تلك بعض النقاط اليسيرة التي أردنا توضيحها، ونترك للقارئ الكريم التعمق في مفرداتها من خلال رحلته عبر هذا الكتاب القيم.
ومن الله سبحانه وتعالى نستمد التوفيق في جميع الأحوال والحمد لله وحده وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله.
مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية(1/11)
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، حمداً يليق بجلاله وعظمته، حمداً يكون سبباً لنيل رضوانه ومغفرته، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق العدل المبين، ونشهد أن محمداً عبدالله ورسوله أرسله الله بالدين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ورضي الله عن صحابته المنتجبين الأخيار.
وبعد:
فإن تأريخ الأمة الإسلامية يحمل في صفحاته الكثير والكثير من الصور المشرقة والشخصيات العظيمة، والتي لا زالت بعيدة عن أذهان الكثير من أبناء الأمة بسبب عدم نشر الكتب التي تتحدث عنها، والتي لا زالت في عداد المخطوطات وقابعة في أدراج المكتبات العامة والخاصة، وبسبب عدم الاهتمام من قبل القادرين والمهتمين في هذا الجانب بنشرها وإخراجها لترى النور مع أنها نفائس مكنونة وجواهر ثمينة.
ولأن معرفة المرء المسلم بتأريخه القريب والبعيد ضرورة ملحة لما في ذلك من أثر بالغ في ربط حاضره بماضيه، واستلهام العظات والعبر واستشعار المسؤليات الملقاة على عاتقه، وغير ذلك من الدروس المهمة، ولن يتم ذلك إلا ببذل الجهد المستطاع من قبل أبناء الجيل في تعريف الأمة بتأريخها سواء باللسان أو القلم أو بالإسهام في نشر الكتب التي تتحدث عن ذلك الجانب أو عن غيره.(1/12)
من أجل ذلك رأينا أن نسهم في مجال تحقيق التراث ونشره مع اعترافنا المسبق بقلة بضاعتنا وقصر باعنا أن نفي الأمر حقه، ولكن حسبنا أن نقول: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} و: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} وكما أشرنا إليه آنفاً بأن نفائس من تراث الأمة الإسلامية لا تزال في عداد المخطوطات ونخص بالذكر تأريخ الزيدية وأئمتها، وتراثها الخصب في شتى ميادين العلم والمعرفة، والذي لا يزال أكثره ومعظمه بعيداً عن النشر والطبع مع ما يمثله من أصالة وقوة فكر ودفاع عن الدين الإسلامي الحنيف، وحمايته من أن تناله أيدي العابثين يكفل للأمة -ومن خلال معرفته وتطبيقه التطبيق السليم- العيش بعزة وحرية وكرامة، ويبصرها الطريق القويم للفوز بخيري الدنيا والآخرة.
وهذا التراث الخصب في شتى العلوم والمعارف ميراث علمي ومعرفي يجدر بالإنسان المؤمن الوقوف عليه ودراسته، والتمعن فيه والغوص في أعماقه، واستخراج الدرر الكامنة من قعره، ومن ذلك ما خلفوه في المجال التاريخي، حيث قد اهتم المؤرخون منهم بتدوين تأريخ الأمة الإسلامية بشكل عام والزيدية وأئمتها وسيرهم على وجه الخصوص، يجد الباحث تلك المدونات وأسماء مؤلفيها في الكتب المتخصصة بتوثيق مؤلفات الزيدية ومؤلفيها.(1/13)
ومن أهم المدونات التي اهتمت بتأريخ الزيدية وأئمتها وسيرهم وأخبارهم هذا الكتاب الذي بين أيدينا المسمى: (مآثر الأبرار في تفصيل مجملات جواهر الأخبار) ويسمى أيضاً: (اللواحق الندية بالحدائق الوردية) لمؤلفه العلامة محمد بن علي بن يونس الزحيف الصعدي، المتوفى بعد سنة 916هـ، وهو شرح لبسامة السيد صارم الدين الوزير المتوفى سنة 914هـ، والمسماة: (مجملات جواهر الأخبار) وهي منظومة شعرية في التاريخ، ضمنها ذكر أئمة الزيدية وتأريخهم إلى عصره، على منوال بسامة عبدالمجيد بن عبدون، المتوفى سنة 520هـ وقيل: سنة 527هـ وقيل: سنة 529هـ، والتي هي أيضاً في التأريخ (رثى بها ملوك بني الأفطس وذكر فيها من أباده الحدثان في كل زمان) وهي معروفة مشهورة ولها شروح في طيات الكتب مذكورة.
وكذلك بسامة السيد صارم الدين الوزير معروفة مشهورة ولها شروح عدة، أولها شرح الزحيف وهو هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ العزيز.(1/14)
أهمية الكتاب
يعتبر هذا الكتاب (مآثر الأبرار) من أشهر المراجع التي تتحدث عن تأريخ أئمة الزيدية، ومن أشملها في هذا الجانب إلى عصر المؤلف، وهو أول شروح (البسامة) للسيد صارم الدين الوزير، والتي تقع في نحو مائتين وأربعين بيتاً، والتي توالت بعده شروح وتتمات عدة لها، منها ذيل للعلامة داود بن الهادي المؤيدي، المتوفى سنة1035هـ عشرون بيتاً وشرحها، وهو المطبوع في آخر هذا الكتاب باسم (ملحق البسامة).
ثم ذيل ذيله العلامة أحمد بن محمد الشرفي، المتوفى سنة 1055هـ بثلاثة وثلاثين بيتاً، وشرح الجميع بكتابه (اللآلئ المضيئة) في ثلاث مجلدات ضخمة.
ثم ذيل ذيل الشرفي العلامة مهدي بن محمد المهلا اليمني، المتوفى سنة 1070هـ بنحو خمسة وخمسين بيتاً.
ثم ذيل أصل البسامة العلامة عبد الله بن علي بن محمد الوزير، المتوفى سنة 1144هـ بنحو مائة وثلاثين بيتاً.
ثم ذيل ذلك العلامة محمد بن إسماعيل بن محمد الكبسي، المتوفى سنة1308هـ بزيادة على مائة وعشرين بيتاً، وشرح ذيله بكتاب أسماه (العناية التامة شرح أنوار الإمامة، تكملة أبيات البسامة).
وللعلامة المؤرخ الكبير محمد بن محمد زبارة المتوفى سنة 1380هـ تتمة للبسامة وذيولها بمائتين واثنين وأربعين بيتاً. (وللمزيد حول البسامة وذيولها وشروحها راجع أئمة اليمن لزبارة ص 375-376).(1/15)