[أخبار الإمام الأعظم زيد بن علي(ع) ]
وفي هشام وفي زيد أتت جللاً.... ومن كزيد وزيد خيرة الخيرِ
دعا هشاماً إلى التقوى ونابذه.... لسبِّ آل رسول الله والنذرِ
وصغَّر الأحول الطاغي وحقَّره.... ولم يكن في مقام الخصم بالحصرِ
وبثَّ دعوته في كل ناحية.... وكان مخرجه لله في صفرِ
فقاتلته جنود الشام وانحرفت.... عنه العراق إلى أعدائه الفجرِ
وخاض في غمرة الهيجاء فأثبته.... سهم من القوم أهل البغي والأشرِ
وكان ما كان من قتل الإمام ومن.... صلب له فوق جذع غير مستترِ
(لم يشفهم قتله حتى تعاوره.... قتل وصلب مع التحريق بالشررِ)
هذا البيت الأخير استعاره السيد صارم الدين من أبيات للصاحب الكافي، رثَّى بها زيداً، وسيأتي إن شاء الله تعالى، وفي قافيته تغيير يسير؛ لأن هذه مجرورة، وتلك مرفوعة، وهذه رائية وتلك قافية، لكن إعلم [أولاً] أن فضل زيد بن علي أشهر من أن يحصر في هذا المختصر، فمن طلب الوقوف على ذلك مستوفى فهو في كتاب (الحدائق الوردية) لكن لا بد من ذكر طرف من شأنه؛ تبركاً بفضله وإيمانه وكشفاً لتبريزه على أقرانه، وسعادة شيعته وأعوانه، فأقول: هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، نسب دونه فلق الصباح الأنور، بل شعاع الشمس والقمر، ولله القائل:
آمل أن يعطيني.... ربي أقصى أملي
بحب زيد بن علي.... بن الحسين بن علي
وأمه أم ولد اسمها: (جيداء) واشتراها المختار بن أبي عبيد بثلاثين ألف درهم، وقال: ما أرى أحداً أحق بها من علي بن الحسين، فبعث بها إليه.(1/271)


[قالوا] : وقد كان رأى تلك الليلة رسول الله ًآخذاً بيده فأدخله الجنة فزوجه حوراء. قال: فواقعتها [فعلقت] فصاح بي رسول الله ً: يا علي، سم المولود منها زيداً، قال: فما قمنا حتى أرسل[لي] المختار بأم زيد، وكانت ولادته -عليه السلام- سنة 75 وكان يشبَّه بأمير المؤمنين في الفصاحة، والبلاغة، والبراعة، وكان يعرف في المدينة: بحليف القرآن.
قال خالد بن صفوان : انتهت الفصاحة، والخطابة، والزهادة، والعبادة من بني هاشم إلى زيد بن علي -عليه السلام-، قال: شهدته عند هشام وقد تضايق به مجلسه وهو يخاطبه وروي أنه دخل عليه يوماً وعنده يهودي، فأخذ اليهودي يسبُّ رسول الله ً ويتبجح، ويتكلم في تلك الحضرة فزجره زيد، فقال هشام: لا تؤذينا في مجلسنا وجليسنا والقصة مشهورة، فخرج زيد مغاضباً مغتاظاً مما شاهد وكان ذلك أحد الأمور الداعية [له] إلى القيام، والدعاء إلى الله، وهذا معنى قول السيد صارم الدين: وصغر الأحول؛ لأن هشاماً كان أحولاً، وقد أشار إلى هذا الفرزدق في قوله:
أيحبسني بين المدينة والتي.... إليها جميع الناس مهوى منيبها
يقلب رأساً لم يكن رأس سيد.... وعيناً له حولاء باد عيوبها(1/272)


[ذكر الحول وماهيته وما يشبهه من عاهات الملوك]
وإذ قد عرض ذكر الحول، فلنذكر ما هيته، وشيئاً مما قيل فيه، وفيما هو يشبهه من عاهات الملوك، والرؤساء، أما ماهيته فقال بعضهم: إنه تغير في الحدقة، بحيث يرى من هو به الشخص شخصين، وحكي أن بعضهم ذكر هذا المعنى وكان له ولد أحول، فقال: يا أبت، لو كان ذلك صحيحاً لرأيت هذين الديكين أربعة، وما ثم إلا ديك واحد؛ فضحك أبوه والحاضرون، وقال بعضهم: إن الأحول يرى الشيء شيئين ليس على إطلاقه، بل إنما ذلك إذا كان حوله هو اختلاف إحدى الحدقتين بالانخفاض والارتفاع، وأما إذا كان سبب اختلاف العينين يمنة ويسرة فلا.قال: وإنما يؤيد ذلك أن الإنسان إذا غمز إحدى حدقتيه حتى تخالف الأخرى يمنة أو يسرة؛ فإنه يرى الشيء شيئين وقد أحسن بعض الأدباء إذ يقول:
يجىء إلينا بالقليل يظنه.... كثيراً وليس الذنب إلا لعينيه
ومن سوء حظي أن رزقي مقدر.... براحة شخص يبصر الشىء مثليه
والحوَلُ من جملة العاهات.
قالوا: وأصحاب العاهات من الملوك: الأسكندر كان أخنف أنو شروان كان أعور، يزدجر كان أعرج، جذيمة الوضاح كان أبرص، النعمان بن المنذر[كان] أحمر العينين والشعر، عبد الملك بن مروان كان أبخر، يزيد بن عبد الملك كان أفقم أخوه هشام المذكور أحول، مروان الحمار كان أشعر أزرق، عبد الله بن الزبير كوسج موسى الهادي كانت شفته العلياء[كان] فيها تقلص، وكان أبوه المهدي قد رأيت معه خادماً يلازمه متى غفل وفتح فاه. قال: موسى أطبق؛ فجرى عليه هذا النبز موسى أطبق.(1/273)


[رجع الكلام إلى ذكر الإمام زيد(ع)]
رجع كلامنا إلى ذكر زيد بن علي –عليه السلام-.
روى في (الحدائق الوردية) عن ابن عباس، قال: بينا علي -عليه السلام- بين أصحابه إذ بكى بكاءً شديداً[حتى لثقت لحيته] فقال له الحسن عليه السلام : يا أبتِ، ما لك تبكي؟ قال: يا بني، لأمور خفيت عنك، أنبأني بها رسول ً، فقال: [و] ما أنبأك رسول الله ً؟ فقال : يا بني، لولا أنك سألتني ما أخبرتك؛ لئلا تحزن، ويطول همك، أنبأني رسول الله ً فذكر حديثاً طويلاً، قال فيه: ((يا علي، كيف أنت إذا وليها الأحول اللئيم، الكافر الذميم فخرج عليه خير أهل الأرض[من] طولها والعرض)؟ قلت: يا رسول الله، من هو؟ قال: ((يا علي، رجل أيدَّه الله بالإيمان، وألبسه[الله] قميص البر والإحسان، فيخرج في عصابة يدعون إلى الرحمن، أعوانه [من] خير أعوان، فيقتله الأحول ذو الشنئان، ثم يصلبه على جذع [من] رمان، ثم يحرقه بالنيران، ثم يضربه بالعسبان، حتى يكون رماداً كرماد النيران، ثم يصير[إلى الله عز وجلَّ] روحه وأرواح شيعته إلى الجنان)).(1/274)


وروي أن علياً -عليه السلام-: خطب خطبة على منبر الكوفة، وذكر أشياءاً وفتناً، حتى قال: يملك هشام تسع عشرة سنة، وتواريه أرضاً رصافة رصفت عليه النار، مالي ولهشام جبَّار عنيد، قاتل ولدي الطيب المطيَّب، لا تأخذه رحمة ولا رأفة، يصلب ولدي بكناسة الكوفة، زيد في الذروة الكبرى من الدرجات العليا فإن يقتل زيد فعلى سنة الله... الحديث واختلف في سبب ظهوره، فقال في (الحدئق الورديه): السبب في ذلك أن هشاماً[لعنه الله] ألزمه الخروج من الشام، وقد وصل إليه إلى هناك هو وخصوم معه ادعى عندهم مالاً، فألزمهم هشام بن عبد الملك الخروج إلى العراق، والوالي بها يومئذٍ يوسف بن عمر بن محمد الثقفي في قصة طويلة، خلاصتها: أنه لما وقع فصل القضية أراد زيد الرجوع إلى المدينة، فأتته الشيعة، وقالوا: أين تخرج عنَّا -يرحمك الله-، ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة، والبصرة، وخراسان يضربون بها بني أمية دونك، وليس قبلنا من أهل الشام إلا عدة يسيرة، فأبى عليهم، فلم يزالوا يناشدونه، حتى رجع بعد أن أعطوه العهود والمواثيق، فقال له محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وقد كان من جملة من خرج معه من عند هشام لتلك الخصيمة : أذكرك الله -أبا الحسين- لما لحقت بأهلك، ولم تقبل قول أحد[من] هؤلاء، فإنهم لا يفون لك، وإنهم أصحاب جدك الحسين، قال: أجل، وهم بالرجوع إلى المدينة، وقيل: بل أصرم على رأيه، وأنشد أبياتاً ستأتي في سياق ذكر من قال: إن السبب في خروجه لا على هذه الصفة.(1/275)

55 / 205
ع
En
A+
A-