بالنيران فإذا هو عبيد الله بن زياد، فبعث ابن الأشتر برأسه إلى المختار، فجلس بالقصر، وألقيت الرؤوس حوله، فألقاها في المكان الذي وضع رأس الحسين فيه.
قال بعض الرواة: فبينا أنا واقف عند الرؤوس بالكناسة في بعض الأيام، إذ قال الناس: قد جاءت، قد جاءت، فإذا بحية عظيمة تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري[عبيد الله] بن زياد، وخرجت فغابت ساعة، ثم عادت، ففعلت كذلك ثلاثة أيام، وفي رواية: ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً.
قال الراوي: أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
قلت: ورثي الحسين -عليه السلام- بما لم يرث به [أحد] غيره فيما علمت من الكثرة وفي كل زمان ومكان، وناحت عليه الجن، وذلك مشهور مذكور، أذكر منها ما أنشده الشريف الرضي الموسوي ؛ تبركاً بذكر المرثَّى والمرثي، وتأدية لبعض أجر ذوي القربى، نقلتها من (الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية).(1/266)


[قصيدة للشريف الرضي في رثاء الحسين بن علي -عليه السلام-]
قال الشريف المذكور:
ولقد حبست على الديار عصابة.... مضمومة الأيدي على أكبادها
حُسُراً أجادت بالبكاء عيونها.... وتغص بالزفرات من إيرادها
وقفوا بها حتى كأن مطيهم.... كانت قوائمهنَّ من أوتادها
هل يطلبون من النواظر بعدكم.... شيئاً سوى عبراتها وسهادها
شغل العيون عن البكاء بكاؤنا.... لبكاء فاطمة على أولادها
أ ترى درت أن الحسين طريدة.... لفتى بني الطرداء عند ولادها
كانت مآتم بالعراق تعدها.... أموية بالشام من أعيادها
ماراقبت غضب النبي وقد غدا.... زرع النبي مطية لحصادها
جعلت رسول الله من خصمائها.... فلبئس ما ذخرت ليوم معادها
نسل النبي على صعاب مطيها.... ودم النبي على رؤوس صعادها
وا لهفتاه!! لعصبة علوية.... تبعت أمية بعد عزَّ قيادها
جعلت عذار الذل في آنافها.... وغلاظ وسم الضيم في أجيادها
استأثرت بالأمر عن غياتها.... وقضت بما شاءت على شهادها(1/267)


طلبت بثأر الجاهلية عندها.... وشفت قديم الغل من أحقادها
زعمت بأن الدين سوغ قتلها.... أو ليس هذا الدين عن أجدادها
الله سائلكم على أرواحها.... فكسبتم الآثام في أجسادها
أخذت بأطراف الفخار فعاذر.... أن يصبح الثقلان من حسَّادها
يروي مناقب فضلها أعداؤها.... أبداً وتسنده إلى أضدادها
يا عترة. الله. اغضبي. لنبيه.... وتزحزحي بالبيض من أغمادها
قف لي ولو لوث الإزار فإنما.... هي مهجة علق الهوى بفؤادها
بالطف حيث غدا مراق دمائها.... ومناخ أينقها ليوم جلادها
القفر من أوراقها والطير من.... إطراقها والوحش من عوادها
هذا المقال وما بلغت وإنما.... هي حلية خلعوا عذارجوادها
أقول جادكم الربيع وأنتم.... في كل منزلة ربيع بلادها
أغنى ضياء الشمس عن أوصافها.... بضيائها وحلالها وبعادها(1/268)


[أخبار الإمام الحسن بن الحسن المثنى بن علي - عليهم السلام-]
وبالإمام المثنى بعده فتكت.... فتكاً أقرَّ ابن مروان على السرر
[ونكت ابن زياد بالقضيب له.... ما كان يلثم منه خاتم النذر]
المراد بالإمام المذكور في هذا البيت هو: الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -عليهم السلام-، وأمه خولة بنت منظور بن زيان الفزاري عقد بها ابن الزبير للحسن، لأن أباها كان خافياً فخرج منظور فركز رايته بين فزارة فلم يبق قيسي إلا دخل تحتها، وقال: أمثلي يقتات عليه في ابنته، فردَّها له الحسن فسار بها، فقالت له ابنته: ويلك!! إنه الحسن بن علي بن رسول الله ً أمثله يردَّ؟! فندم ووقف، ثم قال: إن كان له رغبة فهو يلحقنا، فلحقه الحسن وردَّها له، فولدت له الحسن فكان مشهوراً فضله، ظاهراً نبله، وكان له مواقف عظيمة بين يدي عمه الحسين بن علي -عليه السلام- في كربلاء، وكان فارساً، له يومئذٍ عشرون سنة، وقتل يومئذٍ من جنود الضلال عدة، وأصابته اثنتا عشرة جراحة حتى أرتث في وسط القتلى، فحمله خاله أسماء بن خارجة الفزاري، وردَّه إلى الكوفة، فداواه حتى عوفي، وانصرف إلى المدينة، وكان السبب في قيامه وبيعته عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ولاَّه الحجاج سجستان، فسار إليها في جيش عظيم قدر ثلاثين ألفاً، فخلع عبد الملك والحجاج، وهمَّ بأن يدعو إلى نفسه، فقال له من معه من علماء الكوفة والبصرة: هذا لا يتمَّ إلا برجل من قريش، فراسلوا علي بن الحسين والحسن هذا، فامتنع علي بن الحسين، وقال الحسن: ما لي رغبة عن القيام بأمر الله، ولكن لا وفاء لكم تبايعوني، ثم(1/269)


تخذلوني، ولم يزالوا به حتى أجاب، وأخذ عليهم الأيمان المغلظة، وخرج إليه منهم عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو البختري الطائي والشعبي وأبو وائل شقيق وابن سيرين والحسن البصري وجماعة من الأعيان، وتلقب بالرضى، وفي بيعته عليه السلام يقول بعضهم:
أبلغ أبا الذبان مخلوع الرسن.... أن قد مضت بيعتنا لابن الحسن
ابن الرسول المصطفى والمؤتمن.... من خير فتيان قريش ويمن
والحجة القائم في هذا الزمن
ثم خرج ابن الأشعث ولقيه الحجاج، واشتد القتال بينهم ثلاث سنين، كان بينهم سبعون وقعة كل ذلك على الحجاج سوى وقعتين، وتقوَّى أمر ابن الأشعث، ودخل الكوفة، فخطب للحسن بن الحسن حتى إذا كان [يوم] الجمعة الثانية أسقط اسمه، فلما كانت وقعة [دير الجماجم] انهزم فيها ابن الأشعث وتوارى الحسن بأرض الحجاز وتهامة حتى مات عبد الملك[لعنه الله] فلما ولي الوليد بن عبد الملك[لعنهما الله] اشتد طلبه له حتى دسَّ إليه من سقاه السمَّ، وحمل إلى المدينة ميتاً، وهو في ثلاث وثلاثين سنة وقيل: سبع وثلاثين سنة، ودفن بالبقيع، وله أولاد محمد وبه يكنى، أمه رملة بنت سعيد بن عمر بن نفيل وعبد الله، وإبراهيم، والحسن، وحبيبة، وزينب، وأم كلثوم، وهؤلاءأمهم فاطمة بنت الحسين -عليهم السلام-، ومن أولاده: جعفر، وداود وفاطمة، ومليكة، وأم القاسم، أمهم أم ولد.(1/270)

54 / 205
ع
En
A+
A-