[الرأي في معاوية وشيعته]
[قال السيد صارم الدين]:
فليس يسمع منَّا في أفاضلهم.... إلا ثناء كنشر المندل العطرِ
وإن جفونا وحالوا عن مودتنا.... ولم يراعوا وصاة الله في العترِ
فالصبر شيمة أهل البيت إن ظلموا.... وهل يكون كريم غير مصطبرِ
والعن معاوية الطاغي وشيعته.... فهم ذوو الفسق والفحشاء والنكرِ
هذه صيغة الأمر، وهي معطوفة على قوله: فرض عنهم، يعني إن لك الترضية عن كبار الصحابة أو التوقف.
وأما معاوية وشيعته فالعنهم، وهل الأمر يقتضي الوجوب أم لا؟ فيه خلاف مشهور وكلام السيد صارم الدين هنا فيه إلمام بقول الصاحب بن عباد:
قالت: معاوية الطاغي أتلعنه.... فقلت: لعنته أحلى من العسل
قالت: أيكفر فيما قد أتى وعتا.... فقلت: إي وإله السهل والجبل
قال ابن أبي الحديد: ومن كبار شيعة معاوية عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومروان بن الحكم، والوليد بن عقبة وحبيب بن مسلمة وبسر بن أرطأة وحوشب وذو الكلاع وشرحبيل بن السمط وأبو الأعور السلمي،[والضحاك بن قيس ] قال: وكان أمير المؤمنين يقنت في الفجر وفي صلاة المغرب ويلعن معاوية، وعمراً،والمغيرة، والوليد،[وحوشب، وذا الكلاع، وشرحبيل بن السمط] وأبا الأعور، والضحاك بن قيس، وبسر بن أرطأة، وأبا موسى الأشعري ومروان بن الحكم.(1/206)
وروى ابن أبي الحديد بسنده عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال: أتيت مسجد رسول الله ً والناس يقولون: نعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسوله، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: معاوية قام الساعة، فأخذ بيد أبي سفيان، فخرجا من المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لعن الله التابع والمتبوع، رب يوم لأمتي من معاوية ذو الأستاه)). قال : يعني كبير العجز.
وروي أيضاً أن رسول الله ً قال لمعاوية: ((لتتخذنَّ -يا معاوية- البدعة سنة، والقبيح حسناً، أكلك كثير، وظلمك عظيم)).
واعلم أنه لا خلاف بين الشيعة أجمع والمعتزلة، وأكثر فرق الأمة أن معاوية وعمرو بن العاص من أهل عداوة الله، وأنها تجب البراءة منهما؛ لفسقهما ومحاربتهما أمير المؤمنين حتى قتل بسببهما عدة من المهاجرين والأنصار وغيرهم من مشاهير المسلمين، بل قد ادعى بعض العلماء أن معاوية كافر، وروي عنه أشياء استدل بها على كفره، وهي مذكورة في مواضعها.
قال ابن أبي الحديد: ولا ريب في ظهور ضلاله وبغيه، وكل باغ غاو، وأنه [كان] مهتوك الستر، كثير الهزل والخلاعة، ولا يتستر إلا منذ [خرج] على علي -عليه السلام-، وإلا فقد كان في أيام عثمان شديد التهتك موسوماً بكل قبيح، وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلاً خوفاً منه، إلا أنه كان يلبس الحرير والديباج، ويشرب في آنية الذهب والفضة، ويركب البغلات ذوات السروج المحلاة وعليهنَّ جلال الديباج والوشي، ونقل الناس عنه في كتب السير: أنه كان يشرب الخمر في أيام عثمان بالشام.(1/207)
فأما من بعد وفاة أمير المؤمنين واستقرار الأمر له فقد اختلف فيه، فقيل: أنه شربها في ستر، ولا خلاف أنه سمع الغناء وطرب عليه.
وقد ذكر أهل السير كثيراً من تلعب الرجلين بالدين، واستعمالهما كيد المسلمين على وجه يدل على أنهما لم يكونا يرجعان إلى حدود الشريعة، بل كان همهما إطفاء نور الله؛ لشيء كان عندهما من أمر الجاهلية والحسد لبني هاشم، ولو أمكنهما قلب الإسلام وإعادة الجاهليه لفعلا، لكن أبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.(1/208)
[ذكر أويس القرني]
قوله:
أردوا أويساً وعماراً لشقوتهم.... والسيدين وما أبقوا على حجرِ
أبرأ إلى الله من عمرو وصاحبه.... والأشعري ومروان ومن بُسرِ
أقول: إن السيد صارم الدين قد جمع في هذين البيتين قصصاً، وحوادث كانت بسبب معاوية[عليه اللعنة] وتصدره لما لا يستحقه، وأنا أشير إلى طرف من ذلك على وجه لطيف، فأبدأ بما بدأ به السيد صارم الدين، وهو ذكر سيد السالكين، وعلم الناسكين: أويس[القرني] رحمه الله تعالى ثم أتبعه بذكر علم الصحابة النجباء، المبالغ في تأدية حق ذوي القربى، [قمر الشيعة السامر، ومثلهم السائر] : عمار بن ياسر، ثم أثلث بذكر السيدين الشبيهين بالفرقدين، ثم أربع بذكر حجر بن عدي البريء من الشين والمين، الذي باء قاتله بخسارة الدارين.
فأقول: إن الفقيه حميد المحلي رحمه الله[تعالى] ذكر أن أويس بن عامر ممن حضر صفين، وكذلك الإمام المهدي أحمد بن يحيى -عليه السلام- أشار إلى ذلك في (شرح سيرة البحر) كما أشار إليه السيد صارم الدين هنا، وكذلك رواه اليافعي في (روض الرياحين) لأنه قال.(1/209)
وفي الحديث، عن أبي هريرة، أن رسول الله ً قال:((إن الله يحب من خلقه الأصفياء، الأخفياء، الأبرياء الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخميصة بطونهم، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذنوا)) -إلى أن قال- قالوا: يا رسول الله، كيف لنا برجل منهم؟ فقال: ((ذلك أويس القرني)). قالوا: وما أويس القرني؟ قال: ((أشهل ذو صهوبة بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، آدم[اللون] شديد الأدمة، ضارب بذقنه، رام بصره إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، ذو مئزر صوف، ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض، معروف في أهل السماء، لو أقسم على الله لأبره، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، وقيل لأويس: قف فاشفع ؛ فيشفع في مثل ربيعة ومضر، يا علي ويا عمر إذا أنتما لقيتماه، فاطلبا إليه أن يستغفر لكما)).
قال: فكانا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه؛ فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر، قام على[جبل] أبي قبيس فنادى بأعلى صوته: يا أهل اليمن، أفيكم أويس [القرني] ؟ فقام إليه شيخ كبير، طويل اللحية فقال: إنا لا ندري ما أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له: أويس، وهو أخمل ذكراً، وأقل مالاً، وأهون أمراً من أن نرفعه إليك، وإنه يرعى إبلنا، حقير بين أظهرنا، فَعَمَى عليه عمر كأنه لا يريده، فقال: أين ابن أخيك هذا؟ أيخدمنا هو؟ قال: نعم.(1/210)