فرصنة الأنصاري وحرب بن مطهر الأسدي وعبد الله بن عمير الكلبي، ومسلم بن[عوسجة] الأسدي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، ونافع بن هلال الحملي وحنظلة بن أسعد الشاكري وعاشر ابن أبي شبيب الشاكري في نيف وعشرين من جماعة شيعته، وأمر بالحسين يوم كربلاء، ثم سلط عليهم الدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد فصلبهم على جذوع النخل، وقتلهم ألوان القتل حتى اجتث الله دابره، فانتبه لنصرة أهل البيت طائفة أراد الله أن يخرجهم من عهدة ما صنعوا، ويغسل عنهم وضرة ما اجترحوا، فصمدوا ضد الفئة الباغية، وطلبوا بدم الشهيد الدِّعي ابن الزانية لا يزيدهم قلة عددهم، وانقطاع مددهم، وكثرة سواد أهل الشام بآرائهم إلا إقداماً على القتل والقتال، وسخاء بالنفوس والأموال، حتى اقتل سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجية الفزاري، وعبد الله بن كامل التميمي في رجال من خيار المؤمنين وعلية التابعين، ومصابيح الأنام وفرسان الإسلام، ثم سلط آل الزبير على الحجاز والعراق، فقتلوا المختار بعد أن شفى غيظ آل محمد، واقتضى لهم الأوتار وأدرك الثأر، وأفنى الأشرار، وطلب بدم المظلوم الغريب فقتل قاتله ونفى خاذله، واتبعوا أبا عمرو بن كيسان، وأحمد بن سميط ورفاعة بن يزيد والسائب بن مالك وعبد الله بن كامل وتلقط [بقايا] الشيعة يمثلون بهم كل مثلة، ويقتلونهم شر قتلة حتى طهر الله من عبد الله بن الزبير البلاد، وأراح من أخيه مصعب العباد، فقتلهما عبد الملك بن مروان:{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأنعام:129].(1/116)
بعدما حبس ابن الزبير محمد بن الحنفية وأراد إحراقه، ونفى عبد الله بن العباس، وأكثر إرهاقه، فلما خلت البلاد لآل مروان سلطوا الحجاج على الحجازين، ثم على العراقين، فتلعب بالهاشميين، وأخاف الفاطميين، وقتل شيعة علي -عليه السلام-، ومحى آثار أهل بيت النبي، وجرى منه ما جرى على كميل بن زياد النخعي، واتصل البلاء مدة ملك المروانية إلى أيام العباسية حتى أراد الله أن يختم مدتهم بأكثر آثامهم، ويجعل عظم ذنوبهم في آخر أيامهم، فبعث على بقية الحق المهمل والدين المعطل زيد بن علي-عليه السلام-، فخذله منافقوا أهل العراق، وقتله أحزاب أهل الشام، وقتل معه من شيعته نصر بن خزيمة الأسدي ومعاوية بن إسحاق الأنصاري وجماعة ممن شايعه وتابعه وبايعه حتى من زوجَّه وآواه، وحتى من كلمه وماشاه، فلما انتهكوا ذلك الحريم، واقترفوا ذلك الإثم العظيم غضب الله عليهم، وانتزع الملك منهم، فبعث عليهم أبا مجرم لا أبا مسلم فنظر-لا نظر الله إليه- إلى صلابة العلوية وإلى لين العباسية، فترك تقاه واتبع هواه، وباع آخرته بدنياه، وبايع لمحابيه بني العباس، وسلطهم على الناس، وافتتح أعماله لهم بقتل عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وسلط طواغيت خراسان، وخوارج سجستان، وأكراد أصبهان على آل أبي طالب، فداوموا قتلهم في كل سهل وجبل حتى سلطَّ الله عليه أحبَّ الناس إليه، فقتله كما قتل الناس في طاعته، وأخذه بما أخذ به الناس في بيعته، ولم ينفعه أن أسخط الله برضاه، وارتكب ما لا يهواه في هواه، وخلت للدوانيقي الدنيا، يخبط فيها عسفاً، ويقضي جوراً(1/117)
وحيفاً، إلى أن مات وقد امتلأت سجونه بعد إتلاف من أتلف من أهل بيت النبوة، ومعدن الطيب والطهارة، وقد تتبع غائبهم، وتلقط حاضرهم حتى قتل عبد الله بن محمد بن عبد الله وقد لحق بالسند على يدي هشام بن عمر التغلبي وما ظنك بمن قرب متناوله عليه، ولان مسه على يديه، وهذا قليل في جنب ما فعله هارون بهم، وركبه موسى بمن قتله منهم، فقد عرفتم ما توجه على الحسين بن علي من موسى بن عيسى وما اتفق على ابن الأفطس الحسني من هارون، وما جرى على أحمد بن عيسى الزيدي وعلى القاسم بن علي من حبسه، وعلى ابن غسان حاضر الخزاعي حين أخذ من قتله، وعلى الجملة إن هارون مات، وقد حصد شجرة النبوة، واقتلع غرس الإمامة.
ولستم -أصلحكم الله تعالى- أعظم نصباً في الدين من الأعمش وقد شتموه، ومن شريك وقد غرَّبوه، ومن هشام بن الحكم وقد أخافوه، ومن الحكم بن عيينة وقد أخرجوه، ومن الفضل بن سهل وقد اغتالوه، ومن علي بن يقطين وقد اتهموه.
وأما في الصدر الأول: فقد قتل زيد بن صوحان العبدي، وعون بن عثمان بن حبيب الأنصاري، وخفي حارثة بن قدامة السعدي وضرب زهير الأزدي وشريح بن هانئ الحارثي ومالك بن كعب الأرحبي، ومعقل بن سعيد الرياحي والحارث الأعور الهمداني وأبو الطفيل الكناني.(1/118)
وما منهم إلا من خرَّ عن معركته قتيلاً، أو عاش أهلا في بيته ذليلاً، يسمع شتيمة الوصي فلا ينكر، ويرى قتلة الأئمة وأولادهم فلا يغير، ولا يخفى عليكم جرح عامتهم وخشونتهم لجابر الجعفي ولرشيد الهجري ولزرارة بن أعين ولفلان، ولأبي فلان. ليس إلا لأنهم -رحمهم الله- كانوا يتولون أولياء الله، ويتبرؤن من أعداء الله، وكفاك به جرماً عظيماً عندهم، وعيباً كبيراً بينهم، وقل في بني العباس فإنك ستجد بحمد الله مقالاً، وجل في عجائبهم فإنك ترى ما شئت مجالاً يجبى فيئهم، فيفرق على الديلمي والتركي، ويحمل إلى الفرغاني والمغربي، ويموت إمام من أئمة الهدى، وسيد من سادات أهل بيت المصطفى، فلاتتبع جنازته، ولا تجصص مقبرته، ويموت شراطَّ لهم ولعابَّ، أو مسخرة أو ضراب، فتحضر جنازته العدول والقضاة، ويعمر مسجد التعزية عنه القواد والولاة، ويسلم عليهم من يعرفونه دهرياً، أو سوفسطائياً، ولا يتعرضون لمن يدرس كتاباً فلسفياً، أو مانوياً، ويقتلون من عرفوه شيعياً، ويسفكون دم من سمى ابنه علياً، ولو لم يقتل من شيعة أهل البيت غير المعلى بن حنين قتله داود بن علي ولو لم يحبس منهم غير أبي تراب المروزي لكان ذلك جرحاً لا يبرى وثائرة لا تطفى، وصدعاً لا يلتئم، وقرحاً لا يلتحم، وكفاكم أن شعراء قيس قالوا في الجاهلية أشعاراً يهجون بها المؤمنين، ويعارضون فيها شعراء المسلمين، فحملت أشعارهم، ورويت أخبارهم، ورواها الرواة مثل الواقدي، ووهب بن منبه اليماني وابن الكلبي والشرق بن القطامي، والهيثم بن عدي وابن دأب الكناني وأن بعض شعراء الشيعة تكلم(1/119)
في بعض مناقب الوصي، بل في معجزات النبي فقطع لسانه، وتمزق ديوانه كما فعل بعبد الله بن عمار البرقي وكما أريد بالكميت بن زيد الأسدي وكما نبش قبر منصور بن الزبرقان النمري وكما أريد من دعبل بن علي الخزاعي مع رفعهم من مروان بن أبي حفصة الأموي وعلي بن الجهم الشامي ليس إلا لغلوهما في النصب، واستحسانهما مقت الدين حتى أن هارون والمتوكل على الشيطان لا على الرحمن كانا لا يعطيان مالاً، ولا يبذلان نوالاً إلا لمن شتم آل أبي طالب، ونصر مذهب النواصب مثل عبد الله بن مصعب الزبيري ووهب بن وهب البحتري ومن الشعراء مثل مروان بن أبي حفصة الأموي، ومن الأدباء مثل عبد الملك بن قريب الأصمعي.
فأما في أيام جعفر فمثل بكار بن عبد الله الزبيري وأبي السمط ابن أبي الجبوب الأموي وابن أبي الشوارب العبشمي.
ونحن -أرشدكم الله- قد تمسكنا بالعروة الوثقى، وآثرنا الدين على الدنيا فلن يزيدنا بصيرة زيادة من زاد فينا، ولم يخل بنا عقيدة نقصان من نقص منَّا فإن ((الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً)) كلمة من الله ووصية من رسول الله، والعاقبة للمتقين، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين، ومع اليوم غد، ومع السبت أحد.
وقال عمَّار بن ياسر يوم صفين: لو ضربونا حتى نبلغ سعفات هجر لعلمنا أنَّا على الحق، وأنَّهم على الباطل، ولقد هزم عسكر رسول الله ً ثم هزم، ولقد تأخر الإسلام ثم تقدم:{الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ }[العنكبوت:1،2].(1/120)