قالوا: إنه جلس يوماً للمظالم فأول رقعة وقعت في يده نظر فيها فبكى وقال للذي على رأسه: ناد وكيل فاطمة، فقام شيخ عليه دراعة، وعمامة، وخف، وتقدم فجعل يناظره في فدك، والمأمون يحتجُّ عليه، وهو يحتجُّ على المأمون، ثم أمر أن يسجل لهم بها، فقرأ السجل على المأمون فأنفذه؛ فقام دعبل الخزاعي إلى المأمون، فأنشد الأبيات التي أولها:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا.... برد مأمون هاشم فدكا
فلم تزل في أيدي الفاطميين إلى أيام المتوكل، فأقطعها بعض عماله، وكان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله ً بيده، فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها، فإذا قدم الحاج أهدوا لهم منه فيصلونهم فيصير إليهم من ثمن ذلك مال جليل، فصرم ذلك الوالي الذي أقطعه إياه المتوكل ذلك النخل صرمه له بعض وكلائه، فعاد ذلك الوكيل إلى البصرة ففلج وذكر ابن أبي الحديد عقيب ذلك: أن عمر بن عبد العزيز لما ولي ردَّ فدك على ولد فاطمة، وكتب إلى واليه على المدينة وهو أبو بكر بن عمر بن حزم يأمره بذلك، فكتب إليه: إن فاطمة قد ولدت في آل عمر وآل فلان[وفلان] فعلى من أردَّ منهم؟ وكتب إليه: أما بعد: فإني لو كتبت إليك آمرك بذبح شاة لكتبت إليَّ أجماء أم قرناء؟ أو كتبت إليك بذبح بقرة لسألتني ما لونها؟ فإذا ورد إليك كتابي هذا فاقسمها في ولد فاطمة من علي، والسلام.(1/181)


قال : فنقمت بنو أمية[ذلك] على عمر بن عبد العزيز، وعابوه وقالوا: أهجنت فعل الشيخين، وخرج إليه عمرو بن قيس في جماعة من أهل الكوفة، فلما عاتبوه على فعله قال: إنكم جهلتم وعلمت، ونسيتم وذكرت: إن أبا بكر محمد بن حزم، حدثني عن أبيه، عن جده، أن رسول الله ً قال: ((فاطمة بضعة مني يسخطني ما أسخطها، ويرضيني ما أرضاها)) وإن فدك كانت صافية على عهد أبي بكر وعمر، ثم صار أمرها إلى مروان فوهبها لعبد العزيز [أبي] فورثتها أنا وإخوتي [عنه] فسألتهم أن يبيعوني حصتهم [منها] فمن بايع وواهب حتى استجمعت لي، فرأيت أن أردَّها على ولد فاطمة، فقالوا : فإن أبيت إلا ذلك فامسك الأصل واقسم الغلة، ففعل.(1/182)


[ذكر آية وحديث المباهلة]
وقوله: نفس الرسول كما قد جاء في السور، إشارة من السيد إلى ما رواه المحدّثون: أن وفد نجران قدموا على النبي ً فناظرهم، واحتج عليهم بما يدل على أنهم قد خالفوا ما في التوحيد وغيره، فأنكروا ذلك فنزلت آية المباهلة فتوامر الوفد بينهم بعد أن خرج النبيوأخرج علياً، وفاطمة، والحسنين، فقالت النصارى: والله إنَّا لنرى وجوهاً إن باهلناهم لم يبق على وجه الأرض نصراني.. الحديث، وفي الخبر عن سعد بن أبي وقاص قال: لما نزلت الآية، قوله تعالى:{نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ }...الآية [آل عمران:61] دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة، وحسناً، وحسيناً، وقال: ((اللهم، هؤلاء أهلي )) وفي رواية لسعد أنه قال: لعلي ثلاث، لأن يكون لي واحدة منهنَّ أحبَُّ إليَّ من حمر النعم، لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوحي أدخل علياً، وفاطمة، وابنيهما، ثم قال: ((اللهم، هؤلاء أهل بيتي، فاسترهم من النار كسترتي إياهم)).(1/183)


[المراد من لفظ الوصي إذا أطلق]
وقوله: زوج الوصي.
إعلم أن الوصي إذا أطلق، فقيل: وصي رسول الله ًفالمراد به علي -عليه السلام- حقيقة دون غيره من الصحابة؛ والحجة على ذلك: ما رواه الفقيه حميد، بإسناده إلى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده علي، أنه قال: لي عشر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أحب أن لي بإحداهنَّ ما طلعت عليه الشمس، قال لي: ((يا علي، أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأقرب الخلائق مني في الموقف يوم القيامة، منزلي يواجه منزلك في الجنة كما يتواجه منزل الأخوين في الله، وأنت الولي، والوزير، والوصي والخليفة في الأهل والمال والمسلمين في كل غيبة، وأنت صاحب لوائي في الدنيا [والآخرة] ووليك وليي، ووليي ولي الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله)).
قال الفقيه حميد -رحمه الله-: وقد انعقد الإجماع من الأمة على إطلاق هذه اللفظة -يعني الوصي- على علي -عليه السلام-.
قال: فليت شعري كيف يكون وصياً على الأمة عموماً، والثلاثة المشائخ أئمة قبله، وولايتهم عند من قال بإمامتهم ثابتة عليه، وهل في ذلك إلا المناقضة التي لا تخفى على منصف؟!
رجع إلى قوله :
بعد انقيادهما للحق لو تركا.... رأى المغيرة شيخ المكر والغررِ
لشبهة ما لها أصل لمنتقد.... والشك في صغر الإقدام والكبرِ
الضمير في انقيادهما عائد إلى أبي بكر وعمر وقد تقدم طرف من أمرهما.(1/184)


[المغيرة بن شعبة]
وأما المغيرة: فهو المغيرة بن شعبة الثقفي، [وهو من المعادين لعلي -عليه السلام-] والمراد بالشبهة: ما رواه[الإمام] المنصور بالله في كتاب (الشافي) عن المغيرة أنه قال: أنا أول من صرف هذا الأمر عن أهل هذا البيت، وذلك أني أتيت يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر لازم للباب، فقلت: ما وقفتك ها هنا؟ فقال: أنتظر علي بن أبي طالب يخرج فنبايعه، فقد سمعنا فيه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما سمعنا، فقلت: أنشدك الله عن الإسلام وأهله، والله لئن فعلتم ذلك لتكونن قيصرية وكسروية، ولينتظرن بها الجنين في بطن أمه،قال : فلم يقبل قولي، فذهبت إلى عمر [فلقيته] فقلت [له] : الله الله في الإسلام[وآله] فإني لقيت أبا بكر وهو ينتظر علياً، وقال: كذا[وكذا] وقلت: كذا[وكذا] والله لئن فعلتم هذا لينتظرن بها الجنين في بطن أمه، ولتكونن قيصرية وكسروية.
قال: فخف معي عمر. وكان أبو بكر لا يخالفه فقال عمر لأبي بكر: ما دعاك إلى ما يقول المغيرة، انظر يا أبا بكر لا تطمع في هذا الأمر بني هاشم فإنّا إن فعلنا ذلك ذهبت الإمرة من قريش إلى آخر أيام الدنيا. انتهى.
قالوا: وكان علي -عليه السلام- يقنت بلعنه.كما سيأتي.(1/185)

37 / 205
ع
En
A+
A-