وقال آخر يعاتبهم إذ لم يحكِّموا ابن عباس[رضي الله عنه] :
لو كان للقوم رأي يعصمون به.... عند الخطاب رموكم بابن عباس
لله درَّ أبيه أيُّما رجل.... ما مثله لقضاء الحكم. في الناس
لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن.... لم يدر ماضرب أخماس بأسداس
قالوا: وتنازع رجل وامرأة إلى بلال بن أبي بردة [بن أبي موسى ] وكان قاضياً فأمر بالفرقة بين الرجل وامرأته، وكانت المرأة محبة للبقاء مع زوجها؛ فقالت: قبحكم الله من أهل بيت ما خلقتم إلا للفرقة بين المسلمين.
قالوا: وأمرَّ بعض الملوك أميرين له أحدهما من ذرية أبي موسى، والآخر من ذرية روح بن روح بن زنباع فجعل ذلك الملك يتوصاهما، ويكثر التوصية ويؤكدها على ابن روح المذكور، فقال: يا أمير المؤمنين: أراك أكثرت عليَّ وأنت تعلم أن جد هذا خدع دون جدي، فكان أحق مني بتأكيد وصيتك فضحك السلطان، وأظنه عبد الملك بن مروان، ووجم الأشعري.(1/226)


[طرف من أخبار مروان بن الحكم]
قلت: والمراد بمروان في منظومة السيد صارم الدين هو مروان بن الحكم.
قال ابن أبي الحديد في شأنه: وأما مروان فأذم وأقل من أن يذكر في الصحابة؛ لأنه كان مجاهراً بالإلحاد هو وأبوه الحكم بن أبي العاص، وهما الطريدان اللعينان، كان أبوه عدو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحكيه في مشيته ويغمز عليه عينه ويُدْلِع له لسانه، ويتهكم به، ويتهافت عليه، وهو في قبضته، وتحت يده، وفي دار دعوته بالمدينة، وهو يعلم أنه قادر على قتله أي وقت شاء من ليل أو نهار، فهل يكون هذا إلا من شأنئ شديد البغضة، ومستحكم العداوة حتى أفضى أمره إلى أن طرده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المدينة وسيَّره إلى الطائف، ومروان فأخبث عقيدة، وأكثر إلحاداً وكفراً منه وهو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسين -عليه السلام- إلى المدينة فقد حمل الرأس على يديه، وقال:
يا حبذا بردك في اليدين.... وحمرة تجري على الخدين
كأنما بتُّ بمسجدين
ثم رمى بالرأس إلى قبر رسول الله ً وقال: يا محمد يوم بيوم بدر، وهذا القول مشتق من الشعر الذي قاله يزيد بن معاوية لابن الزبعري يوم وصله برأس الحسين، والخبر مشهور.
وأما بسر المذكور في آخر البيت فقد تقدم ذكره فلا فائدة في إعادته.(1/227)


[طرف من أخبار الوليد بن عقبة]
لكن نلحق بمن ذكره السيد في هذا البيت الوليد بن عقبة؛ لأنه من كبار أعداء [أمير] المؤمنين، بل من أعداء الدين، وقد سماه الله الفاسق في كتابه المبين؛ لأنه لاحى علياً ونابذه في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: أنا أثبت منك جناناً، وأحد لساناً. فقال له علي عليه السلام : اسكت يا فاسق؛ فأنزل الله فيهما: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُونَ }[السجدة:18].
وسماه الله فاسقاً في آية أخرى، وهي قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا …}[الحجرات:6] الآية؛ لأنه كذب على بني المصطلق، وادعى أنهم منعوه الزكاة، وكان الوليد مذموماً معيباً عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرهه ويعرض عنه، وأبوه عقبة بن أبي معيط هو العدو الأزرق بمكة، وكان يؤذي النبيفي نفسه وأهله، وأخباره في ذلك مشهورة.
فلما ظفر به النبي ً يوم بدر ضرب عنقه فورث ابنه الشنآن والبغضاء لمحمد وأهله منه، فلم يزل على ذلك إلى أن مات، وهو أحد الصبية الذين قال أبوه فيهم، وقد قدَّم لضرب عنقه: من للصبية يا محمد؟ فقال: ((النار، اضربوا عنقه )).
وللوليد شعر يقصد فيه الرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال:((وإن ولوها علياً يجدوه هادياً مهدياً)).
فقال الوليد: من أبيات يذكر فيها يوم قتل، واختلف في [موضع] قبره -عليه السلام-:
فإن يك قد ضل البعير بحمله.... فما كان مهدياً ولا كان هاديا(1/228)


[ذكر موضع قبر أمير المؤمنين علي - عليه السلام-]
وذلك لأن علياً -عليه السلام- لما قتل قصد بنوه إخفاء قبره؛ خوفاً من بني أمية[لعنهم الله] أن يحدثوا في قبره حدثاً، فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة أوهام مختلفة، فشدوا على جمل تابوتاً موثقاً بالحبال تفوح منه روائح الكافور، وأخرجوه من الكوفة في سواد الليل بصحبة ثقاتهم يوهمون أنهم يحملونه إلى المدينة، فيدفنونه عند فاطمة، وأخرجوا بغلاً وعليه جنازة مغطاة يوهمون أنهم يدفنونه بالحيرة، وحفروا حفاير عدة منها بالمسجد، ومنها برحبة القصر قصر الإمارة، ومنها في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة المخزومي، ومنها في أصل دار عبد الله بن يزيد القشيري بخرابات الوراقين مما يلي قبلة المسجد[ومنها في الكناسة، ومنها في الثَّويَّة] فعمي على الناس موضع قبره، ولم يعلم به على الحقيقة إلا بنوه والخواص المخلصون من أصحابه، فإنهم خرجوا به وقت السحر من الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان، فدفنوه بالنجف، بالموضع المعروف بالغري، بوصاة منه –عليه السلام-، وعهد كان عهده إليهم [وعمي موضع قبره على الناس] فاختلف الآراجيف في صبيحة ذلك اليوم[اختلافاً شديداً، وافترقت الأقوال في موضع قبره الشريف، وتشعبت] فادعى قوم [من طي] أن جماعة من طي وقعوا على جمل في تلك الليلة، وقد ضلَّ أصحابه ببلادهم، وعلى ذلك الجمل صندوق فظنوه مالاً؛ فلما رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا به فدفنوا الصندوق بما فيه، ونحروا البعير وأكلوه، وشاع ذلك في بني أمية[وشيعتهم] فاعتقدوه حقاً.
فهذا الذي أشار إليه الوليد الفاسق فاعرفه.(1/229)


[طرف من أخبار الخوارج]
قوله عليه السلام :
ومن موارق جاءت بالبوائق من.... بين الخلائق وانقادت لكل جري
تعدُّ أشقى مراد من أفاضلها.... وذا الثدي وداعي غيها قطري
الموارق هنا: [هم] الخوارج، وسموا موارق؛ لحديث سيأتي، ويسمون أيضاً: الشراة، والحرورية، والمحكمة، ويرضون بذلك، ولا يرضون بتسميتهم المارقة، ويجمع مذهبهم القول بإكفار علي وعثمان ومن أتى كبيرةً، وأصول مذهبهم خمس: الأزارقة منسوبون إلى نافع بن الأزرق والأباضية إلى عبد الله بن يحيى بن أباض، والصفرية إلى زياد الأصفر، والبيهسية إلى أبي بيهس، والنجدات إلى نجدة بن عامر ثم تشعبوا، وأنشأ مذهبهم عند التحكيم عبد الله بن الكوَّى وعبد الله بن وهب وفارقا علياً، ولهم وقائع في التواريخ.
وأما تسميتهم بالموارق، فلما روى ابن إسحاق، عن النبي ًأنه كان يقسم الغنيمة يوم حنين، فوقف عليه رجل من بني تميم، يقال له: ذو الخويصرة، فقال له: يا محمد، قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم. فقال له النبي: ((أجل، فكيف رأيت؟)) فقال: لم أرك عدلت؛ فغضب النبيوقال: ((ويحك!! إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون ؟)) فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، ألا نقتله؟ فقال: ((دعوه، فإنه سيكون له شيعة، يتعمقون في الدين، حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرميَّة، ينظر في السهم فلا يوجد شيء، ثم في القدح فلا يوجد شيء، ثم في الفقو فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم)).(1/230)

46 / 205
ع
En
A+
A-