ولولا محنة المؤمنين وقلتهم، ودولة الكافرين وكثرتهم، لما امتلأت جهنم حتى تقول هل من مزيد، ولما قال الله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }[الأنعام:37] ولما تبين الجزوع من الصبور، ولا عرف الشكور من الكفور، ولما استحق المطيع الأجر، ولا احتقب العاصي الوزر، فإن أصابتنا نكبة، فذلك ما قد تعودناه، وإن رجعت إلينا دولة فذلك ما انتظرناه، وعندنا لكل حالة آلة، ولكل مقام مقالة فعند المحن الصبر، وعند النعم الشكر، ولقد شُتم أمير المؤمنين على المنابر ألف شهر فما شككنا في وصيته، وكذِّب بمحمد ً بضع عشرة سنة فما اتهمنا في نبوته، وعاش إبليس -لعنه الله- مدة تزيد على المدد مطيعاً فلم نرتب في لعنه، وابتلينا بفترة الحق ونحن مستقيمون بدولته، ودفعنا إلى قتل الإمام بعد الإمام، والوصي بعد الوصي فلا مرية عندنا في صحة إمامته:{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا }[الأحزاب:38]، و{كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}[التكاثر:3،4]، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}[الشعراء:227]، واعلموا -رحمكم الله تعالى- أن بني أمية الشجرة الملعونة في القرآن، وأتباع الطاغوت والشيطان، جهدوا في دفن محاسن الوصي، واستأجروا من كذب بالأحاديث على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحولوا الجوار إلى بيت المقدس عن المدينة، والخلافة إلى دمشق عن الكوفة، وبذلوا في طمس الآثار الأموال، وقلدوا عليه الأعمال، واصطنعوا فيه الرجال، فما قدروا على دفع حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(1/121)


ولا تحريف آية من كتاب الله [تعالى] ولا على دس أِّحد من أعداء الله في أولياء الله.
ولقد كان ينادى على رؤوسهم بفضائل العترة، ويكاتب بعضهم بعضاً بالدليل على الحجة لا تنفع في ذلك هيبة ولا تمنع منه رغبة ولا رهبة، والحق عزيز وإن استذل أهله وكثير وإن قلَّ حزبه، والباطل ذليل وإن رصع بالشبهة وقبيح وإن غطي وجهه بالحيلة.
قال عبد الرحمن الحكم وهو من أنفس بني أمية:
سمية أمسى نسلها عدد الحصى.... وبنت رسول الله ليس لها نسل
وقال كثير السهمي وهو بمكة في ولاية بني أمية:
لعن الله من يسب علياً.... وحسيناً من سوقة وإمام
وقال أبو الهذيل الجحمي في حمة سلطان بني مروان، وولاية أبي سفيان:
تبيت السكارى من أمية نوَّماً.... وبالطف قتلى ما ينام حميمها
وقال سليمان بن قتة :
وإن قتيل الطف من آل هاشم.... أذلَّ رقاب المسلمين فذلت
وقال الكميت، وهو جار خالد بن عبد الله [القسري] بالعراق، وسيف خالد يقطر من دماء الشيعة:
فقل لبني أمية حيث كانوا.... وإن خفت المهند والقطيعا
أجاع الله من اشبعتموه.... وأشبع من بجوركم أجيعا(1/122)


وما هذا بأعجب من صياح شعراء بني العباس على رؤوسهم بالحق وإن كرهوه، وبتفضيل من تنقصوه وقتلوه، وقال منصور بن الزبرقان النمري، وهو على بساط هارون:
آل النبي ومن يحبهم.... يتطامنون مخافة القتل
أمن النصارى واليهود وهم.... من أمة التوحيد في الأزل
وقال دعبل بن علي[الخزاعي] وهو صنعة بني العباس وشاعرهم:
ألم تر أني مذ ثلاثون حجة.... أروح وأغدو دائم الحسرات
بنات زياد في القصور مصونة.... وبنت رسول الله في الفلوات
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً.... وأيديهم من فيئهم صفرات
وقال علي بن العباس الرومي وهو مولى المعتصم:
بآية ألا يبرح المرء منكم.... يتل على حر الجبين فيعفج
لذاك بني العباس يصبر مثلكم.... ويصبر للموت الكمي المدجج
أكل أوان للنبي محمد.... قتيل زكي بالدماء مضرج
وقال إبراهيم بن العباس الصولي وهو كاتب القوم وعاملهم في الري لما قرَّبه المأمون:
يمنُّ عليكم بأموالكم.... ويعطون من مائة واحداً(1/123)


وكيف لا ينتقص قوم يقتلون بني عمهم جوعاً وسغباً ويملؤن ديار الترك والديلم فضة وذهباً، يقربون المغربي والفرغاني، ويجفون المهاجري والأنصاري، ويولون أنباط السواد وزارتهم، وقلف العجم والطماطمة قيادتهم، ويمنعون آل أبي طالب ميراث أمهم، وفيئ جدهم، ويتمنَّى العلوي الأكلة فيحرمها، ويقترح على الأيام الشهوة فلا يطعمها، وخراج مصر والأهواز وصدقات الحرمين والحجاز، تصرف إلى إبراهيم المدني، وإلى إبراهيم الموصلي وإلى ابن جامع السهمي وإلى زلزل الضارب، وبرصوم الزامر، وأقطاعُ بني بختيشوع النصراني قوت أهل بلد، وحادي جمال بغا التركي، والأفشين الأشروسي كفاية أمة ذات عدد، والمتوكل زعموا أنه تسرى باثني عشرة ألف سرية، والسيد من سادات أهل البيت يتعفف بزنجية أو سندية، وصفوة مال الخراج مقصور على أرزاق الصفاعنة، وعلى موائد المخانثة وعلى طعمة الكلابين ورسوم القرادين، وعلى مخارق وعلوية وعلى زرزرة وعمر بن ماية المهلبي يبخلون على الفاطمي بأكلة أو شربة ويضايقونه في دانق وحبة، ويشترون القردة بالبدر، ويجرون لها ما يفي برزق عسكر، والقوم الذين أحلَّ الله لهم الخمس، وحرمت عليهم الصدقة يتكففون[ضراً] أو يهلكون فقراً يرهن أحدهم سيفه، ويبيع ثوبه، وينظر إلى فيه بعين مريضة، ويتشدد على دهره بنفس ضعيفة، ليس له ذنب إلا أن جده النبي[ً] وأباه الوصي، وأمه فاطمة، وجدته خديجة، ومذهبه الإيمان، وإمامه القرآن، وحقه مصروف إلى القهرمانة والمصراطة، وخمسه مقسوم على نقار الدبكة، وعلى نفقات الدببة والقردة وعلى عرش اللعبة للعبه.(1/124)


وماذا أقول في قوم حملوا الوحش على النساء المسلمات، وأخروا العبادة، وخربوا تربة الحسين -عليه السلام- في ذلك المكان، ونفوا زواره إلى البلدان، وما أصف من قوم هم نطف السكارى في أرحام القيان، وماذا يقال في أهل بيت منهم نبع البغاء وفيهم راج التخنيث، وبهم عرف اللواط، وكان إبراهيم بن المهدي مغنياً، وكان المتوكل مؤبناً وكان المعتمد مخنثاً وكان ابن زبيدة معتوهاً مفروكاً، وقتل المأمون أخاه، وقتل المستنصر أباه، وسم موسى بن المهدي أمه، وسم المعتضد عمه، ولقد كانت في بني أمية مخازي تذكر، ومعائب تؤثر، كان معاوية قاتل الصحابة والتابعين، وأمه آكلة أكباد الشهداء الطاهرين وابنه يزيد لعنه الله يزيد القرود ويزيد الفهود وهادم الكعبة، ومنتهب المدينة، وقاتل العترة، وصاحب يوم الحرة، وكان مروان الوزغ بن الوزعة لعن النبي ً أباه وهو في صلبه فلحقته لعنة ربه، وكان عبد الملك صاحب الخطيئة التي طبقت الأرض وشملت الخلق وهي تولية الحجاج بن يوسف لعنه الله قاتل العباد، ومبيد الأبدال والأوتاد، ومخرب البلاد، وخبيث الأمة الذي جاءت به النذر وورد فيه الأثر، وكان الوليد من جبابرة بني أمية، ومولي الحجاج على المشرق وقرة بن شريك على المغرب.(1/125)

25 / 205
ع
En
A+
A-