قال الراوي: وفرغت الرحى قبل الطلسم لكن أُخفيت لئلا يبطل [الطلسم] فلما علم صاحب الرحى باليوم الذي فرغ فيه الطلسم، أجرى الماء ودارت الرحى وعلم صاحب الطلسم، وهو في أعلاه، [وعلم] أنه مسبوق سقط من أعلى البناء، وحصل صاحب الرحى على المرأة، والرحى، والطلسم، ثم عمل الملوك مجتمعين طلسمات بأرصاد، وأودعوها تابوتاً رخاماً في بيت بطليطله، وأقفلوا عليه، وأوصو كل من ملك منهم بزيادة قفل، فاستمر ذلك، فلما حان انقراض دولة اليونان، وقد ملك منهم ستة وعشرون ملكاً من يوم عملت الطلسمات، وكان السابع والعشرون منهم ملكاً يقال له: لذريق فغزاه من المسلمين طارق بن زياد غلام موسى بن نصير اللخمي في دولة بني أمية.(1/141)
قالوا: وقد كان قال لذريق لوزرائه : أريد فتح هذا الباب، قالوا: بل تلقي عليه قفلاً كما فعل آباؤك، فأبى، فقالوا: قدّر أن يكون فيه مال قدره لنا، ونحن نجمعه لك، فأبى، وكان مهيباً، ففتحه فلم يرَ فيه إلا مائدة سليمان بن داود -عليه السلام- وتابوتاً مقفلاً ففتحه، فوجد فيه رقا وفي جانب التابوت صورة فرسان العرب بأصباغ، فأمر بنشر ذلك الرق فإذا فيه: إذا فتح هذا البيت والتابوت المقفلات بالحكمة دخل القوم الذين صورهم في التابوت جزيرة الأندلس، وذهب ملك اليونان، ودرست حكمتهم، فندم لذريق، وتحقق ذلك، ثم سمع بوصول طارق بن زياد فأمر بلقائه مقدماً له، يقال له: تدمير، وإليه تنسب بلاد تدمير بالأندلس، فلما نزل طارق من جبل هنالك بالجيش كتب تدمير إلى لذريق، فكان لذريق مشتغلاً بحرب خوارج خرجوا عليه في نواحي بلدته، وكان في كتاب تدمير إلى لذريق: أنه نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء هم، أم من الأرض؟ فوصل لذريق في سبعين ألف فارس، ومعه العَجَل تحمل الأموال والمتاع، وركب سريراً بين دابتين، عليه قبة مكللة بالجواهر، فلما بلغ طارقاً دنوه خطب أصحابه، وحثهم على الجهاد، ووعدهم أنه يحمل على لذريق، فإن هلك قبل وصوله إليه فيخلعوه لذلك، وكان لذريق قد نزل بأرض وسيعة، فأقبل طارق وأصحابه عليهم الزرد، وفوق رؤوسهم العمائم والبيض وبأيدهم القسي العربية، قد تقلدوا السيوف، واعتقلوا الرماح، فأقسم أنهم الصور التي رآها في بيت الحكمة في بلده، فازدادت روعته، وحمل طارق وأصحابه، وضرب لذريق بالسيف فقتله على سريره، ولم تقف هزيمة اليونان على بلد، وكانوا(1/142)
يسلمون بلداً بلداً، وغنم المسلمون أرضهم، وحمل إلى الوليد بن عبد الملك وهو الخليفة يؤمئذٍ مائدة سليمان بن داود[عليهما السلام] مصنوعة من فضة وذهب، وعليها طوق لؤلؤ، وطوق ياقوت، وطوق زمرد ما يحملها بغل قوي إلا تفسخت قوائمه، وتيجان ملوك اليونان مكللة بالجواهر، وثلاثون ألف فارس من الرق.
قلت: فهذا طرف مختصر من أخبار اليونان، وبه يعلم أنهم كانوا قبل الفرس كما أشار إليه السيد صارم الدين في المنظومة.(1/143)
[ ذكر الإسكندر ذي القرنين]
ومن ملوكهم الإسكندر وهو ذو القرنين،الذي قتل الملوك، واستولى على الممالك، وسمي ذو القرنين لبلوغه أطراف الأرض، وأن الملك الموكّل بجبل قاف سماه بذلك.
ويحكى هذا عن ابن عباس، وقيل: بل ذلك لأنه كان له ذؤابتان من الذهب،ويعزى هذا إلى أمير المؤمنين، وقيل: غير ذلك، واسمه الصعب وقد ذكره لبيد في شعره فقال:
والصعب ذو القرنين أصبح ثاوياً.... بالخيف في جدث أميم مقيما
وقد اختلف الناس في مدته، فقيل: إنه قبل الهجرة بتسعمائة سنة وثلاث وستين سنة وذكر ابن قتيبة: أن بينه وبين الهجرة أربعمائة سنة، والله أعلم، ولما قهر أملاك الدنيا، ومرض في أرض بابل كتب إلى أمه يعظها، فمن جملة ماذكره لها أن قال: يا أمُّ، مري ببناء مدينة عظيمة حتى يرد عليك موت الإسكندر، وأعديِّ فيها من الطعام والشراب، واحشدي الناس إليها من جميع البلاد بيوم معروف، ثم تقدمي إلى الناس كافة أن يحضروا إليه، ثم لينادي منادٍ: لا يحضر طعام أم الملك أحد قد أصابته مصيبة، ليكون مأتم الملك الإسكندر مخالفاً لمأتم العامة.
قالوا: فلما بلغها موته صنعت الوليمة، ودعت إليه الناس، ثم أمرت مؤذناً أن لا يحضرها من قد أصيب بمصيبة فلم تر أحداً، فقالت: ما بال الناس لم يحضروا؟ فقيل لها: وأي الناس ما قد أصيب؟ فقالت: يا إسكندر، ما أشبه أوائلك بأواخرك وتسلت.
قالوا: وحمل ببابل فوق أعناق الرجال، ودفن بالإسكندرية، وله في العمر نيف وثلاثون سنة، والله أعلم.(1/144)
[ذكر طرف من أخبار الروم]
وأما الروم فقد ذكر أهل الأخبار أن الله سبحانه لما أراد ذهاب ملك اليونان أيَّد عليهم ملك رومية، وهو أغطيطس، وكان أول من سمي بقيصر، وإليه ينسب القياصرة، وسمي بذلك لأن أمه ماتت وهي حامل به فشق بطنها عنه، ومعنى قيصر: بقر وكان هذا الملك يفتخر بأن النساء لم تلدنه، ولا ثنتين وأربعين سنة من ملكه ولد عيسى المسيح -عليه السلام-،واسم قيصر قد صار يطلق على ملك الروم، كما صار اسم كسرى يطلق على ملك الفرس، وتُبَّع على ملك حمير، وقد أشار إلى ذلك بعض من له عناية بأخبار العالم وملوكهم، فقال:
الدار داران إيوان وغمدان.... والملك ملكان ساسان وقحطانُ
والأرض فارس والإقليم بابل.... والإسلام مكة والدنيا خراسانُ
والجانبان العنيدان اللذا حسنا.... منها بخارى وبلخ الشاه دارانُ
قد أثبت الناس جماً من مراتبهم.... فمرزبانٌ وبطريقٌ وطرخانُ
والفرس كسرى وفي الروم القياصر.... والحبش النجاشي والأتراك خاقانُ
قالوا: ولما قهر أُغطيطس بقية اليونان، وكان آخرهم في عصره ملكة أتفق له معها حديث ظريف؛ لأنه ما زال يعمل الحيلة في أخذها لعلمه بحكمتها فراسلها فعلمت مراده منها، وقد وترها في قتل زوجها، فطلبت الحية التي تكون بين الحجاز ومصر والشام، وهي نوع من الحيات تراعي الإنسان، حتى إذا نظرت إلى عضو منه قفزت أذرعاً نحوه كالريح، فلم تُخْطِ ذلك العضو بعينه فتتفل فيه سماً، فيأتي عليه، ولا يعلم بها لموته فوراً ويتوهم الناس أنه قد مات فجأة حتف أنفه.(1/145)