليه رصدة، فأتي به إليه ومعه الكتب، فحبس الرسول، وأمضى الكتب إلى خراسان مع رسول من عنده من ثقاته، فقدم عليه في الجوابات بما يكره واستبان له الأمر، فكتب إلى عبد الله بن الحسن [بن الحسن بن علي -عليهم السلام-] :
أريد حياته ويريد موتي.... عذيرك من خليلك من مراد(1/298)


أما بعد.. فقد قرأت كتبك[وكتب ابنيك] [التي مع رسلك] فأنفذتها إلى خراسان، وجاء الفتى بجواباتها بتصديقها، فقد تقرر عندي أنك مغيَّب لابنيك، [وأنك] تعرف مكانهما فأظهرهما، فإن لك [عليَّ] أن أعظم صلتهما، وأضعهما بحيث وضعتهما، فتدارك الأمور قبل تفاقمها، فكتب إليه عبد الله بن الحسن[قوله] :
وكيف أريد ذاك وأنت مني.... وزندك حين يقدح من زنادي
وكيف أريد ذاك وأنت مني.... بمنزلة النياط من الفؤاد
وكتب إليه أنه لا يدري أين توجها، وأنه لا يعرف الكتب، ولا شك أنها مفتعلة، فلما اختلفت الأمور على أبي جعفر بعث بسلم بن قتيبة الباهلي، وبعث معه بمال، وقال له: إني إنما أدخلتك بين لحمي وعظمي، فلا تخف عني أمراً تعلمه، فخرج سلم حتى قدم المدينة، وكان عبد الله بن الحسن يجلس بين الروضة والمنبر فجلس إليه سلم وأظهر له المحبة والميل إلى ناحيته، ثم قال له بعدما أنس به: إن ناساً من أهل خراسان وهم فلان وفلان، وسمى له رجالاً يعرفهم ممن كان يكاتب بعثوني إليك بمال معي، وكتبوا إليك كتباً فقبل الكتب و المال، وكان عشرة آلاف درهم ثم أقام معه ما شاء الله حتى ازداد به أنساً، [وإليه استئمانه] ثم قال له: إني قد بُعِثَ إليَّ بكتب إلى أمير المؤمنين محمد وإلى ولي عهده إبراهيم، وأمرت أن لا أوصل ذلك إلا إلى أيديهما فإن أوصلتني إليهما أوصلت إليهما المال والكتابين، ورحلت إلى القوم بما يثلج صدورهم، وتقبله قلوبهم، فأنا عندهم بموضع الصدق والأمانة، وإن كان أمرهما مظلماً ولم يكن يعرف مكانهما لم يخاطروا بدمهم وأموالهم، فلما رأى(1/299)


عبد الله أن الأمور تفسد عليه من حيث يرجو إصلاحها إلا بإظهارهما له أوصله إليهما ودفع الكتابين وأربعين ألف درهم معه، ثم قال: هذا محمد، وهذا إبراهيم، فقال لهم: إن من ورائي[من] لم يبعثوني ولهم بعدي غائب، وليس مثلي ينصرف إلى القوم إلا بجملة ما يحتاجون إليه، ومحمد إنما صار إلى هذه الحظة ووجبت له هذه الدعوة لقرابته من رسول الله ً، وهاهنا من هو أقرب منه إليه رحماً، وأوجب حقاً، قال: ومن هو؟ قال: أنت إلا أن يكون معك في ابنك أثر ليس عندك في نفسك، قال: الأمر كذلك عندي، قال: فإن القوم يقتدون بك في جميع أمورهم، ولا يريدون أن يبذلوا دمهم وأموالهم، وأنفسهم إلا بحجة يرجون بها لمن قتل منهم الشهادة، فإن أنت خلعت أبا جعفر وبايعت محمداً اقتدوا بك، وإن أبيت اقتدوا بك أيضاً في ترك ذلك ثقة بك، فقال: إني أفعل، فبايع محمداً وخلع أبا جعفر، وبايعه سلم من بعده، وأخذ كتبه وكتب محمد وإبراهيم وخرج، فقدم إلى أبي جعفر وقد حضر الموسم، وأخبره بالكلام كله فسار أبو جعفر، فلما دخل المدينة أرسل إلى بني الحسن فجمعهم، وقال لسلم : إذا رأيت عبد الله عندي فقم على رأسي، وأشر إليَّ بالسلام، ففعل، فلما رآه عبد الله سقط في يده وتغيَّر وجهه، فقال له أبو جعفر: مالك [يا] أبا محمد؟ أتعرفه؟ فقال: نعم، يا أمير المؤمنين، أقلني وصلتك رحم، فقال له أبو جعفر: قد عرفت أنك تعرف موضع ولديك، وقد باح السر، فأظهرهما لي، ولك أن أصل رحمك ورحمهما، وأن أعظِّم ولايتهما، وأعطي كل واحد منهما ألف ألف درهم، فتراجع وهو وعبد الله حتى قبضه في اثني عشر رجلاً من(1/300)

60 / 205
ع
En
A+
A-