قال المسعودي: وقد رأيت نوعاً من هذه الحيات ببلاد خوزستان، ولها رأسان تكون في الرمل، وفي جوف التراب، فإذا أحسّت بإنسان أو غيره من الحيوان، وثبت من موضعها أذرعاً كثيرة فضربت بأحد رأسيها إلى أي موضع الحيوان فمات من حينه.
قالوا: فأمرت تلك الملكة، فحمل لها حية من تلك الحيات، فلما أن كان في اليوم الذي علمت أن أغطيطس يدخل قصرها أمرت بأنواع الرياحين والزهر أن تبسط في مجلسها، وقدام سريرها، وجلست على سريرها، ووضعت تاجها على رأسها، وعليها ثيابها وزينتها، وفرقت حشمها، فاشتغلوا بأنفسهم، وقربت يديها من الإناء الذي فيه الحية، فضربتها فماتت مكانها، وخرجت الحية من الإناء، فلم تجد جحراً، ولا مذهباً تذهب فيه لإتقان ذلك المجلس بالرخام والمرمر، فاستترت بين تلك الرياحين، ودخل أغطيطس حتى انتهى إلى المجلس، فنظر إليها جالسة والتاج على رأسها، فلم يشك أنها تنطق، فدنا منها، فتبين أنها قد ماتت، وأعجب بتلك الرياحين، فمدّ يده إلى كل نوع منها يلتمسه، ولا يدري ما سبب موتها، وهو متأسف على ما فاته منها، فبينا هو كذلك إذ قفزت الحية، فرمته بسمها، فيبس شقه الذي ضربته.
فعجب من قتلها لنفسها، ثم ما كاد ته به من إلقاء الحية بين الرياحين، وملك بعده عدة من ملوك الروم، حذفت ذكرهم ميلاً إلى الاختصار إذ هو مذكور في التواريخ الكبار.(1/146)


[ذكر أمة الترك]
وأما الترك فهم أيضاً أمة كبيرة من بني آدم، لهم خلوق منكرة، واسم ملكهم خاقان، وبلادهم فيما وراء النهر، وعددهم يجل عن الوصف، ولا يطيعون سلطاناً، وإن قصدهم جمع لا طاقة لهم به دخلوا مغاور، وتحصَّنوا بالرمال، ومنهم ملوك في الإسلام مثل بني سلجوق وغيرهم.(1/147)


[ذكر أمة السودان]
وأما السوادان: فهم أنواع مختلفة أشهرهم الحبوش، وسلطانهم يسمى النجاشي.
قال المسعودي: إن أرض الحبشة، وسائر السودان كلها مسيرة سبع سنين، وإن أرض مصر جزء واحد من ستين جزءاً من أرض السوادان، وإن أرض السودان جزء واحد من الأرض كلها، [والأرض كلها] مسيرة خمسمائة عام فثلث عمران مسكون[مأهول] وثلث براري غير مسكونة وثلث بحار وتتصل بأقاصي السوادان العراة من أرض المغرب(وهي) بلاد تلمسان [وتاهرت] وبلاد فاس ثم السوس الأولى [وبين السوس الأولى وبين القيروان نحو ألفي ميل، وبين السوس الأولى وبين السوس الأقصى نحو عشرين يوماً].(1/148)


ذكر أمة الخزر
وأما الخزر، فقال المسعودي: هم أمة عظيمة من الناس، مملكتهم متصلة بمدينة الباب[25]، والأبواب التي عمرها أنو شروان.
قال المسعودي: وأول ما يتصل بالباب والأبواب من مدن الخزر مملكة يقال لها: حيدان.
قال: ولما افتتحت [بلاد] الخزر على يد سلمان بن ربيعة الباهلي ؛ انتقل الملك إلى مدينة (إيله) وبينها وبين الأولى سبعة أيام.
قال: وفي هذه المدينة خلق كثير من المسلمين، والنصارى، واليهود، والجاهلية، فأما اليهود: فهم الملك وحاشيته، والخزر من جيشه، وكان تهود ملك الخزر في خلافة هارون الرشيد، وقد انضاف إليه خلق من اليهود، وردوا عليه من سائر أمصار المسلمين، ومن بلاد الروم؛ وذلك أن ملك الروم نقل من كان في مملكته من اليهود إلى دين النصرانية، وأكرههم [فيها] فتهارب خلق[كثير] [من اليهود] من بلاد الروم إلى أرض الخزر.
قال: والغالب في هذه البلد المسلمون لأنهم جند السلطان، وهم يعرفون في بلاده بالأرسنة، وهم نقيلة من نحو بلاد خوارزم، وكان بعد ظهور الإسلام وقع في بلادهم حرب ووباء، فانتقلوا إلى بلاد الخزر، وهم ذوو بأس وشدة، عليهم يعوِّل ملك الخزر في حروبه، فأقاموا ببلده بشروط:
أحدها: إظهار الدين والمساجد، وأن وزراءه منهم.(1/149)


قال المسعودي: فالوزير في وقته من المسلمين، [ومن الشروط أنه متى كان لملك الخزر حرب مع المسلمين] وقفوا في عسكره منفردين من غيرهم لا يحاربون أهل ملتهم، ويحاربون معه سائر الناس من الكفار، وتركب معه في هذا الوقت –أعني وقت المسعودي- نحو من ستة آلاف ناشب بالجواشن، والجلود، والدروع، ومنهم رامحة أيضاً على نحو ما في المسلمين من الآلات التي هي السلاح، ولهم قضاة مسلمون، لأن رسم مملكة الخزر أن يكون فيها سبعة قضاة: اثنان للمسلمين، واثنان للخزر يحكمون بحكم التوراة، واثنان لمن بهما من النصارى، والسابع للصقالبة والروسن وسائر الجاهلية، وهي قضايا عقلية، وإذا ورد ما لا علم[لهم] به في التوراة والإنجيل، وكانت نوازل عظاماً اجتمعوا إلى قضاة المسلمين، فتحاكموا إليهم، وانقادوا لما توجبه شريعة الإسلام، وبهذه البلاد خلق كثير من المسلمين تجَّار وصنَّاع وغيرهم طردوا إلى بلاده لعدله وأمنه، وله مسجد جامع، فيه منارة تشرف على قصر الملك، ولهم أيضاً مساجد أخر فيها مكاتب لتعلم الصبيان القرآن، وإذا اتفق المسلمون و من هناك من النصارى لم يكن للملك بهم طاقة.(1/150)

30 / 205
ع
En
A+
A-