[ذكرطرف من أخبار أبي محمد الحسن بن علي، وأخيه أبي عبدالله الحسين بن علي - عليهما السلام - ]
[قال السيد صارم الدين]:
وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسن.... أتت بمعضلة الألباب والفكرِ
سقته سم ابن حرب حين سالمه.... وأمكنت من حسين راحتي شمرِ
[ونكت ابن زياد بالقضيب له.... ما كان يلثم منه خاتم النذرِ]
نفسي فداء قتيل الطف ما فعلت.... به البغاة وما لاقاه من ضررِ
البيت الأول استعاره كله السيد صارم الدين وهو من أبيات (البسامَّة) وكذلك عجز البيت الثاني، وابن هند هو معاوية بن أبي سفيان وقد تقدَّم طرف من ذكره.(1/246)
وأما الحسن بن علي فمناقبه وفضائله أشهر من أن تذكر في هذا المختصر، لكن أذكر مولده ومدة خلافته ووفاته حسبما جرت به عوائد أهل السير للتبرك بذكره -عليه السلام-، فأقول: هو أبو محمد الحسن بن علي، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، روي أنه لما أخذها الطلق، أخبر بذلك رسولً، فأرسل إلى أسماء بنت عميس وإلى عائشة، وقال: ((انطلقا إلى فاطمة فإذا وضعت ما في بطنها فاقرآي فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وآخر سورة الحشر، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، وأعلماني بما وضعت))؛ ففعلتا ذلك وبعثتا إليه؛ فأذنَّ في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، ولثَّاه بريقه فحنَّكه، وقال: ((اللهمَّ، إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم )) وجاء علي عليه السلام فقال: ((ما سميته))؟ فقال: حرب، يا رسول الله، فقال: ((هو حسن، ومن بعده حسين، وأنت أبو الحسن القرم)) ثم جاءت به أمه تحمله بعد ذلك، فقالت:[يا رسول الله] أنحل ابني. فقال: ((قد نحلته المهابة والحياء، ونحلت حسيناً الشجاعة والجود، وهما سيدا شباب أهل الجنة، ومن أحبهما فبحبي أحبهما، ومن أبغضهما وبغى عليهما فببغضي أبغضهما)).
وولد الحسن للنصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة عام بدر بعد الوقعة، وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليوم السابع كبشاً، وحلقت رأسه أمه فاطمة، وتصدقت بوزنه فضة على المساكين.(1/247)
ومما ورد فيه وفي أخيه وفي أبيه وفي أمه من التفضيل: ما روي أنه قال لهمً جميعاً: ((أنا حرب لمن حاربتم سلم لمن سالمتم )). وقالً:((لما أسري بي رأيت على باب الجنة مكتوباً بالذهب: لا إله إلا الله، محمد حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم علي ولي الله، فاطمة أمة الله، الحسن والحسين صفوة الله، على باغضهم لعنة الله)).
وعنه ً أنه قال للحسن: ((اللهم، أحبَّهُ وأحبَّ من يحبَّه )). وعنه ً أنه قال: ((إن ابنيَّ هذا سيد، ومن أحبنَّي فليحبَّ هذا في حجري )).
وعن سلمان -رضى الله عنه- قال: قال: رسول الله ً: ((الحسن والحسين من أحببهما أحببته، ومن أبغضهما أبغضته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة جنة النعيم، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار نار جهنم خالداً فيها وله عذاب مقيم)).
وبويع له -عليه السلام- [من] بعد موت أبيه يوم الإثنين، لثمان بقين من شهر رمضان سنة أربعين، وكان من كلامه -عليه السلام- بعد خطبة البيعة أن ذكر علياً، وقال: خاتم الوصيين، ووصي خاتم الأنبياء، وأمير الصديقين والشهداء والصالحين.
ثم قال: أيها الناس، لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون، لقد كان رسول الله يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتى يفتح الله عليه، ما ترك ذهباً ولا فضة إلا شيئاً [كان] على صبي له.(1/248)
وما ترك في [بيت] المال إلا سبعمائة درهم فضلة عن عطائه أراد أن يشتري بها خادمًا لأم كلثوم. ثم قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن [بن علي، و] ابن محمد ً.
ثم تلا قول يوسف -عليه السلام-:{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ }[يوسف:38] أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله [بإذنه] السراج المنير، أنا من بيت كان جبريل ينزل عليهم، وعنهم كان يعرج، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
وأنا ابن الذي أُرسل رحمة للعالمين، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم وولايتهم، فقال فيما أنزل على محمد:{قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} [الشورى:23] واقتراف الحسنة مودتنا.
قالوا: وكان عماله عمال أبيه ولما تجهز للمسير إلى معاوية، وقد كان أحسَّ من أكثر جنده الملل من الحروب، وخشي على نفسه وأهل بيته الهلاك فاضطر إلى صلح معاوية على شرائط، والقصة مشهورة.
فلم يَفِ له معاوية بشيء من تلك الشروط بل استثقل حياته فاحتال في سمه على يدي امرأته أم الحسن جعدة ابنة الأشعث بن قيس، وبذل لها مائة ألف درهم وتزويج ابنه يزيد، فلما سقته السم وفى لها بالمال دون التزويج، فتزوجت بعده في أولاد طلحة، فكان أولادها إذا جرى بينهم وبين غيرهم شيء قالوا: يا ابن مسممة الأزواج.(1/249)
فلما احتضر الحسن -عليه السلام- قال: لقد سقيت السم ثلاث مرات، ما منهنَّ واحدة بلغت مني ما بلغت هذه، لقد تقطعت كبدي وقد أحسن من قال:
تعزَّ فكم لك من أسوة.... تفرج عنك كروب الحزن
بموت النبي وقتل الوصي.... وقتل الحسين وسم الحسن
وتوفي -عليه السلام- بالمدينة وله سبع وأربعون سنة، ومدة خلافته ستة أشهر [وقليل].
وقيل: ست، وقيل: خمس واختلفوا في موته[على] حسب اختلافهم في مبلغ عمره، وكان قد أوصى أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن يخاف أن تراق محجمة دم.
قالوا: فلما سمعت عائشة بذلك: ركبت بغلاً واستنفرت بني أمية، فقال القائل: فيوماً على بغل ويوماً على جمل، فجمع مروان من هناك من بني أمية وأتباعهم.
وبلغ ذلك الحسين -عليه السلام- فجاء[هو] ومن معه في السلاح ليدفنوا حسناً مع النبي وأقبل مروان وأصحابه، وهو يقول: يا رب هيجاء هي خير من دعة. أيدفن عثمان في البقيع، ويدفن الحسن في بيت النبي، والله لا يكون ذلك وأنا أحمل السيف.
فلما كادت الفتنة تستعر، قام عبد الله بن جعفر ومسور بن مخرمة وقال عبدالله بن جعفر للحسين: إنه عهد إليَّ أن أدفنه في البقيع بحقي عليك أن لا تخالفني في ذلك، فدفن في البقيع، وقبره مشهور مع أمه فاطمة -عليهما السلام.(1/250)