فلما قتل عمرو أخاه، ورجع بالجنود إلى اليمن افترقت عليه حمير حتى ضعف عن الغزو، ثم ندم ندامة عظيمة على قتل أخيه، وامتنع منه النوم فشكى ما لقي من السهاد إلى بعض خواصه، فقالوا له: إنك لا تقدر على النوم حتى تقتل الذين أشاروا عليك بقتل أخيك فأمر بكل من أشار عليه بقتل أخيه، أوحالفه عليه أن يأتوا إليه في يوم معلوم، فأتوا إليه في ذلك اليوم، فأمربهم فأدخلوا جماعة بعد جماعة، وأمر بضرب أعناقهم جميعهم، وكان خاله ذو رعين الأصغر ممن أمر له فأدخل، فذكرَّه مشهده ونهيه عن قتل أخيه، وسأله الوديعة التي تركها عنده، فأتى بها الخادم، فوجد فيها البيتين، فخرج منه سالماً مشكوراً، وكان مسكن ذي رعين بحصن (خب).
وأما ذو بوس: فهو الحصن المسمى الآن بيت بوس، وهو قطعة من الجبل، وهو قرب صنعاء.
وأما ذو بهر: فاسمه يعفر ذو بهر بن الحارث، ينسب إلى حمير الأصغر، وهو من أعظم مقاولة اليمن.(1/161)


قيل: إنه سخر الناس في العمل، وكان في وقته عجوز، ولها ولد فبادر مع الناس إلى العمل، فلزمته أمه لتعمل له غداء قبل مسيره فأبى، وقال: إني أخاف العقوبة. فقالت: لا بأس عليك إني أغدو معك فلما تغدى سارت معه إلى ذي بهر، فأراد عقوبته بتأخره، فقالت العجوز: ترفق بأمرك يا ذا بهر فاليوم لك وغداً لآخر؛ فكفَّ عنه [من] العقوبة، ويقال: إنه اتعظ بكلام العجوز، وقطع ذلك العمل، ومن ذرية ذي بهر: أبو نصر محمد بن عبد الله، وكان عالماً ورعاً، هرب بدينه من قصر جده ذي بهر، وهو بيت حنبص فخلفه ابن ذي الملاحف القرمطي، وأحرق هذا القصر بالنار، فأقامت فيه أربعة أشهر تتبع خشبه، فأقام أبو نصر بصعدة حتى انقضت دولة القرامطة.
قال نشوان بن سعيد: ومن أولاده آل أبي ثور بوقش.(1/162)


فصل نذكر فيه بعض مصانع حمير
حسبما أشار إليه السيد صارم الدين.
فأما ظفار فهو قرب يريم من الحقل، وإليه ينسب جزع ظفار، وهو الذي قيل فيه: من دخل ظفار حمرَّ، وغمدان قصر صنعاء، وهو من أعجب ما بنى الملوك؛ لأنه أربع عشرة غرفة بعضها فوق بعض، فهدمت الحبشة بعضها، وهدم عثمان بن عفان بعضها.
وكان موضعه قرب الجامع، وشهرته تغني عن التحديد.
وكذلك غيمان، وبينون، وهو أعني بينون من أرض مأرب.
وأما هكر فقد قيل: إنه المراد بقوله تعالى:{وَقَصْرٍ مَشِيدٍ }[الحج:45] وناعط، وصرواح من مآثر حمير المشهورة، قد ذكرتها الشعار ورواة الأخبار.
وأما مأرب: فقد قال بعض العلماء: إنه اسم لقصر في تلك البلاد، فيحتمل أنه مراد السيد صارم الدين؛ لأنه نظمه في سلك عما ئر حمير، واحتج القائل بهذا القول بقول الشاعر:
ألم تروا مأرباً ما كان أحصنه.... وما حواليه من دور وبنيان
وقيل: بل مأرب اسم الملك فسميت البلد باسمه، وقيل: بل هو اسم لتلك الجهة كلها.
قالوا: وكانت العمائر فيها أزيد من مسيرة شهرين للراكب المجد.(1/163)


وكان يقتبسون النار بعضهم من بعض مسيرة ستة أشهر، وكانت المرأة إذا أرادت أن تجتني من أي ثمارها شاءت، وضعت مكتلها على رأسها وخرجت تمشي تحت الثمار وهي تغزل وتعمل ما شاءت فلا ترجع حتى تملأ مكتلها ممَّا شاءت من الثمار التي يتساقط عليها طيباً، وكان الملك على أرض مأرب يسمى سبأ، وسمي بذلك؛ لأنه أول من أدخل السبي اليمن وإلا فاسمه عبد شمس، وكان له من الأولاد عشرة، سكن الشام منهم أربعة، وهم: لخم، وجذام، وغسان وعاملة، وسكن اليمن منهم ستة وهم: كندة، ومذحج، وطي، والأشعر، وهمدان، [وأنمار].
وقد ذكر الله -تعالى- تمزيقهم في كتابه، حيث قال:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ }...الآية [سباء:15] إلى قوله [تعالى] :{وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ }[سباء:19] واختلف في العرم، فقيل: هو السد واحدته عرمة، وقيل: العرم الجرذ.
وكان السد فيما يقال قد بناه لقمان الأكبر، وكان صفة حجارة السد بالرصاص قدر فرسخ طولاً وفرسخ عرضاً، ويقال: إن الذي بناه كان من ملوك حمير.
وقد ذكر ذلك الأعشى وذكر فساده، بقوله:
وفي ذلك للمؤتسى أسوة.... ومأرب عفَّى عليه العرم
رخام بنته لهم حمير.... إذا جاء موَّراه لم يرم
يروي الزروع وأعنابها.... على سعة ماءهم إن قسم
فصاروا أيادي لا يقدرون.... منه على شرب طفل فُطِم
وأما خمر: فهو في هذا التأريخ قرية كبيرة متسعة قد دخلتها، وصار أكثرها خراباً، ولأهلها رئاسة مشهورة في بني صريم.
وأما تلقم: فوقفت أنا على خط السيد صارم الدين يذكر أنه قصر بريدة، وهي مدينة بأعلى البون.(1/164)


قال : ذكروا أنها ذات البئر المعطلة والقصر المشيد.
ولنعد إلى رقم نظم السيد إلى حيث يومي إلى ذكر أحد باسمه، فنذكر بعض مدته وتأريخ مولده حسبما يتصل بنا خبره على وجه الإيجاز، والله الموفق للتمام والإيجاز، والمرجو للقبول والجواز.
قال السيد صارم الدين:
وغيرهم من ملوك الأرض كم ملك.... أغنى وأقنى بما ضي السيف والبُدُرِ
فكيف يغتر بالدنيا وبهجتها.... زاكي الحجا ثاقب الآراء والنظرِ
دار الفناء بلا ريب ولا كذب.... وربة الخدع بالتسويف والغررِ
ظلالها قالص ماض بلا مهل.... ولبثها لبث طيف زار في سحرِ
وبرقها خُلَّب لا يرتجي طمع.... له ولا سحبه تنهل بالمطرِ
كم أضحكت ثم كم أبكت وكم وهبت.... واسترجعت من عزيز القدر والخطرِ
وكم أذلت عزيزاً كان ممتنعاً.... وزال ذو عظم فيها بمحتقرِ
وقومت بمواضي الهند من عوج.... وعدلت برماح الخط من صعرِ
فليس شمل عليها غير مفترق.... وليس صاف بها ما شيب بالكدرِ
إن شئت تسمع من أنبائها عجباً.... فسوف أغنيك عن بسط بمختصرِ
وسوف أنظم للسادات منتشراً.... نظماً وأوضحه شرحاً بمنتثرِ
وسوف أذكر مما قد جرى نكتاً.... وأودع السمع منها أطيب الخبرِ
في سلك بسامة في الآل قد نظمت.... غراء تبسم من ملفوفه الزهرِ
مما أصاب بني الزهراء وشيعتهم.... وكلم دهرلهم بالناب والظفرِ
[فليس حي من الأحياء نعلمه.... من ذي يمان ولا بكر ولا مُضرِ]
[إلا وهم شركاء في دمائهم.... كما تشارك أنسار على جزرِ]
[قتلاً وأسراً وتشريداً ومنهبة.... فعل الغزاة بأهل الروم والخزرِ](1/165)

33 / 205
ع
En
A+
A-