[قال السيد صارم الدين] : هذه الأبيات الثلاثة[الأخيرة] لدعبل بن علي الخزاعي في أهل البيت -عليهم السلام-، وكان دعبل هذا من جملة شعراء الشيعة المجودين[قال السيد صارم الدين] وأئمتنا كثيراً ما يتمثلون بهذه الأبيات في رسائلهم وكتبهم كالإمام أبي الفتح الديلمي والإمام المنصور بالله.
قلت: فإنه قال -عليه السلام- في (الدرة اليتيمة) : وقد أخذ يتألم لأهل البيت -عليهم السلام-، وما فعل معهم وأن أحوالهم أسست على المحن، ونشأت على الهزاهز والفتن.
قال المنصور بالله : وأول عادية عليهم بيعة السقيفة، ثم تبعها ظلم فاطمة الزهراء الشريفة، ثم سبطها الأكبر، وقتل سبطها الأصغر، وصلب زيد بن علي[بن الحسين بن علي] ومثل بولده يحيى في المعركة، وأتلف عبد الله بن الحسن وإخوته وبنو أخيه في المحابس المظلمة، والمطابق الضيقة، وقتل ابناه النفس الزكية، والنفس الرضية محمد وإبراهيم، ومات موسى بن جعفر شهيداً بأيدي النصارى، وسم علي بن موسى الرضا على يد المأمون، وهزم إدريس بن عبد الله إلى بلاد الأندلس فريداً، ومات عيسى بن زيد في بلاد الهند طريداً، وقتل يحيى بن عبد الله بعد الأمان، ووضوح البرهان، وتجبر يعقوب بن الليث على علوية طبرستان، وقتل محمد بن زيد بن حسن بأيدي آل ساسان، وفعل أبو السياج بعلوية الحجاز ما شاع في البلدان من القتل، والتشريد في هجرة الأمان، حتى قال: وعلى الجملة فليس في بيضة الإسلام بلدة إلا وفيها لقتيل طالبي تربة، ثم قال:
فليس حي من الأحياء نعلمه.... من ذي يمان ولا بكر ولا مُضرِ(1/166)
الأبيات الثلاثة.. انتهى كلام المنصور -عليه السلام-، ولعله أخذه من رسالة الخوارزمي التي تقدم ذكرها.
ولنرجع إلى رقم كلام السيد صارم الدين بقلم أحمر من غير شرح لظهور ذلك حتى ينتهي بنا السياق إلى ذكر الأئمة السَّباق، والدعاة الذين شدوا مآزرهم في رضا المليك الخلاَّق، شد الحوامل حبك النطاق، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل الجنة مصيرهم ومأواهم.
قال السيد صارم الدين[رحمه الله] :
فقل لمن رام للأسباب معرفة.... وربما تعرف الأسباب بالفطرِ
حب الرئاسة أطغى الناس فافترقوا.... حرصاً عليها وهم منها على صدرِ
والحق أبلج والبرهان متضح.... وبيننا محكم التنزيل والسورِ
مات النبي أجل الخلق مرتبة.... محمد خاتم الأنباء والنذرِ
نبينا المصطفى الهادي الذي ظهرت.... آياته كظهور الشمس والقمرِ
صلى عليه إله العرش ما سجعت.... ورق الحمام على غصن من الشجرِ
وكان ذلك خطباً من حوادثها.... مسهلاً كل خطب بعده عسرِ(1/167)
[ذكر موت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]
أقول وبالله التوفيق: إن الشروع في تفسير ما أودعه السيد منظومته من سيرة موت النبي وما تلا ذلك من الوقائع، والحوادث، وقيام الأئمة والمقتصدين من هذا المكان على سبيل الاختصار إذ لا طريق إلى غير ذلك من البسط؛ لأنه كان يؤدي إلى أن شرح هذه المنظومة يفوق مائة مجلد، ودليل ذلك أنه ذكر فيها من ولي الأمر من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا الوقت الذي رقم فيه هذا المختصر، وهو عام سنة تسع وتسعين وثمانمائة، ووقع فترات كثيرة في جمعه حتى كمل في شعبان من سنة ست عشرة وتسعمائة، وكل واحد مَّمن ذكره السيد قد سيرت سيرته منهم من احتوت على مجلدين، ومنهم من احتوت على أكثر وأقل، وعلى هذا فقس.
قال ابن إسحاق : في مغازيه بعد أن استكمل ذكر غزوات النبي وسراياه: وكان آخر سراياه سرية أسامة بن زيد إلى الشام فتجهز أسامة، وأوعب معه المهاجرون الأولون.
قال: فبينا الناس على ذلك ابتدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشكواه التي قبضه الله فيها إلى ما أراد به من رحمته وكرامته في ليالي بقين من شهر صفر، أو في أول شهر ربيع الأول، فخرج إلى بقيع الغرقد في جوف الليل فاستغفر لهم، ثم رجع إلى أهله فأصبح مريضاً.(1/168)
وعن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جوف الليل فقال: ((يا أبا مويهبة، قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فانطلق معي)) فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم، قال: ((السلام عليكم، يا أهل المقابر، ليهنأ لكم ما أصبحتم فيه مَّما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، فيتبع آخرها أولها، الآخر شر من الأول)) ثم أقبل عليَّ فقال: ((يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة)). قال: فقلت: بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة. قال: ((لا، والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة)) ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف.
قالوا: ولما كان يوم الإثنين الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح، وكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم فرحاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،وانفرجوا فأشار إليهم أن اثبتوا في صلاتكم، وتبسَّم مسروراً لما رأى من هيئتهم في صلاتهم، ثم رجع إلى بيته فانصرف الناس وهم يرون أنه قد أفرق من وجعه، ثم توفي[رسول الله] عند اشتداد الضحى لاثني عشر ليلة خلت من ربيع الأول، وقيل: لليلتين خلتا منه، وقيل: أوله، ودفن ليلة الأربعاء، أو قيل: ليلة الثلاثاء، مدة علته اثنا عشر يوماً، وقيل: أربعة عشر يوماً، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وقيل: خمس وستين، وقيل: ستين.
قال الإمام المهدي: والأول أصح.(1/169)
وغسله علي والعباس وابناه الفضل وقثم وأسامة بن زيد، وشقران مولياه، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية منسوبة إلى السحول بلدة باليمن وصلى عليه الناس فرادى لا يؤمهم أحد بأمره ً، ودفن حيث توفي حول فراشه وألحد له، و في ذلك يقول حسان بن ثابت -رضي الله عنه-:
بطيبة قبر للنبي ومعهد.... منير وقد تعفو الرسوم وتهمدُ
[إلى أن قال] :
فبوركت يا قبر النبي وبوركت.... بلاد ثوى فيها الرشيد المُسدَّدُ
لقد غيبوا حلماً وعلماً ورحمة.... عشية يعلوه التراب يوسَّدُ
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم.... وقد وهنت منهم ظهور وأعضدُ
يبكون من أبكى السماوات يومه.... ومن قد بكته الأرض فالناس أكمدُ
وهل عدلت يوماً رزية هالك.... رزية يوم مات فيه محمدُ
وهي هكذا إلى آخرها.
قال ابن إسحاق: ولما قبض ً إنحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فوقع الخلاف بين المهاجرين والأنصار.
قال الشيخ أبو القاسم البلخي : فهو أول خلاف وقع بين الأمة، وقد كان الناس[على] عهده ً على دين واحد، وهو تصديقه فيما جاء به من صفات الباري والبعث والجزاء.
قال الحاكم : ولا عبرة باختلاف الأمة في الفروع لتصويب بعضهم بعضاً، [ولا] بخلاف من ارتد إذ ليس من المسلمين، ثم حدث من بعد يوم السقيفة اختلافهم في الشورى، ثم حدث خلاف أهل الجمل.(1/170)