وللحسين -عليه السلام- فيه من أبيات يرثيه بها:
أأدهن رأسي أم تطيب مجالسي.... وخدك معفور وأنت سليب
أأستمتع الدنيا بشيء أحبه.... ألا كل ما يدني إليك حبيب
أشرب ماء المزن أم غير مائه.... وما لدموعي في الإناء غروب
أفلا زلت أبكي ما تغنت حمامة.... وما هب في الدنيا صبا وجنوب
بكائي طويل والدموع غزيرة.... وأنت بعيد والمزار قريب
ولما مضى عني أخي ذقت حرقة.... به لم يذقنيها سواه غريب
وليس حزيناً من أصيب بماله.... ولكن من وارى أخاه حريب
وما قطرت عيني من الماء قطرة.... وما اخضر في دوح الحجاز قضيب(1/251)


فصل في ذكر الحسين [بن علي] - عليه السلام-.
هو أبو عبد الله الحسين بن علي -عليهما السلام-، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان بين ولادتها للحسن، وعلوقها بالحسين خمسون ليلة، ولد -عليه السلام- لخمس ليال خلون من شهر شعبان سنة أربع من الهجرة وأذنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أذنه عند ولادته، وعقَّ عنه في اليوم السابع، وحلقت أمه -عليها السلام - رأسه، وتصدقت بوزنه فضة على المساكين.
وروي أن فاطمة لما ولدت الحسن، قالت لعلي: سمه. قال علي -عليه السلام-: وكنت رجلاً أحب الحرب، فأحببت أن أسمه حرباً، ثم قلت: ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسمه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل له: سمه، فقال: ((ما كنت لأسبق ربي عزَّ وجلَّ )) فأوحى الله إلى جبريل أنه ولد لمحمد ابن فاهبط وأقرئه السلام، وهنئه، وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون، فهبط جبريل –عليه السلام- فهنَّأه من الله تعالى، ثم قال: إن الله يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون، فقال: وما كان اسمه؟ قال : شبر، قال : لساني عربي. قال: فسمه الحسن؛ فسماه الحسن.
فلما ولد الحسين أوحى الله إلى جبريل: قد ولد لمحمد ابن فاهبط وهنئه، وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون؛ فلما نزل وهنأه وبلغه الرسالة. قال: وما كان اسم ابن هارون؟ فقال: شبير. قال: لساني عربي. قال: فسمه الحسين. قال: فسماه الحسين.(1/252)


وكان يشبه النبي ً من سرته إلى قدمه، وكان شديد البياض حتى أنه [كان] يهتدى إلى موضعه في الليل المدلهم؛ لشدة بياض وجهه ونحره وكيف لا وهو ابن محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، وخامس أهل الكساء، الذين شهد بتطهيرهم التنزيل، وأثنى عليهم الملك الجليل. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }[الأحزاب:33] فهم المطهرون من الأدناس، ومفضلون على جميع الجنة والناس، ولله القائل:
بأبي خمسة هم جنبوا الرجـ.... ـس كرام وطهروا تطهيرا
أحمد المصطفى وفاطم أعني.... وعلياً وشبرا وشبيرا
من تولاهم تولاه ذو العر.... ش ولقَّاه نظرة وسرورا
وعلى مبغضيهم لعنة اللـ.... ـه ولقاهم المليك سعيرا
وعن النبي ً أنه قال: ((حسين مني وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط)). وبويع -عليه السلام- وانتصب للأمر عند ورود نعي معاوية إلى المدينة، وطلب أن يبايع ليزيد، فخرج ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب سنة ستين، فدخل مكة ليلة الجمعة لثلاث خلون من شعبان، ووردت عليه كتب أهل الكوفة كتاب بعد كتاب إلى مكة بالبيعة له في ذي الحجة من هذه السنة.(1/253)


قال أهل السير: إن معاوية قد كان قال ليزيد فيما أوصاه: قد كفيتك الحل والترحال، وطابت لك البلاد والرجال، وإني لا أتخوف عليك أن ينازعك هذا الأمر إلا أربعة من قريش الحسين، وابن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر فأما ابن عمر فرجل قد وقرته العبادة، وإن لم يبق غيره بايعك، وأما الحسين فإن أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه، فإن خرج عليك وظفرت به فاصفح عنه، فإن له رحماً ماسة وحقاً عظيماً، وأما ابن أبي بكر فليست له همة إلا في النساء واللهو فإن رأى أصحابه قد صنعوا شيئاً صنع مثلهم، وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد، ويطرق إطراق الأفعوان، ويراوغك مراوغة الثعلب فذاك ابن الزبير، فإن وثب عليك وأمكنتك الفرصة منه فقطعه إرباً إرباً. فلما مات معاوية، وكان على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعلى مكة عمرو بن سعيد بن العاص وعلى الكوفة النعمان بن بشير، وعلى البصرة عبيد الله بن زياد، فلم يكن ليزيدهم بعد موت أبيه إلا بيعة النفر الذين سماهم أبوه، فكتب إلى الوليد بن عتبة أن يأخذهم بالبيعة أخذاً شديداً ليس فيه رخصة.(1/254)


فلما وقف على كتاب يزيد بعث إلى مروان فأوقفه على الكتاب واستشاره، فقال: أرى أن تبعث إليهم الساعة فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة، فإن لم يفعلوا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإن علموا وثب كل واحد في ناحية، ودعا إلى نفسه، فأرسل الوليد عمرو بن عثمان إلى الحسين، وإلى ابن الزبير، فوجدهما في المسجد، فقال: أجيبا الأمير؛ فقالا: انصرف فالآن نأتيه، ثم قال ابن الزبير للحسين: أظن [أنه] ما بعث إلينا في هذه الساعة التي ما جرت له عادة بالجلوس فيها إلا لأمر، فقال الحسين: أظن طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا؛ ليأخذ البيعة علينا ليزيد قبل أن يفشو الأمر.
قال ابن الزبير: هو ذاك، فما تريد أن نفعل؟ قال: إمضِ إليه فجمع أهله وفتيانه، ثم قال: إذا دعوتكم فاجتمعوا، فدخل على الوليد ومروان عنده، فأقرأه كتاب يزيد، ودعاه إلى البيعة، فقال: مثلي لا يبايع سراً، بل على رؤوس الناس وهو أحبُّ إليكم، وكان الوليد يحبُّ العافية، فقال: انصرف إلى دعة الله حتى تأتينا مع الناس، فقال له مروان: والله لئن فارقك الساعة، ولم يبايعك لا قدرت عليه أبداً حتى يكثر القتل بينكما، احبس الرجل عندك حتى يبايعك، أو تضرب عنقه؛ فوثب الحسين قائماً، وقال: يا ابن الزرقاء، هو يقتلني كذبت ومنت، ثم خرج فقال الوليد: والله يا مروان، ما أحبُّ أن لي ما طلعت عليه الشمس، وأني قتلت حسيناً.(1/255)

51 / 205
ع
En
A+
A-