وكان سليمان صاحب البطن الذي قتلته كضة، ومات بشماً وتخمة،وكان يزيد صاحب سلامة وحبابة الذي فتح الجهارة بالخمر ورقص أيام خلافته على العود والزمر، وأول من أغلا سعر المغنيات وأعلن بالفاحشات، وماذ ا نقول فيمن أعرق فيه مروان من جانب ويزيد بن معاوية من جانب، فهو ملعون ابن ملعونين، وعريق في الكفر بين كافرين، وكان هشام قاتل زيد بن علي، ومولّي يوسف بن عمر الثقفي، وآسر يحيى بن زيد العلوي.
وكان الوليد بن يزيد خليع بني مروان الكافر بالرحمن، المحرَّق للقرآن، أول من قال الشعر في نفي الإيمان، وجاهر بالفسوق والعصيان، والذي غشي أمهات[أولاد] أبيه، وقُذِفَ بغشيان أخته، وهذه المثالب مع عظمها وكثرتها وقبحها وشنعها صغيرة وقليلة في جنب مثالب بني العباس الذين بنوا مدينة الجبارين، وفرقوا في الملاهي والمعاصي أموال المسلمين.
فأئمتكم -رحمكم الله- الأئمة المهديون، الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، بذلك تقوم خطب جمعتهم، وبذلك تقوم صلاة جماعتهم، فإن كسد التشيع بخراسان، فقد نفق بالحجاز والحرمين، وبالشام والعراقين، والجزيرة والثغرين، وبالجيل والغورين، وإن تحامل علينا وزير وأمير، فإنَّا نتوكل على الأمير الذي لا يعزل، وعلى القاضي الذي لا يزال ولم يزل، وعلى الحكم الذي لا يقبل رشوة ولا يطلب سجلاً ولا شهادة، وإياه نحمد على طهارة المولد، وطيب المحتد، ونسأله أن لا يكلنا إلى أنفسنا، ولا يحاسبنا على مقتضى عملنا، وإن يعيذنا من رعونة الحشوية ومن لجاج الحرورية وشك الواقفية وإرجاء الحنفية.(1/126)


وتخالف أقوال الشافعية ومكابرة البكرية وروايات الكيسانية وجحد العثمانية وتشبيه الحنبلية وكذب الغلاة والخطابية وأن لايحشرنا على نصب أصبهاني، ولا على بغض لأهل البيت طوسي أو شاسي، ولا على إرجاء كوفي ولا على تشبيه قمي، ولا على جهل شامي، ولا على تخَّيل بغدادي، ولا على قول أباظي مغربي، ولا على عشق لأبي حنيفة بلخي، ولا على تناقض في القول حجازي، ولا على مروق سحرتي، ولا على غلو في التشيع كرخي، وأن يحشرنا في زمرة من أحببناه، ويرزقنا شفاعة من توليناه إذا دعي كل أناس بإمامهم، وسار كل فريق تحت لوائهم، إنه سميع قريب، يسمع ويستجيب وهو حسبنا ونعم الوكيل.
انتهى كلام الخوارزمي -رحمه الله تعالى-ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ومن هاهنا يقع الشروع في شرح المنظومة على سبيل الاختصار، لأن استقصاء ما احتوت عليه يحتاج إلى أسفار كبار، والله الموفق للصواب.
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلىَّ الله على سيدنا محمَّد وآله وسلَّم.
الدهر ذو عبر عظمى وذو غير.... وصرفه شامل للبدو والحضرِ
أقول: هذا يسمى براعة الاستهلال، والمعنى أن يكون المتكلم مبتدأً بما يناسب المقصود، من برع إذا فاق أصحابه في العلم أو غيره، كقول بعض الشعراء يهني الصاحب بولد لابنته في مطلع قصيدة:
بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعدا.... وكوكب المجد في أفق السما صعدا
وكقول ابن الفرج الشاوي يرثي فخر الدولة فجعل مطلع قصيدته:
هي الدنيا تقول بملئ فيها.... حذار حذار من بطشي وفتكي(1/127)


فأتى الشاعران في هذين البيتين بكلام يشتمل عن ما سيق الكلام لأجله، وكذلك السيد صارم الدين، وعبر وغير الأول بعين مهملة، والثاني بغين معجمة، ومعناهما ظاهر، والدهر فهو الزمان.
وأما قوله ً((لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر )) فإن معناه: أن العرب كانوا يقولون عند النوازل من المرض والفقر والجدب والموت: أصابنا الدهر، فقيل لهم: لا تسبوا فاعل ذلك بكم فإن ذلك هو الله سبحانه، والدهريه فرقة من فرق الكفر، يقولون: بقدم العالم، واختلفوا في المؤثر فمنهم من نفاه مطلقاً، ومنهم من أثبته علة قديمه، ومنهم من أثبته صانعاً قديماً، ولأفلاطون قولان:
أحدهما: حدوث العالم، وأجمعوا على حدوث التركيب.
وإن قالوا بقدم العناصر، وهي: الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة على اختلاف بينهم، والنسبة إلى الدهر دهري بالفتح وقد تضم، وهي من تغييرات النسب. قوله عليه السلام:
وخطبه معضل للناس عن كمل.... وحكمه في الورى أمضى من القدرِ
وجدَّه عند أرباب النهي لعب.... وغاية الطول منه غاية القصرِ
ومرهفات مواضيه مناجزة.... وسمره شأنها التفريق للسمرِ
وخيله مضمرات في أعنتها.... شعث النواصي سراع الورد والصدرِ
وبأسه ماله ردَّ لشدته.... وكأسه دائر بالحلو والصبرِ
أجنى على الفرس واليونان قبلهم.... والروم والترك والسودان والخزرِ
هذه ست أمم كبار من بني آدم ذكرها السيد في هذا البيت، ولا بد من الإشارة إلى طرف من شأن كل منهم على وجه الاختصار.(1/128)


[ذكر نسب الفرس ودولهم وبعض ملوكهم وسبب تسميتهم بالفرس]
فأما الفرس فقد اختلف الناس في أنسابهم، وكم من دولة كانت لهم، فمن الناس من قال: إنهم من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم --صلوات الله عليهم أجمعين -.
ومنهم من زعم أنهم من ولد أرفخشد بن سام بن نوح، وأنه وضع له بضعة عشر رجلاً كلهم كان فارساً شجاعاً، فسموا الفرس بالفروسية.
وأما الاختلاف في دولهم فمن الناس من زعم أنهم أربعة أصناف، وأن :
الصنف الأول: كان من كيومرت إلى أفريدون، وهم الجمرهنانية.
والصنف الثاني: من كنان إلى دار بن دار، وهم الكنانية.
والصنف الثالث: ملوك الطوائف، وهم الأشعانية.
والصنف الرابع: الساسانية، ومن الناس من جعلهم صنفين: فجعل الصنف الأول من كيو مرت إلى دار بن دار.(1/129)


والصنف الثاني: من أزدشير بن بابك إلى يزدجرد بن شهريان المقتول في زمن عثمان بن عفان، وعدد ملوك هذا الصنف الأخير ثلاثون ملكاً، منهم امرأتان، فأول من ملك منهم: أزدشير بن بابك بن ساسان الأصغر، وبينه وبين الهجرة أربعمائة سنة وأربعون سنة، وهو أول من جمع ملك الفرس بعد أن كان قد تفرق، وذلك أن الإسكندر لما قهر الملوك كلها، ومن جملتهم الفرس كتب إلى معلمه أرسطاطاليس يستشيره في أمر الفرس، فقال له: ولِّ كل رجل من أكابرهم ناحية، فإنهم يتنافسون على الملك، فلا يجتمعون على ملك منهم، فمن خالفك منهم كانت مؤنته عليك خفيفة، ففعل ذلك الإسكندر فلم يزالوا كذلك قدر أربعمائة سنة، ولم يجمعهم ملك، ولما ولي أزدشير بعد أن كابد منهم مشقة[عظيمة] شديدة قال: إن كلمة مزقتنا أربعمائة سنة لكلمة مشؤمة يعني كلمة أرسطاطاليس، ولما استوسق له الأمر، ولم يبق من يخالفه إلا الأسكانية من ملوك الطوائف أقسم إن تمكَّن [منهم] أن لا يبقي منهم رجلاً ولا امرأة، فلما تمكن منهم لم يسلم منهم إلا من أخفى نسبه ونفسه، وكان قد أخذ ابنة ملكهم، وكان حسنها بارعاً، فلما وقعت عينه عليها، قال: أنتِ من بنات ملوكهم؟ فقالت: بل من خدمهم، فاصطفاها لنفسه، فحملت منه، فلما علمت بالحمل شهرت نفسها، وقالت: أنا ابنة ملكهم، فأمر شيخاً من رجاله يودعها بطن الأرض إشارة إلى قتلها، فقالت للشيخ: إني حبلى من الملك، فقال: لا نبطل زرع الملك فأخذها، وعمل لها سرباً تحت الأرض، وجعلها فيه، ثم عمد إلى مذاكيره فجبها، ووضعها في حق وختم عليه، ورجع إلى الملك، وقال: [قد] أودعتها الأرض، ودفع إليه(1/130)

26 / 205
ع
En
A+
A-