وتظهر أهمية الكتاب الذي بين أيدينا من خلال محتوياته فقد اشتمل على فوائد كثيرة في علوم مختلفة، ليس في التاريخ فحسب بل وفي الفقه وأصول الدين والأدب والشعر والمواعظ، وفضائل أهل البيت -عليهم السلام- وغيرها، إلى جانب موضوعه الرئيسي (التأريخ) اعتمد عليه المؤرخون، وقاموا بالنقل من مادته والاستشهاد بما يحتاجونه منه، وما ذاك إلا لأن مؤلفه عالم خبير في هذا الفن، وله باع طويل فيه، وكما قيل في وصفه: (ألمعي الدراية، أصمعي الرواية، له قريحة منقادة، وفطنة وقادة).
كما يعتبر الكتاب من المراجع التأريخية الأساسية للفترة التي عاشها المؤلف وعاصرها وقام بتدوينها في كتابه هذا.
هذا وقد اهتم الزحيف بتوضيح دوافع تأليف كتابه هذا حيث يقول موضحاً سبب تأليفه: ( فإن أفضل القرب رعاية حقوق أهل الرتب، ولا نعلم رتبة لمخلوق أعلى من رتبة الملائكة، ثم الأنبياء، ثم بعدهم رتبة أهل البيت الأصفياء، وقد استأثر الله بتولي ذكر ملائكته وأنبيائه في كتابه المجيد، بما ليس عليه مزيد، فما عسى أن يقول ذو مقول، وإن أوتي بلاغة قدامة وعبد الحميد.(1/16)
وأما أهل بيت المصطفى فقد ندبت الشريعة المطهرة إلى ذكرهم ورعاية حقوقهم من وجوه ليس بها خفا، ومن رعاية حقوقهم مدارسة كتب مناقبهم، ومطالعة تواريخ سيرهم، ولما كنت بحمد الله ممن اختار هذا المذهب الشريف له مذهباً، وجعله له ديدناً وأدباً، وآثر أن يكون أهله له حزباً، منذ عقل قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}[الشورى:23] وكانت محبتي لهم من أجل النعم التي يستدل بها المؤمن على رشده، وقد قالً: ((إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته على عبده)).
أحببت أن أظهر ما قد عرفته من كثرة مطالعتي لفضائلهم في تأليف، وأجمع متفرقات ما حصل لي من غرر فواضلهم في تصنيف لطيف، ما ذلك جهلاً مني بما وضعه أئمتنا وأشياعهم، وغير أشياعهم في ذلك من الكثير الطيب، بل لأني أحببت أن يكون لي في الخير العميم نصيب، ولأن تخليد الإنسان ذكره في كتب الصالحين هو العمر الثاني.
ويضيف قائلاً وموضحاً السبب أيضاً في تأليف كتابه هذا المسمى (مآثر الأبرار في تفصيل مجملات الأخبار) والذي هو شرح لبسامة السيد صارم الدين الوزير المسماة(جواهر الأخبار) ما لفظه:(1/17)
(نعم ولما كانت منظومته هذه-أي بسامة السيد صارم الدين الوزير- الفريدة، وسيرته الجامعة المفيدة المسماة بـ(جواهر الأخبار) من أجل ما نظم في عصرنا في هذا الشأن، لما اشتملت عليه من الإحسان والإتقان، على الأسلوب الذي يعرفه من له أدنى عرفان، وسعي في هذا الميدان، ووقفت عليه وقوف شحيح ضارع في الترب خاتمه، أو حائم أوفقته على المنهل قدمه، دعاني الطرب إلى شرحها، وحملني مابي من الجدب على تنوير صبحها)، التزم الزحيف بشرح أبيات السيد صارم الدين فكان يورد شيئاً منها ثم يقوم بشرحه، والملاحظ أنه عند ذكر أئمة الزيدية اقتصر على ذكر أخبارهم وسيرهم على الإجمال، ولم يتعرض لذكر المعارضين وتواريخ دولهم، وقد نبه على ذلك العلامة أحمد بن محمد الشرفي في مقدمة كتاب(اللآلئ المضيئة (خ)) بقوله: (كنت قد وقفت على كتاب اللواحق الندية للحدائق الوردية للفقيه العلامة بدر الدين محمد بن علي الزحيف-رحمه الله-، فوجدته كتاباً جليلاً مفيداً، خلا أنه لم يتسق في ذكر المعارضين ولا تأريخ دولتهم حيناً بعد حين).
ومن المميزات المنهجية للكتاب أن مؤلفه حرص في أغلب شرحه على ذكر المصادر التي استقى منها مادة كتابه، ونبه على ذلك في مقدمته قائلاً: (اعلم أن أكثر المسطور في شرحي هذا من حد قول الناظم):
وكان أول خطبٍ بين أمته
حيف جرى من أبي بكر ومن عمر
إلى أن بلغت به سيرة المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان منقول من كتابه المسمى بـ(الشافي) إلى قوله:(1/18)
(نعم، وما كان في شرح المنظومة مذكور من بعد الإمام المنصور بالله فإني نقلته من مظان الصحة، وقد عزوته في الأغلب إلى مكانه لفهم من يفهم الإشارة واللمحة، فليكن خاطر الواقف على نقلي هذا طيباً، وليصدق هذا النبأ).
وقد حرصنا على سرد قائمة تتضمن أهم المصادر التي رجع إليها المؤلف، وهي:
الشافي، الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان، المتوفى سنة 614هـ.
شرح نهج البلاغة، أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين المدائني، المعروف بابن أبي الحديد، المتوفى سنة 655هـ.
رسالة تحكي جملة مما أصاب أهل البيت وشيعتهم: أبو بكر الخوارزمي، محمد بن العباس، المتوفى سنة 383هـ.
مروج الذهب ومعادن الجوهر: علي بن الحسين المسعودي، المتوفى سنة 346هـ.
…المصابيح في السيرة: الإمام أبو العباس الحسني، أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم، المتوفى سنة 353هـ.
تتمة مصابيح أبي العباس: العلامة علي بن بلال الآملي، من أعلام القرن الخامس الهجري.
الإفادة في تأريخ الأئمة السادة.: الإمام الناطق بالحق أبو طالب، يحيى بن الحسين الهاروني، المتوفى سنة 424هـ.
تيسير المطالب في أمالي أبي طالب: الإمام الناطق بالحق أبو طالب، يحيى بن الحسين الهاروني.
مقاتل الطالبيين: أبو الفرج الأصفهاني علي بن الحسين، المتوفى سنة 356هـ.
شرح عيون المسائل: الحاكم الجشمي، المحسن بن كرامة، المتوفى سنة 494هـ.
الحدائق الوردية في أخبار الأئمة الزيدية: الشهيد حميد بن أحمد المحلي، المتوفى سنة 656هـ.(1/19)
سيرة الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) المتوفى سنة 298هـ.: علي بن محمد بن عبيدالله العلوي العباسي، المتوفى سنة 297هـ.
الكامل في التاريخ: ابن الأثير، علي بن محمد بن محمد بن عبدالكريم الشيباني الجزري، المتوفى سنة 630هـ.
سيرة الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي يحيى بن الحسين، المتوفى سنة325هـ: عبدالله بن عمر الهمداني، من أعلام القرن الرابع الهجري.
الرياض المستطابة: يحيى بن أبي بكر العامري الحرضي، المتوفى سنة 893هـ.
الدرة اليتيمة: المنصور بالله عبدالله بن حمزة.
مغازي ابن إسحاق: محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، المتوفى سنة 151هـ.
مغازي الواقدي: محمد بن عمر بن واقد السهمي المدني، المتوفى سنة 207هـ.
مقدمة البحر الزخار: الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى، المتوفى سنة 840هـ.
شرح سيرة مقدمة البحر الزخار: الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى.
التحقيق في الإكفار والتفسيق.: أبو القاسم البستي إسماعيل بن علي بن أحمد، المتوفى سنة 420هـ.
وفيات الأعيان: ابن خلكان أحمد بن محمد بن إبراهيم، المتوفى سنة 681هـ.
محاسن الأزهار: الشهيد الفقيه حميد بن أحمد المحلي.
روض الرياحين في مناقب الصالحين: اليافعي عبدالله بن أسعد بن علي، المتوفى سنة 768هـ.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ابن عبد البر، يوسف بن عبدالله بن محمد النمري، المتوفى سنة 463هـ.
النجم الثاقب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب: أحمد بن الحسن الرصاص، المتوفى سنة 621هـ.
تأريخ الطبري، المسمى (تأريخ الأمم والملوك): محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310هـ.(1/20)