وما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى، وآمن بالله وعبده، وكل من في الأرض يعبد الحجر، ويجحد الخالق، لم يسبق إلى التوحيد إلا السابق إلى كل الخير وهو محمد رسول الله ً.
ذهب أكثر أهل الحديث إلى أنه -عليه السلام- أول الناس اتباعاً لرسول الله ً وإيماناً به، ولم يخالف في ذلك إلا الأقلون، وقد قال هو عليه السلام : أنا الصديق الأكبر، وأنا الفاروق الأول، أسلمت قبل إسلام الناس وصليت قبل صلواتهم.
قال ابن أبي الحديد: ومن وقف على كتب أصحاب الحديث تحقق ذلك، وعلمه واضحاً، وإليه ذهب الواقدي، وابن جرير الطبري وهو القول الذي رجَّحه ونصره ابن عبد البر صاحب كتاب (الاستيعاب).
انتهى الفصل الأول.(1/111)


الفصل الثاني
ما لفظه: قال الشيخ العلامة أبو بكر الخوارزمي -رحمه الله تعالى - في رسالة كتبها إلى أهل طبرستان: سمعت أرشد الله سعيكم، وجمع على التقوى أمركم بما بكتكم به السلطان الذي لا يتحامل إلا على أهل العدل، ولا يميل إلا على جانب الفضل، ولا يبالي إن مزق دينه إذا أزوى بدنياه، ولا يفكر إن أعدم رضى الله إذا وجد رضاه، وأنتم ونحن -أصلحنا الله وإياكم- عصابة لم يرض الله لنا بالدنيا، فادخر لنا الأخرى، ورغب بنا عن ثواب العاجل، فأعدَّ لنا ثواب الآجل، وقسَّمنا قسمين:
قسماً: مات شهيداً، وقسماً: غاب سعيداً، فالحي يحسد الميت على ما صار إليه، ولا يرغب بنفسه على ما جرى عليه.(1/112)


قال أمير المؤمنين عليه السلام : المحن إلى شيعتنا أسرع من الماء إلى منحدره، وهذه مقالة أسست على المحن، وولد أهلها في طالع الهزاهز والفتن، حياة أهلها كلها نغص، وقلوبهم كلها غصص، والأيام عليهم متحاملة، والدنيا عنهم مائلة، فإذا كنَّا شيعة أئمتنا -عليهم السلام- في الفرائض والسنن، فينبغي أن نتبع آثارهم في كل قبيح وحسن، غصبت فاطمة ميراث أبيها يوم السقيفة، وأخِّر أمير المؤمنين عن الخلافة، وسمَّ الحسن سراً، وقتل الحسين جهراً، وصلب زيد بن علي بالكناسة، وقطع رأس يحيى بن زيد في المعركة، وخنق عبد الله بن الحسن في حبس الدوانيقي وقتل ابناه: محمد، وإبراهيم على يد موسى بن عيسى العباسي ومات موسى بن جعفر شهيداً في حبس هارون، وسم علي بن موسى بيد المأمون وهزم إدريس بفخَّ حتى وقع إلى الأندلس فريداً، ومات عيسى بن زيد في بلد الهند طريداً شريداً، وقتل يحيى بن عبد الله بعد الأمان والأيمان، وبعد تأكيد العهود والضمان.(1/113)


هذا غير ما فعل يعقوب بن الليث بعلوية طبرستان، وغير قتل محمد بن زيد بن الحسن بن القاسم الداعي على يد آل سامان وغير ما فعله ابن الساج بعلوية المدينة، حملهم بلا غطاء ولا وطاء من الحجاز إلى سامران وهذا بعد قتل قتيبة بن مسلم الباهلي لابن عمر بن علي حين أخذه با مونه وقد ستر نفسه، ووارى شخصه، ولا كما فعل الحسن بن إسماعيل المصعبي في يحيى بن عمر الزيدي خاصة، وما فعله أحمد بن خاقان بعلوية الكوفة، وحسبكم أنه ليس في بيضة الإسلام بلدة إلا وفيها لقتيل طالبي تربة شارك في قتلهم الأموي والعباسي، وأطبق عليهم العدناني والقحطاني، قال الشاعر:
فليس حي من الأحياء نعرفه.... من ذي يمانٍ ولا بكر ولا مضر
إلا وهم شركاء في دمائهم.... كما تشارك أيسار على جزر(1/114)


قادتهم الحمية إلى المنية، وكرهوا عيش الذلة، فماتوا موت العزة، ووثقوا بمالهم في الدار الباقية، فسخت نفوسهم عن هذه الفانية، ثم لم يشربوا كأساً من الموت إلا شربها شيعتهم وأولياؤهم، ولا قاسوا لوناً من الشدائد إلا قاساه أنصارهم وأتباعهم، داس عثمان بن عفان بطن عمار بن ياسر بالمدينة، ونفى أباذر الغفاري إلى الربذة، وأشخص عمار بن [عبد] قيس التميمي، وغرب الأشتر النخعي وعدي بن حاتم الطائي، وسُيِّر عمر بن زرارة إلى الشام، ونفي كميل بن زياد من العراق، وجفا ابن أبي كعب وأقصاه، وعادى محمد بن أبي حذيفة وناواه، وعمل في ذم محمد بن أبي بكر فأعمل، وفعل مع كعب ذي الحكنة ما فعل، واتبعه في سيرته بنو أمية يقتلون من حاربهم، ويغدرون بمن سالمهم لا يحفظون المهاجري ولا يصونون الأنصاري، ولا يخافون الله، ولا يخشون الناس، قد اتخذوا عباد الله خولاً، ومال الله دولاً، يهدمون الكعبة، ويستعبدون الصحابة، ويعطِّلون الصلاة المؤقتة، ويسيرون في حرم المسلمين سيرتهم في حرم الكفار،وإذا فسق الأموي فلم يأت بالصلاة على كلالة حتى قتل معاوية حجر بن عدي الكندي وعمر بن الحمق الخزاعي بعد الأيمان المؤكدة، والمواثيق المغلظة، وحتى قتل زياد بن سمية الألوف من شيعة البصرة والكوفة صبراً، وأوسعهم حبساً وأسراً حتى قتل الله معاوية على أسوأ أعماله، وختم عمره بشر أحواله، فاتبعه ابنه يجهز على جرحائه، ويقتل ابناء قتلائه إلى أن قتل هانئ بن عروة المرادي ومسلم بن عقيل الهاشمي أولاً، وعقب بالحر بن يزيد الرياحي وبأبي موسى، وبعمر وابن(1/115)

23 / 205
ع
En
A+
A-