كما يستطرد المؤلف في سيرة الإمام المذكور، ويضمنها تمليكاً في عقار من الإمام علي بن محمد كتبه لأحد أفراد أسرته بخطه وعليه علامته، حيث يقول المؤلف ما لفظه: ومما وجدته بخط الإمام علي بن محمد المذكور وعليه علامته وذكر اسمه ما لفظه: هذا الخط الأعظم الأشرف الأكرم، العالي السامي، الغياثي الجوادي، الأفضلي الأوحدي، الأمجدي الأجلي، النبوي الإمامي، الحسني الهدوي المهدي، خلد الله ملك منشئه وأعز نصره وجدد سعده، وكبت حاسده، شهد للفقيه الأجل الأفضل شرف الدين الحسن بن علي بن أحمد بن فند، بأنه عندنا من الإعزاز والإنصاف منظور بعين المودة والإتحاف، مأثور الصبر والجهاد والمودة، ملحوظ بلحظ الكرامة، مستقر على أكرم الحظوظ والاستقامة، مرفوع في أسمى المراتب وأسمى المنازل، وأنه من جملتنا وممن تحوطه شفقتنا وترعاه مودتنا، لا يروع له سرب، ولا يكدر له شرب، وكذلك عمه أحمد بن محمد الزحيف وسائر إخوتهم وبنو عمهم، وأنا قد ملكناه جميع ما تحت يده ويتصرف فيه مما ينقل ويحول ومما لا ينقل ولا يحول، وأجزنا له تسليم ثمن ذلك كله إلى من اشتراه منهم، وأذنا له في التصرف في ذلك بأي وجه من سائر وجوه التصرفات فمن ذلك...إلخ، وتأريخ ذلك التمليك سنة 755هـ، وبآخره ما لفظه: كتب عبدالله بن أحسن الدواري، حكمت بصدور ما صدر من مولانا الإمام المهدي علي بن محمد بن علي إلى حي الفقيه شرف الدين حسين بن علي بن فند، كان ذلك مني بتاريخ شهر شوال من سنة اثنين وثمانين وسبعمائة سنة، انتهى.(1/26)


وفي مكان آخر من الكتاب يذكر المؤلف أنه وآبائه متمسكون بمذهب أهل البيت، وأن ذلك ظاهر عنهم ومشهور حيث يقول عند ذكر أخبار الإمام المطهر بن محمد بن سليمان ما لفظه: فاعلم أني رغبت إلى شرح هذه المنظومة رغبة كلية، وذلك لما اشتملت عليه من فضائل العترة الزكية، والرعاية لحق خير البرية، في تأدية حق المودة التي هي من الفروض الأولية والأمور الكلية، ولن يتم ذلك إلا بجعلهم من خلوص المودة بالسوية، ولا نفرق بين الحسينية والحسنية ولا الهدوية ولا الحمزية، وهذا وإن كان مذهبي من الصغر إلى الكبر، وجنوحي إليه أنا وآبائي قد ظهر واشتهر، تمسكاً منا بما وردت به السور، وعضده من تواتر الخبر...إلخ.
وله في هذا المعنى أشعار وقصائد، فمنها من قصيدة ذكرها في مقدمة هذا الكتاب:
لآل الحسين وآل الحسن .... سكون العراق ومن باليمن
وداد بقلبي إن تكمن الد .... راري بأفلاكها ما كمن
وداد غذاني به والدي .... ولدتني أمي به في اللبن
وقد جاء في مثل سائرٍ .... تداوله الناس طول الزمن
محال خروج هوى داخلٍ .... زمان اللبا قبل نشر الكفن
فيا عاذلي عن هوى حيدرٍ .... وفاطمة الطهر لا تعذلن
فحبهما وذراريهما .... عتادي ليوم ظهور الغبن
كما جاء عن سيد المرسلين .... قد يحشر المرء في حزب من(1/27)


ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المكان إلى أن المؤلف في كتابه هذا قد ذكر جملة من أحواله وأخباره مع الأئمة الذين عاصرهم كالإمام عزالدين بن الحسن، والإمام محمد بن علي الوشلي، والإمام محمد بن الناصر يجدها المتصفح للكتاب في مواضع متفرقة منه.
مما سبق يتبين لنا أن المؤلف وأسرته من أعوان الأئمة وأنصارهم، ومن أعيان عصورهم والمشار إليهم في وقتهم وزمنهم، ومن المشاركين في أحداث عصرهم، وأنهم من الشيعة ولهم في التشيع قدم راسخة وعقيدة ثابتة، وجهاد دائم في سبيل الله وإعلاء كلمته، وأنهم من أصحاب المبادئ الذين لا تزعزعهم النكبات ولا تميل بهم الأيام، كما يتضح لنا أيضاً أن المؤلف من العلماء الفقهاء الفضلاء، وله في ميدان العلم والمعرفة نصيب باهر وحظ وافر، ونكتفي بهذه الإشارة وكما قيل: ضوء البارق يدل على النوء المطير.(1/28)


علم المؤلف وأدبه وشعره
المؤلف كان من العلماء الفضلاء، وأكبر شاهد على ذلك مؤلفاته، ومنها هذا الكتاب الذي بين أيدينا بالاضافة إلى أن المراجع التي لدينا والتي ترجمت للمؤلف يشهد أصحابها له بالعلم والمعرفة والتحقيق والدراية والرواية.
أما أدبه فقد كان أديباً بليغاً، وناثراً مجيداً، يجيد صياغة العبارة وانتقاء الكلمات المناسبة لها، ومن خلال التجوال في ساحات هذا الكتاب نعرف مدى صحة هذا القول، ويؤكد ذلك شهادة الأئمة الذين عاصرهم له والذين جرت بينه وبينهم مراسلات ومكاتبات، أوضحوا فيها تمكن المؤلف وقدرته في الأدب والبلاغة وفي النثر والشعر، فمن رسالة بعثها إليه الإمام محمد بن الناصر يطلب منه تأليف هذا الكتاب ويخاطبه قائلاً: (...، فانت ألمعي الدراية، وأصمعي الرواية، ولك قريحة منقادة وفطنة وقادة).
ومن رسالة للإمام عزالدين بن الحسن جواباً على رسالة للمؤلف بعثها إليه ومعها قصيدة شعرية: (السلام الأسنى ورحمة الله الحسنى، على الفقيه الأفضل الأمجد الأكمل، عين أرباب البلاغة، والمزري حقاً ويقيناً بابن المراغة، بدر الدين، خلاصة الإخوان الراشدين والله يمتع بحياته ويسعده في جميع أوقاته وعلى كل حالاته، وبعد:
فورد كتابه الكريم مصحوباً بالنظام الجليل الفهيم، الذي يفوق ويروق الدر النظيم، فلقد وقفنا عليه وقوف ناظرين بعين التأمل إليه فوقع منا موقعاً فوق كل موقع في حسن الرغوبة ومعظم العذوبة، والنسق المستطاب فحكمنا عليه بأنه من أحسن المنظومات وأجل المرقومات...إلخ.(1/29)


أما شعره فقد كان المؤلف -رحمه الله- شاعراً مجيداً فصيحاً، له في هذا المضمار باع كبير، وقد ذكر في كتابه هذا أن له ديوان شعر، كما سرد في هذا الكتاب عدداً من قصائده الشعرية، ومن خلال قراءتها تعرف أن له موهبة شعرية فذة، وأن شعره يمتاز بعذوبة الألفاظ وسهولتها، ويكشف القناع عن قدرة على النظم وقريحة متوقدة في مجال الشعر.
ومن خلال قراءتنا لبعض قصائده نراها مليئة بالعظة والاعتبار والزهد والتفكر في أحوال الدنيا وتقلباتها، والحث على الاستعداد للآخرة خارجة من أعماقه، مما يدل على أن شخصية قائلها شخصية إيمانية قوية.
وقد قال الشعر ونظمه في مختلف الأغراض الشعرية، من مدح ورثاء ووصف وتوسل، ونصح، وغير ذلك، نقتطف في هذه العجالة نماذج يسيرة من شعره الذي ذكره في هذا الكتاب، فمن قصيدة له لما ملك عامر بن عبدالوهاب حصن ذي مرمر في شهر رمضان سنة 912هـ، مطلعها:
يقول الزحيفي الذي جده الفند .... وأشعاره من دونها الشهد والقند
إلى أن يقول فيها:
ليفتكر الإنسان في الدول التي .... تأتت لها الدنيا وساعدها السعد
وقيلت بها الأشعار فخراً فمثبتٌ .... ونافٍ فكل عند مذهبه يحدو
كفى واعظاً ما أنشدوا في ذمرمرٍ .... وما علموا من ذا سيملكه بعد
تسلطن فيه منذ تسعين حجة .... تزيد قليلاً إن تمادى بنا العد
بنو الأنف أجلاهم وشتت ملكهم .... من العترة المنصور من لا له ند
فخلفه إرثاً لأبناء بنته .... كما لم يعش من بعض ذكرانه فرد
فزحزحهم منه المسمى بعامرٍ .... وقادهم أسرى وما مسهم حد
ومزقهم في الأرض كل ممزق .... ذليلين مقهورين مالهم جهد
إلى أن قال:(1/30)

6 / 205
ع
En
A+
A-